9

18 0 00

فقدت ريم الأحساس بكل هذه الوجوه من حولها ، إلا وجها واحدا كان يرسم نفسه و بقوة فوق الحدث ، تراه مهيمنا على كل المشاعر و على كل الموقف ، وجه فرض نفسه بقوة

الحب و قوة الصبر و قوة التضحية ، إنه وجه أبيها ، كانت تراه في هذه اللحظة قويا حتى أن انفاسه غطت على الهدير الصاخب حولها ، شعرت أن جسدها فقط هو الذي يعيش

الحدث ، تشعر بنفسها تلف لتبتسم و ترد التبريكات بأحسن منها و تأمن على الدعوات و تدعو بالعقبى لأخيها و هي في كل هذا مسيرة لا تعيش اللحظة معهم ، إحساس طغى

عليها كثيرا و لأول مرة تشعر به بهذه القوة كانت تريد أباها ، تريده الآن ، تريد أن تخبره أن يده هي التي كتبت هذه اللحظات و صبره هو الذي أوصلها إليها و تضحيته

هي التي قدمتها لها ، كانت تريد أن تجثو أمامه تقبل يمينه و تغسلهما بدموع الفرحة و تؤكد له بل تقسم بأنها ستحافظ على الهدية الغالية الثمينة ستحافظ عليها كما

أراد و ستصبح كما تمنى •• ووجه واحد من الوجوه حولها شعر بها و بقوة ، وجه واحد لمس غيابها عنهم رغم تجاوبها السطحي معهم ، قلب واحد كانت نبضاته معلقة بنبضات

القلب الذي تخبئه جوانحها ، يدق نفس الدقة و ينبض ذات النبضات ، كان سعيد ، ذلك الذي ارتبطت أقداره بها منذ اللحظة الأولى و تقمصته أحاسيسها منذ رفعت إليه عينا

بالرجاء ذات يوم ، كان يعرف تماما ما تفكر به و ما تشعر به ، كان يفهم اختلاط اللهفة بالفرحة في قلبها و كان يشفق عليها من احاسيس اللحظة و للمرة الألف شعر

أنه يريد أن يضمها إليه ، شعر أن أقصى ما تحتاجه هذه المخلوقة شفافة القلب أن تتوسد كتف شخص محب ، كان يعرف أن احتياجها لهذه الكتف الذي يحمل ، أكثر من احتياجها

لكل هذا الصخب ، لكل هذه الكلمات •• كان يشعر بها ، يحترق بها ، يتنفسها ، يترسمها ، يترجم أنفاسها حريقا في قلبه ، كان يتمنى لو أن حلمه الوردي ذلك المساء

أصبح أمرا واقعا ، كان يتمنى لو تختفي الجدران و النوافذ و الأرض و البشر و تصبح هي معه ، وحدهما و بين كفيهما المتلاصقين يسطع النور ••

كف الصخب فجأة و هدأت الأصوات و قالت الأم من بين دموعها :

لن أنسى لك أبدا موقفك يا أستاذ سعيد ، يا حامل البشرى •• تمتم :

 

 هي تستحق •• استدرك فقال :

 لكنني لم أفعل شيئا هي كتبت و هم وافقوا و ريم الآن طالبة مسجلة بالسنة الآولى في كلية الفنون الجميلة ، هذا كل شيء ••

هزت ريم رأسها و نظرت إليه ممتنة و قالت :

لو لم تفعل شيئا إلا أن أتيت بهذا الخبر لكفى يا أستاذ سعيد ، لقد أسعدت قلوب كثيرة به •• و أشارت لكل من حولها ، فقال مبتسما :

و قلبك أيضا ؟

ابتسمت و قالت :

القلب الذي حقا يحتاج للفرح الآن هو قلب أبي •• بحماس قال :

و ماذا تنتظرين ، هيا اكتبي الخطاب و سأرسله بنفسي اليوم و في البريد المستعجل أو إن شئت في برقية •• كان يريد أن يكمل "أو إن شئت أطير به بنفسي ، المهم أن

تسعدي و تظل ابتسامتك ملء العين و الفؤاد "

لكنه لم يقل •• و هي رغم غرابة الكلمات غير المنطوقة سمعتها ، سمعتها في ارتعاشة أهدابه و ابتعاد نظرته إلى عمق سحيق في عيونه السوداء ، سمعتها في إحساسه بها

