ارتجفت شــفتا ريم غضــبا و لمح الطبيب بداية شروع في البكاء على ملامحها فأسرع يقول :
سأرسلك إلى عيادة طبيب خاصة ، هو صديقي و لن يطلب منك شيئا إذا أعطيته هذه الورقة •• أخرج الطبيب قلمه و هم في الكتابة فاستوقفته ريم و نهضت قائلة :
لا تكتب شيئا يا دكتور ، لن أذهب لأي طبيب ، إنه أمر عارض بسيط و لا يستحق القلق •• أشكرك على أية حال •• خرجت ريم بسرعة و لم تلتفت إلى الطبيب الذي كان يناديها
•• خرجت و هي تشعر أنها مضطهدة و وحيدة في هذه الحياة •• لم تلتفت إلى أي مخلوق و عندما صارت بقرب باب الكلية وجدت سوسن مع أصدقائها و بادرتها بسرعة :
ما بك يا ريم ؟
فقالت ريم :
لا شيء ، سأذهب الى البيت
و المراجعة بعد قليل ؟
لن أنتظرلا تدري ريم بأي اقدام سارت و لا بأي طريقة وصلت إلى بيتها و عندما رأتها الأم افزعها ما على وجه ابنتها من حزن و غضب و ما في عيونها من دموع فحاولت
دفعها إلى الكلام و رفضت ريم أن تعبر بأية كلمة ، طلبت فقط أن تتركها لترتاح ••ألقت برأسها على الوسادة و شرعت في البكاء الهاديء الذي يرسم إحباطا و نامت ••
***
عندما دخل سيد غرفة أخته وجدها منكبة على كتبها فقال :
هل يمكن أن نتحدث قليلا ؟ عرفت سوسن ما يريد محادثتها فيه فقالت :
هل يمكن تأجيل الحديث إلى ما بعد الامتحانات ؟ فقال سيد :
لن أعطلك هو سؤال واحد
ما هو ؟
لماذا عادت ريم مبكرا اليوم إلى منزلها ، لقد رأيتها تعود بمفردها و كنت أعرف أن محاضراتكم تنتهي في السادسة ، كما أن وجهها كان حزينا و لم تنتبه لأي شيء حولها
فماذا حدث ؟ تنهدت سوسن و قالت :
في الحقيقة يا أخي لا أعرف ، كل ما أعرفه أن ريم في الفترة الأخيرة زخذت تسلك معنا سلوكا غريبا ، ترفض محادثتنا أو الجلوس معنا و تتخذ لنفـسها مكانا منفــردا
و ترسم أو تقرأ بدون هوادة ، ربما كان الامتحان القادم هو السبب ••• هز سيد رأسه و قال :
لا •• هناك شيء ما يضايقها كثيرا ••هزت سوسن كتفيها و قالت :
بعد الامتحانات سوف أزورها لأعرف •• أما الآن فلا وقت لدينا لنضيعه •• أومأ سيد موافقا و خرج ••
***
ابنة العم / ريم
عرفتك عن طريق تامر ، أرسل لي رسالتك الأولى إلى عم عمر يرحمه الله و طلب إلي أن أراسلك ••في البداية رفضت الفكرة ، فأنا لا أعرفك ، و لا أعرف إذا كان الحديث
معك مجدي أو لا •• و لكن بعد أن كتب إلي تامر ثانية و اخبرني عن إحباطك في الخطاب الثاني قررت أن ارسل إليك هذه الرسالة ، قررت أن أعـــرفك أكثر •• لقد بدأت
تشعرين و تعرفين و هذا هو الطريق الصحيح للوصول للهدف ، للوصول إلى الوطن •• ربما حالت الظروف و الحدود دون زيارته ، لكن الزيارة ليست هي موضوعنا و إنما المعرفة
الحقيقية هي موضوعنا ، أنا مهندس كهربائي ، أعمل في الصحراء الليـــبية ، في مشــروع كبير ، و رغم أن الحياة هنا ربما كانت أسهل من الحياة في أي قطر عربي آخر
إلا أننا نعاني مثلما تعانون ، و أكثر ما يشغلني هو ضرورة المشاركة في الكفـــاح المسلح في فلسطين ، و لقد حاولت مرارا أن أتسلل إلى بلادي لكنني كنت اكتشف و
أعذببسبب هذه المحاولات و للأسف من عرب مثلنا ••أسمعي يا ريم سأحاول أن آتي إلى مصر قريبا لرؤيتك ، و سأشرح لك عندها أشياء كثيرة ربما يهمك أن تعرفيها و
حتى ذلك الوقت استمري في طريق التعليم و حاربي من أجل النجاح فيه إلى النهاية ••