الذي ترجمه بهذا الطلب ••سمعتها فأرخت عيونها أرضا ، و انتظرت أن تعرف من الطارق عندما ذهب أخوها ليفتح الباب ، كان الباب يــدق دقـــة فرح عالية ، دقــة سعيدة

و دخلت سوسن ، لم تنتبه إلى احد ركضت فورا باتجاه ريم احتضنتها و صاحت :

نحن في الجامعة الآن ، نحن في الجامعة الآن ••

كان سيد واقفا ما زال على الباب ، صــحب أخــته إلى مكتب التنســـيق ، عرف النتــيجة و عرف أن قسما كبيرا من الخطة التي سُير إليها انتهى بنجاح ، و عندما طلبت

إليه سوسن المرور على ريم لتهنئتها ، وافق فورا فهذا ما يريد ، و عندما فتح قـــاسم البـــاب و اندفعت سوسن الى ريم ، اقتحمت عيونه هيئة سعيد ، تسمر في مكانه

، و تبادل معه نظرات عداء مستتر و عندما دعته الأم للدخول اعتذر بحزم و قال :

 كنا نريد أن نكون أول المهنئين و لكن يبدو أن الأستاذ سعيد سبقنا •• ابتسم سعيد و شعر أنه يريد أن يجرحه فقال :

أنا دائما الأول يا عزيزي •• صاح سيد فافزع سمر :

هيا يا سوسن •• نظرت سوسن إلى ريم نظرة رجاء فهمتها على الفور فقالت لسيد بصوت منخفض :

 أستاذ سيد ، آمل أن تترك لي سوسن لبعض الوقت ، لنفرح سويا بقبولنا في الجامعة ، إذا لم يكن يضايقك الامر ••

نظر إليها غاضبا ، لكن نظرتها الهادئة و صوتها الذي يوجــه إليــه الكــلام للمـــرة الأولى و أشياء أخرى كثيرة كانت وراء اختفاء الغضب و عودة الوداعة و الإجابة

المطلوبة :

حسنا ، إذا كانت هذه رغبتك ••

نظر إلى سعيد ، فقال الأخير على الفور :

أستئذن أنا ، مبروك مرة أخرى يا آنسة ريم ، مبروك آنسة سوسن •• إلى اللقاء خرج من الباب بعد أن أفسح له سيد مجالا و قال قبل أن يلحق به :

متى تعودين يا سوسن ؟

نظرت إليه سوسن نظرة ذات معنى و كأنها تذكره بأمر و قالت :

فور انتهاء مهمتي مع ريم •• أومأ برأسه راضيا و قال :

مبروك آنسة ريم ، سعدت كثيرا لتزاملك مع سوسن في الجامعة ، كما تزاملتما دوما في المدرسة •• ردت ريم عليه بصوت هاديء و انصرف ، نظرت فورا إلى سوسن و قالت مغتاظة:

 أية مهمة يا سوسن التي ستنهيها معي ؟ ضحكت سوسن ، ضحكت كثيرا و بشدة حتى دمعت عيناها و قالت :

دعينا من المهمة و أخبريني كيف سنحتفل بفرحتنا هذه ؟

 *** كان اليوم الأول لدخول ريم الجامعة يوما أسطوريا بالنسبة لهــا ، لم تنــــم تـــلك اللــيلة ، و احتفظت مثل الأطفال بثوبها و مستلزماته التي ستمضي بها

إلى هناك على حافة السرير ، كانت غرفتها لها وحدها منذ فترة طويلة ، اعتادت على مخاطبة كل الأشياء و لم تكن تجد غضاضة في محادثة ركنها الأثير فيها ، كانت تحادث

لوحاتها و كأنها تحادث أفرادا يتكلمون و يسمعون ، و في تلك الليلة كتبت على إحدى اللوحات البيضاء كلمة الجامعة •• و ظلت طوال الليل تطالعها و تحادثها ، و تضيف

إليها رتوشا ترى أنها مناسبة لمجرى الحديث ، و عند الفجر كانت اللوحة قد أصبحت شيئا سرياليا لا يفــهم خطـــوطهــا و ألوانها إلا ريم ، التي كانت تعرف تماما

العبارة التي قالها لها كل خط و كل لون ، كل انحناءة و كل مساحة بيضاء ، كان أملها كبيرا جدا ، و أحلامها كبيرة ، أكبر من أن ترصده مساحة ، ظلت ابتسامتها منطبعة

على وجهها ، تتسع إذا غرد الأمل فيها و تنكمش إذا علا صراخ الضمير و الغربة التي اختارها الأب ثمنا لتحقيق هذا الحلم ••