سهيل سعيد القاسمطوت ريم الرسالة و تنهــدت ، ها هو قريب آخـــر مازال يحلم بالوطن •• ابتسمت ساخرة و نهضت جالسة لتستقبل أمها التي دخلت بحذر فلما وجدتها
مستيقظة و الخطاب في يدها قالت :
من تامر ؟
لا ، لقد وصل في نفس اليوم الذي وصل فيه خطاب تامر لكنني لم اقرأه إلا اليوم •• إنه من سهيل ، أحد أبناء عمومتنا ، لا أعرف تحديدا درجة القرابة ، لكنه يعمل
في ليبيا ••
كيف حالك الآن ؟ تنهدت و قالت :
الحمد لله ، بخير ، لقد كنت متعبة قليلا و كنت بحاجة للنوم ••
ألن تحكي لي أسباب تعبك ؟
صدقيني يا أمي لا شيء ، يبدو أنني أتعامل بحساسية مع الأمور أكثر مما ينبغي ، هذا كل ما هنالك •• نهضت الأم و هي تقول :
على راحتك ، هل أعد لك طعام الغذاء ؟
لا أشكرك ، لست جائعة ، صحيح يا أمي ما أخبار الأستاذ سعيد ، لم أعد أراه أبدا •• قالت الأم و هي تغادر الغرفة :
لاشيء••إنه فقط ولد عاقل •• نهضت ريم ففتحت نافذتها و تطلعت إلى شرفته ، كانت مغلقة مهجورة ، كأنها لم تكن يوما المكان المفضل لسعيد ، منذ أيام و هي تراها
مغلقة دوما •• تنهدت و اتجهت للوح الرسم و تطلعت مليا إلى حدوده و قالت :
منذ زمن لم أرسم •• كأنني انقطعت فجأة عن كل ما أحب •• أمسكت قلمها الفحمي و شرعت في رسم بعض الخطوط ••
***
بدأت الامتحانات ، امتلأت ساحة الكلية بالخيام الضخمة و اصطفت فيها المقاعد و تحددت اللجان ، و أقبل الطلاب و الطالبات من كل مكان يبحثون عن أماكن جلوسهم وفق
الأرقام التي يحملونها •• و توجهت ريم إلى مكانها بعـــد أن ردت باقتـــضاب على كل من حياها ، و عندما دقت الساعة التاسعة كانت الأوراق قد وزعت و احتل المراقبون
أماكنهم و بدأ الطلاب في تصفح الأسئلة ، و قبل أن تبدأ ريم في قراءة ورقتها عملت بما أوصتها به الأم فقرأت سورة يس و دعاء سيدنا موسى عليع السلام " رب اشرح
لي صدري و يسر لي أمري و احلل عقدة من لساني يفقهوا قولي " و ما إن قلبت ورقتها و شرعت في قراءتها حتى لاحظ الطلبة جميعهم ثلاثة من موظفي شئون الطلاب و على
رأسهم الأستاذ شاكر يتقدمون نحو لجنتهم و يتصفحون الوجوه ثم صاح الاستاذ شاكر بمجرد رؤيتها :
ها هي ••توجه الثلاثة إليها و قال المدير :
ريم •• ليس من حقك تأدية هذا الامتحان •• كانت ريم تطالعهم منذ دخلوا الخيمة الكبيرة و استشعرت الخوف المجهول يزحف قويا على قلبها و هي تراهم يتخطون كل اللجان
و يتجهون إلى لجنتها ، ثم رأتهم و في وجوههم الحزم و الشر يتجهون ناحيتها تحديدا ، ارتجف القلم في يدها و تعالت دقات قلبها و تطلعت إلى الاستاذ شاكر و تمتمت:
لماذا ؟ مدت الموظفة يدها و سحبت الورقة بعنف و قالت :
لأنك لم تدفعي المصاريف •• شعرت أن الارض تميد بها •• وهذه الوجوه الثلاثة التي تحيط بها تحمل الوعيد إليها ، في نظراتهم قسوة غير مسبوقـــة و في كلماتهـــم
تجريـــح لا يحتمل و في تصرفاتهم عنـــف و تحفز •• ترك الزملاء أوراقهم و تابعوا بكثير من الشفقة هذا الموقف ، و لم يتدخل أحد ، و قال شاكر :
هل تحسبين أنك تستطيعين خداعنا ؟لقد كتبت إقرارا على نفسك بعدم دخول الامتحان إلا بعد دفع كامل المصاريف ، فأين هي ••؟ و قالت الموظفة :
هؤلاء هم الفلسطنيون ، الخداع في دمهم ••• نظراتها توسلت إليهم أن يرحموها ، روحها لا تطيق ما يحدث ، الخوف تحول إلى مارد ضخم ، و الغضب إعصار يجتاح روحها