عندما فتحت نافذتها كان الوقت قد تأخر كثـــيرا ، أكثر ممـــا اعتــادت و اعتـــاد سعــيد ، و توقعت حين نظرت للساعة ألا تراه ، كانت شرفته مغلقة ، لكن النور

خلفها كان مضاءً ، ابتسمت للضياء القادم من خصاص باب الشرفة و كأنها تراه ، و عادت تنظر إلى السماء حين اقتحمها ضوء القمر عضت على شفتها السفلى و همست :

 كيف لم أنتبه ؟

كان القمر بدرا ، و هي دعوة للخوف تعيش تفاصيلها ريم كل شهر ، شعرت بانقباضة صغيرة ••

 أخشاك و أحبك •• أية معادلة ؟ ظلت ترنو إليه فترة •• وتذكرت أنها قرأت ذات يوم أن الذئاب تجتمع في ضوء القمر المكتمل لتنوح حتى الفجر ، كأن حنينا غامضا يدفعها

لأن تبكي كلما كان القمر بدرا ، حنين أو ذكرى شيء ما حدث في اكتماله لها •• أشاحت بوجهها و همست :

و ما علاقتي أنا •• لماذا أرى الخوف وجها مرسوما على القــمر ، لمــــاذا يـــدق قلبي بشدة و أتوقع حدوث شيء رهيب حين رؤيته ، هل هي العلاقة القديمة بين القمر

و الناس ، العلاقة التي تجعلهم حين يغدو بدرا أناسا آخرين •• ؟

أفاقها من شرودها صوت باب يفتح ، انخلع قلبها ، فقد تضاعف الصوت ألف مرة في هذا السكون ، خرج سعيد إلى الشرفة ، نظر باتجاهها فورا ، كان مشعث الشعر كمن أمضى

يوما عصيبا ، بدت ملامحه عبر أضواء الشارع كأنها لتمثال من غضب ، لاحظت ذلك من طريقته في الإمساك بسور الشرفة ، كان كمن يهم بالقفز من فوقه ، لم يبتسم وجهها

رغم العادة ، فقد كانت مناجاتها للقمر قد أحدثت في قلبها الأثر الذي تخال أن القمر يريده ، كانت واجمة و قلبها ينبض بشدة لم يتخلص بعد من اضطرابها حين فتحت

الشرفة ، ظل ينظر إليها و تنظر إليه ، كان الحديث السري الذي تنطقه نيابة عنهم كل الأشياء يدور الآن ، كانت النسمات تخاطب الأشعة الساقطة من أعمدة الشوارع ،

و كانت الجدران تخاطب التراب الذي تنغرس فيه جذورها ، و كانت النافذة تخاطب الشرفة ، و الجميع كان يتساءل عن سر الصمت الغاضب بين اثنين لا تربطهما سوى ابتسامة

••

ظل الفضاء بينهما مترقبا في انتظار أن يحمل البشرى للآخرين ، أن يقول للجميع اصمتوا فقد بدأ حديث الابتسام ، لكن الفضاء بينهما مل من الانتظار فانسحب تاركا

هواءً ثقيلا قبع على كل الاشياء فاخرسها ••

كان سعيد ينظر إلى ريم بغضب منبعه هو و سببه هو و ليس هي ، لقد ظل طوال اليوم يفكر في هذه الأنثى التي قلبت موازين حياته رأسا على عقب بدون وجه حق ، و بدون

مقابل ، كان يمر بشيء مما مر به كثيرون عندما أفاقوا من دوامــــة وضعوا فيـــها أنفسهم و رفعوا وجوههم للحظة و تساءلوا ماذا هناك ؟

لماذا أظل أسيرا لهذه الفتاة ، ما الذي جرى لي فقيدني بقيد في آخره حرف من اسمها •• لماذا أسير و كأنني مسير نحو قدر لا يحمل ملامحي ، لا يشكل طبيعتي ، لا يتجاوب

مع كينونتي ؟

كان قد أمضى ليله يفكر في هذا الأمر ، يستجمع فلوله المنهزمة دوما أمامها ليعلن لها تمردا مع خيوط الصباح الأولى ، و عندما خرج أول الليل ليبدأ مناورات العصيان

معها خذلته ، و لم تخرج فأورت نار الغيظ داخــله ، كان يلمــــح الضوء من خصــــاص نافـــذتها و يعرف أنها مستيقظة وحدها في غرفتها لكنها لا تبالي بهذا المخلوق