و الموقف برمته كان أسوأ ما توقعته في حياتها •• دفعتها الموظفة بخشونة و قالت:
انهضي ، هذا المكان أولى به مصري •• و قال شاكر :
إذا لم تكونوا قدر التعليم فلم تتعلمون ؟
التفتت الموظفة إلى الطلاب و قالت :
انتبهوا إلى أوراقكم و سنخرج فورا •• جــذبت ريم من ذراعــــها و أنهـــضتها قسرا ، فنـــهضت مــعها مستسلمة و الخزي يطوقها و المرارة تعتصرها ، و لم تفلتها الموظفة إلا على باب الخيمة و هي تقول :
إذهبي فأحضري المصاريف و إلا قمنا بشطب اسمك من الكلية تماما •• الكلية ليست مكانا للاجئين •• و انهارت ريم ، سقطت على الأرض أمام الخيمة و هي تنوح بصوت عالي
•• لم يكن الامتحان هو السبب الوحيد لنواحها •• كان الخزي و القسوة و الظلم ، كان الشعور بالاضطهاد و التمزق ، كان الضعف و المذلة •• كان القهر و الحرمان،
ناحت ريم و هي تشعر بشيء أسود يلف روحها و يطمس بصيرتها •• أحست أن كل العيون التي تراقبها عيون متواطئة شاركت في الجريمة ضدها أرادت أن تتنفس فلم تستطع ، أطبق
كائن هلامي على صدرها فبلغ الفزع منها كل مبلغ و سقطت مغشيا عليها •• و عندما أفاقت كانت في العيادة ، كــان في الغرفــــة عدد من الأشخـــاص تعـــرف بعضهم
و آخرين لا تعرفهم ، شعرت أنها منهكة للغاية ، لم يكن بوسعها أن تحرك أطرافها و خطر لها أنها شلت ، غير أن لمسة الطبيب ليدها أعادت إليها الإحساس بها فحركت
أصابع قدمها و كانت بلا حذاء فاستجابت لها ، تنفست بعمق و أغلقت عيونها فسقطت دمعة من بقايا الموقف كانت لازالت عالقة ، جاءها صوت الطبيب و كأنه يأتي من عمق
سحيق كان يقول كلاما مشجعا و يوجه بعضه لها و بعضه لمن حولها ، الذين ارتفع لغطهم مستنكرين ما جرى معها •• كانت تريد أن تعرف الوقت و هل انتهى وقت الامتحان
أم مازال لم ينته •• رفعت رأسها فأحسته ثقيلا ووجدت الطبيب يعيدها إلى الوسادة بسرعة قال:
اهدئي يا ريم •• ابقي كما أنت •• فتحت عيونها فغزا شعره الأبيض مجال رؤيتها ، كان يغرس حقنة في وريدها ، شعرت بشكة الإبرة فتأوهت ، ثم استكانت مستسلمة لما
يحدث ، اقترب من فراشها وجه لا تعرفه ، كان شابا أشقر الشعر وسيم الملامح ، له شارب كث يشبه شارب أبيها ، مد يده ووضعها على يدها المستكينة للحقنة و همس بصوت
عميق :
سلامتك •• هزت رأسها ، فأكمل و هو يبتسم مشجعا :
لقد تركنا اللجان تضامنا معك ، و هناك من يحدث العميد باسمنا في شأنك و عما قليل يصلون •• قرأ في عينيها السؤال فأجاب فورا :
نحن الطلبة الفلسطنيين في الجامعة ، جئنا من مــختلف الكليات عندما وصلنا الخبر ، و الزميل بسام يتحدث الآن مع العميد و اعتقد أنه سيعود إلينا بعد قليل و معه
نتيجة المحادثة •• ربت على يدها و قال :
آمل أن تكون كما نتمنى •• هزت ريم رأسها و قالت بضعف شديد :
لا فائدة ، لا فائدة •• ربت بقوة على يدها يهدئها و قال بثقة :
لايأس مع الحيــاة يا ريم ، كلنا مررنا بما تمرين به ، و إن هي إلا لحظات و يسوى الموضوع •• جاء بسام ، كان شابا طويلا نحيفا أسمر البشرة في ملامحه قوة و في
صوته حزم قال بمجرد دخوله :
سوي الأمر يا أصدقاء •• كيف حالها ؟
أفسح له الشاب مكانا فوقف بجوار فراشها و قال :