الذي عاد يطلب حليب الرضاع بعد الفطام بسنين ••

أبله أنت ••

و كانت هي لا تعرف السر في ثورته ، لا تعرف سببا لغضبته ، احتارت في تفسير ملامحه الشعثاء الغاضبة ، بحثت في نفسها عن سبب لهذا الغليان الذي ينطق به الصمت و

الهواء الثقيل بينهما فلم تجد و في غمرة بحثها تذكرت أنها ابتسمت قبل قليل لضوء ينبعث من خصاص شرفته ، و لم تبتسم له ، و شيء داخلها أكد لها أن هذا هو السبب

، ابتسمت للخاطر ، و طالعته بعيون عاتبة مبتسمة ، تفرس ملامحها و كان قد كاد يهجر تلك الملامح مختارا و بملء إرادته ، كان يراود نفــــسه الانســحاب إلى الداخـــل

و صفع الباب في وجهها ، لكنه لمح تلك الابتسامة العاتبة ، ابتسامة لملمت ما على شفاه الأشياء حولهم و قدمته حديثا طويلا لقلبه المتعب ،ابتسامة أعطت أمرا صارما

لفلوله المتحفزة للتمرد بأن تمضي بلا عودة ، أن تركض للخلف ألف ألف خطوة ، تفـــرس مليـــا و كأنما خيط سحري يربط بين الشفتين ، و كأنما قدر أبدي يضع ما على

هذه على تلك ، وجد نفسه رغما عنه يبتسم •• هكذا ببساطة يبتسم ، و كأن الليل الطويل كان ليل غيره ، و كأن التمرد كان نداءً تائها استقر في أذنه لساعات و غادرها

في ثوان ••

هكذا ببساطة ابتسمت ريم فابتسم سعيد ••

*** عندما دخلت الأم لإيقاظ ريم ، وجدتها مرتدية حلتها الجديدة ، ثوب برتقالي اللون بحزام أبيض و حذاء أبيض و عقدة شعر برتقالية و أخيرا حقيبة يد بيضاء ، كانت

تبدو في كامل استعدادها ، مشرقة الوجه كأنها نامت الليل بطوله ، مبتسمة كأن ابتسامتها علقت منذ البارحة فلم تستطع أن تسحبها و أخيرا و كأنها تكمل حديثا ، ركـــضت

نحــــو أمها و قبلتها و صاحت :

بالطبع أنا مستعدة جدا ••

تأملتها الام بفخر و إعزاز و قالت :

كم أنت جميلة يا ابنتي ، يرعاك الله

هل الثوب مناسب ؟

يكاد يكون قد صنع خصيصا لهذا القالب أيتها الغالية ••

أمي هل أبدو حقا جامعية ؟

إن لم تكن الجامعة قد قامت من أجل ريم ، فلمن إذن قامت ••؟ !! ضحكت ريم و عادت تقبل أمها و خرجتا معا نحو الصالة ، كانت الأم قد صنعت الشطائر المحشوة لابنتها

مثل أيام المدرسة تماما ، أو على الأقل كان هذا ما علقت به ريم عندما رأتها ••و قالت :

لقد كبرت يا أمي على أخذ الفطور معي ، أنا فتاة جامعية ••

أصرت الأم و وضعت الشطائر في حقيبتها و هي تقول :

لا ترفضي طعام أمك ففيه البركة كلها ، ها هل تعرفين طريقك ؟ أجابت ريم بامتعاض مفتعل :

سيد وعد سوسن باصطحابنا في اليوم الأول ليدلنا على الطريقة ووسائل المواصلات المطلوبة و أنا بانتظارهما ••

لم تكد تنهي عبارتها حتى دق الباب دقات مرحة فأكملت ريم :

و ها هي سوسن قد جاءت •• ركضت ففتحت الباب و عندما طالعتها سوسن صاحت :

آه يا إلهي ما كل هذه الأناقة ، إنك حقا تبدين جامعية •• قالت الأم و هي تكبر و تحوقل في سرها :

أنت أيضا يا سوسن تبدين في غاية الأناقة يا ابنتي ••

همست سوسن :

لقد أجبرني سيد على ارتداء هذا الثوب ، و هو ليس ما أعددته لليوم الأول ، لكن لا بأس غدا عندما نذهب بمفردنا سنرى من ستكون الأكثر أناقة •• ضحكت ريم و قالت

هامسة أيضا :

سأخبر سيد ••!!