إنك ضعيفة كأنك لست فلسطينية ، هل أثر عليك أخوالك يا بنت ؟ ابتسمت رغما عنها فأكمل :
أنا بسام •• رئيس رابطة الطلبة الفلسطنيين في الجامعة ، طالب في السنة النهائية كلية التجارة ، لقد تركت الامتحان من أجلك •• الجميع ترك الامتحان من أجلك ،
ذهبت للعميد و تفاهمت معه ، لا بأس ستدخلي الامتحان بقية الأيام و سيخفون النتيجة حتى تدفعي •• مال عليها و قال باسما :
لكننا سنستطيع على أية حال معرفة النتيجة فلا تبتئسي •• تنهدت و همست :
لا فرق •• فقال :
لا يا ريم ، هناك فرق ، أنت ستصنعينه ، حاولي أن تعطي أفضل ما لديك في الأيام المتبقية ، نحن لا نقبل بأقل من الامتياز ••أليس كذلك يا خالد ؟ تقدم خالد و كان
هو الشاب الأشقر فقال برفق :
ريم قادرة إن شاء الله على إثبات ذلك ، أساتذتك يثنون عليك ، في الحقيقة الجميع مستاء من أجلك ••
قال بسام :
حسنا نتركك الآن و نراك يوم الثلاثاء القادم ، أليس امتحاناتك سبت و ثلاثاء ؟ هزت رأسها إيجابا فقال :
حسنا يا أصدقاء هيا بنا •• ريم هذه المادة التي ضاعت عليك لن تعفيك من مسئولية الامتياز في باقي المواد •• اعتبريه أمرا وجب عليك تنفيذه ••مفهوم ؟ هزت رأسها
مبتسمة رغم أنه لم يكن يبتسم ، و عندما خرجوا قال بسام لخالد :
كنت على إستعــداد لتحـــويلها لقضية سيــاسية كبـــرى ، لولا تــدخل الدكتــور طـــارق و تحذيره الصـــريح للعمــيد من تدخل الصحافة •• يبدو أن العميد يكترث
كثيرا للصحافة ••
قال الطبيب لريم و هو يبتسم بحنان :
أجـــمل شيء أن يشعر الإنـــسان أنه ليسوحيـــدا في هذا العالم ، و إذا كــنت قد قابلت و تعرضت لبعض السخفاء فإن لــديك عدد ا لا يستهان به من الأخيار الذين
يتألمون من أجلك •• همست ريم بوهن :
آخر ما كنت أحلم به يا دكتور سامي أن أكون محل شفقة من أحد ، أنا لا أشحذ ، و لست طالبة صدقة ، أنا عربية لأم مصرية و أعيش في مصر و فيها ولدت و كنت أعتقد
أن هذا كافي ، لكنه غير كاف بالمرة •• دخل أحمد الغرفة ، كان يمسك بقلمه و مسطرته ، وقف قلقا على الباب فدعاه الطبيب للدخول و قال :
تعال يا أحمد ، ريم بخير الآن •• نظر إليها بكثير من الشفقة و قال بغضب :
وددت لو قتلته •• هزت ريم رأسها و ابتسمت بمرارة و هي تقول :
لا داعي لأن تشعر بالغضب ، هو موظف و ينفذ قانون و لا لوم عليه ، اللوم على الظروف و هذه ليست بيدي و لا أملك تغيرها •• اقترب أحمد من فراشها و قال برفق :
هذا الموقف جعلني أفهم الكثير ، عرفت من خلاله ما لم أكن أعرف ، و فهمت أحاسيسك أكثر و عرفت لماذا اتخذت ذلك الموقف منا ، عندك حق •• إنني شديد الخجل أن يكون
فينا مثل الأستاذ شاكر ، و لكن صدقيني ليس الجميع هو الأستاذ شاكر •• أومأت ريم برأسها موافقة ، و أغمضت عيونها إيذانا بعدم رغبتها في مواصلة الحوار •• فأنصرف
أحمد ••
عندما عادت ريم إلى المنزل كان بانتظارها خبر آخر و موقف آخر تحكيه الأم بصوت متهدج و عيون دامعة و قلب جريح كانت تقول :
نظر لي و في عيونه نظرة احتقار غريبة و قال ما الذي جعلك تتزوجين من فلسطيني ؟ ألقى أوراقي في وجهي و صاح ، تريدين تخفيضا في المصاريف و زوجك يعمل بالسعودية
، لماذا هل هي دولة أبيه ، إذا أردت أن تعلمي أولادك فليكن من جيب أبيهم ، الدولة ليست مكانا للاجئين ••
و أجهشت الأم بالبكاء و هي تقول :