سارت الفتاتان خلف سيد و عيون الأم ترافقهما حتى اختفتا عن الشارع و دعاء طويل لم ينقطع كان في الأثر •• تعمد سيد أن يسير ببطـء حتى تحاذيه الفتاتان ، و تعمدت

ريم أن تبطيء حذر هذه المحاذاة ، إلا أن سوسن شدتها هامسة :

أسرعي •• لا تعاندي يا ريم ، لا نحتاج غضبه الآن ••

استسلمت ريم لصديقتها فلم يكن أمامها إلا الرضى بهذا الدليل على الأقل في اليوم الأول ، و كان سيد قد بدأ في ارتداء حلة الأستاذ فكانت كل خطوة بكلمة ، و انصب

كلامه على شرح الطريقة ووسائل المواصلات و أهمية الانتباه إلى أنفسهن أثناء عبور الشارع و في المواصلات و خاصة من مضايقات الذين لا هم لهم إلا مضايقة بنات الناس، و كان يوجه حديثه لأخته و يميل نحو ريم و يقول :

و الكلام لك أيضا يا آنسة ريم ••

فكانت ريم توميء برأسها و لا تتكلم و هي تدعو الله أن ينتهي هذا الطريق •• و على باب الجامعة نظر سيد في ساعة يده و قال :

يجب أن أترككما الآن ، سأعود عند الثانية و النصف ، انتظراني حتى لو لم يكن لديكما ما تفعلانه ، فطريق العودة يختلف و المضايقات تكون فيه أشد •• قالت سوسن

بسرعة و هي تحاول مداراة صديقتها حتى لا يلمح سيد ضيقها :

نعم •• نعم يا أخي بالطبع سننتظرك هنا تحديدا ••

ابتسم سيد و مضى في طريقه ، التفتت سوسن إلى ريم و صاحت :

إنه الخلاص •• كانت ريم تطالع ساعة الجامعة الكبيرة ، و تحتوي بعيونها موقع الحلم الكبير ، كان هناك آلاف من الطلاب و الطالبات مختلفي الصور و الهيئات و الأعمار، يشتركون فقط فيما يحتضنونه بين أيديهم من حقائب دراسة مختلفة الأشكال•• تطلعت سوسن حيث تتطلع و قالت و هي تضع يدها على عيونها :

ياه ه •• من أين نبدأ ؟

قالت ريم :

نسأل عن موقع كليتنا ثم نذهب إليها و هناك نعرف ماالذي اعدوه لنا •• المنطق يقول هذا •• و شدتها من يدها لتدخلا من البوابة الكبيرة ، بوابة الحلم كما أسمتها

ريم •• ***

و تطلع إلي مدير شؤون الطلاب بنصف عين و قال بصوت أجش :" فلسطينية •• هاه •• عليك أولا دفع رسوم التسجيل قبل أن يتم اختبارك في القسم الذي تختارين ••"

و هل سألت عن مقدار هذه المصاريف ؟ جلست ريم على الأريكة حانقة و هي تحكي لأمها أحداث يومها الأول بالجامعة و قالت و هي تزفر :

جميع الطلاب المصريين رسومهم ستة جنيهات و نصف ، أما أنا فرسوم تسجيلي ستمائة جنية استرليني •• شهقت الأم و بعدها ران الصمت •• كان قاسم يستمع للحديث صامتا، كانت حالة ريم يرثى لها ، و حتى سمر احترمت صمت الجميع فصمتت و هي لا تدري •• نظرت الأم إلى يدها و قالت :

كم يساوي هذا المبلع بالجنية المصري يا ريم ؟

تطلعت ريم إليها و قالت لأمها و هي تعرف فيما تفكر :

لن ينفع يا أمي ، لن ينفع ، بيع ذهبك و ذهبي و حتى قرط سمر لن يفي بالغرض ، مبلغ التسجيل ستمائة و المبلغ السنوي ستمائة ، أي ألف و مائتي جنيه استرليني علينا

دفعها هذا العام ، هل تتصورين مجرد تصور أننا سنتمكن من هذا ؟

ظل السؤال معلقا بلا إجابة ، و من منهم يستطيع الإجابة عن سؤال يختصر كفاح عمرهم بعبارة واحدة :

لا نملك •• و من أين لنا هذا ؟ حتى المنزل عندما أدارت الأم وجهها في اثاثه بدا في هذه اللحظة متواضعا شديد التواضع ، لا يملك أن يخرج قطعة واحدة فيه تستحق

ثمنا قد يساعد ••