حسبي الله و نعم الوكيل ، حسبي الله و نعم الوكيل •• أدارت ريم وجهها كيلا ترى أمها همها و أكملت الأم :
قلت له يا بني لا يصح أن تقول هذا الكلام ، لو كان معنا ما تقدمنا إليكم و لا عرضنا أنفسنا لعباراتكم الجارحة ، لكنه لم يبال بما أقول ، كان نافوخي يضج من
حرارة الشمس و طول الانتظار ، و كانت أعصابي محترقة ، قلت له إن لدينا ولدا يدرس في مدرسة خاصة و يكلفنا نصف راتب الزوج في غربته شهريا ، قلت له إننا نعيش في
بيت مفتوح يصرف على طعام و كساء و دواء و مراجع و كتب دراسية و ملازم ومواصلات •• صحت فيه بأنني مصرية و من حقي أن يتعلم أولادي في بلدي و أن يحصلوا على تخفيض
مناسب في مصاريف الدراسة و العلاج لكنه أشاح بيده و قال بلا مبالاة ، إذا كنت مطلقة أو أرملة ينظر في طلبك ، أما و أنت زوجة لفلسطيني ( خليه ينفعك ) •• واصلت
الأم البكاء فانكبت ريم على أمها تحتضنها و تقبل و جنتيها و يديها و تقول:
لا تبك يا أمي •• أرجوك لا تبك •• أرجوك سامحيني أنا من عـــرضتكم لكـــل هذا الـــذل و العناء ، أنا من دفعت بكــم إلى طــــريق المعاناة بحـــلمي الأخرق
•• أنا من كــتبت عليكم و على نفسي هذا الخزي •• لكنني لم أكن أعرف ، لم أكن ، أعرف ، أقسم لك ، أقسم لك •• ارتاعت الأم الباكية لهذه الحالة الغريبة من العذاب
التي تمر بها ريم ، فأسرعت تكفكف دموعها و تنتبه إلى ابنتها تسألها عما جرى •• أخذت ريم تقص ما حدث تفصيليا و ما شعرت به و أخيرا قالت ما قررته و هي تشهق بالعذاب:
لذا لن أذهب إلى الجامعة ثانية ، و لنطوي هذا الحلم السخيف و نطوي معه عذاباتنا ••صاحت الأم :
لا •• لا تتفوهي بهذه العبارات مجددا •• إن شاء الله ستكملين دراستكو لو كان الثمن حياتنا •• إنه حقك و حق أخواتك ، إنه الشيء الوحيد الذي ستواجهون به دنيا
ترفضكم •• لقد فهمت إصرار أبيكــم وأصــر بدوري حتى لو أدى الأمر إلى أن أنفصل صوريا عن أبيكم •• فصاحت ريم :
لا •• لا تقولي هذه الكلمة ، لا تضعي هذا الفرض و لو مجازا في حياتنا ، لن أسمح أبدا بأن يكون ثمن تعليمي هو شرخ في صلب علاقتك بأبي ، لا يمكن أن يكون هذا
هو الثمن ، لا يمكن •• لا يا أمي لا تقوليها مجددا ، لا •• أرجوك يا أمي •• لا •• فقالت الأم و هي تبتسم لابنتها وسط دموعها :
أنتم يا ابنتي أغلى الغوالي ، و إن كان هذا هو الثمن الذي ينبغي دفعه فلا بأس •• إنه انفصال صوري ، ورقة طلاق أحصل عليها و أقدمها مع الأوراق إلى إدارة الوافدين
تتيح لك التعليم دون مشاكل •• نعود بعدها فنتزوج مجددا •• ضحكت ريم بسخرية مريرة و قالت :
حتى متى يا أمي ، حتى متى ؟ أمامي أربعة أعوام ، قبل أن أنهيهها سيكون أخي قد دخل بدوره الجامعة •• و بعده سمر ، هل ستظلان منفصلان إلى أبد العمر من أجل تحقيق
هذا الحلم •• هل ستقبلين أن تصلك ورقة طلاق من أبي بعد هذا العمر •• في فترة أنتما أحوج ما تكونان لبعضكما البعض تنفصلان ••هل هذا ما تقدمانه من أجلنا •• هل
هذا ما سيسعدنا و يحقق أهدافنا •• إنني أموت يا أمي لو حدث هذا ، أموت لو أوصلتكما يوما للطلاق كي أعيش ، تعسا لها من حياة لو كان الثمن سعادتكما يا أمي ••
لا لا تقوليها أرجوك •• انفلتت ريم إلى غرفتها و جففت الأم دموعها و قالت تحدث نفسها مستنكرة :
طلاق ؟ أعوذ بالله !!