23

19 0 00

و عندما انصرفت ريم دون أن تفصح ، أخذت معها اطمئنان الأم و راحة بالها •• و تركتها في قلق لا يعلم إلا الله مداه ، قلق لم تستطع الأم إخفاؤه و بادرت به الأب

حال عودته قالت و حسرتها تسبقها :

 ريم تعيسة يا جهاد •• نفس الأب دخانه بهدوء و قال كمن كان يعرف :

 البداية دائما صعبة •• هزت أم ريم رأسها و قالت :

 ريم مجروحة ، مصدومة •• إنطفأ البريق في عيونها ، و أصابها هزال غريب •• لابد أن نفعل شيئا •• قال الأب :

 هل حدثتك بشيء ؟ هزت رأسها نفيا فقال:

 إذن دعيها حتى تقول •• ريم لا تريد منا التدخل ••

 لكنها تتعذب

 إذا استجارت بنا أجرناها

 ريم عنيدة

 هي أدرى بشؤونها •• ريم لم تعد صغيرة ••

 لهفي عليك يا ابنتي •• لهفي عليك ••

***

في شئون الزواج و العشرة بين الزوجين دائما مشاعل خبيرة ، و عندما جاءت أم عبد الله في زيارة للجاليري و علقت على هزال ريم و لما يمض على زواجها شهرين علقت

مشاعل :

 ريم أصبحت كتومة للغاية ، أعتقد أن للأمر علاقة بما بينها و بين زوجها ••

صحبتها أم عبد الله إلى مطعم السوق ، و عندما جلستاقالت لها بحنان :

 ريم •• أحيانا ، يصعب علينا الإعتراف بهمومنا حتى لأقرب الناس لنا ، لكننا دوما بحاجة لمن يسمعنا و يفهمنا و يخفف عنا ، حتى لو كان الكلام لمجرد التخفف من

همومنا •• أنت فنانة و راحة البال رأس مالك ، فإذا تركت همومك تأكلك ضعت ، لذا آمل أن تتحدثي معي ، كصديقة و ليس كصاحبة مال ••• و ريم لم تكن بحاجة لهذه المقدمة

، كانت تريد حقا شخصا غريبا يفهمها ، يبدي تعاطفا ، أو يقدم حلا •• كانت تريد الكلام لكنها لم تكن تعرف لمن تبوح ، كانت تخشى على أبويها من هم لن يفارقهم ،

ناقشت مع نفسها مرارا أن تفضي إليهم بهمها لكنها كانت دوما تتراجع ، لا تريد أن تشعل حزنهما عليها ، و لا تريد أن تسمع كلمة عن اختيارها ولا تريد أن تفسد علاقة

بينهم و بين زوجها •• محاذير كثيرة كانت تمنعها ، و لا معنى لكل هذه المحاذير مع أم عبد الله ، لذا حكت ، قالت كل شيء بصراحة ووضوح ، تحدثت كأنها تحدث نفسها

، استفاضت في الشرح لأمرأة صامتة كانت تتلقى قصتها كأنها تشاهد فيلم خيالي لا يمكن تصديق أحداثه و عندما انتهت ريم من كل شيء قالت أم عبد الله على الفور :

 شهران يا ريم ؟ شهران بلا زواج •• لا يوجد ما يبرر صمتكفقالت ريم على الفور:

 لا أستطيع أن أبوح بهذا السر لمخلوق ، إنني أكتفي بالدعاء لله في كل صلاة أن يفرج هذا الكرب و يرفع عن صدر زوجي مارد الغضب على الحياة ، أنا متأكدة أنه يعاني

•• فقالت أم عبد الله بحزم موقفة استطراد ريم :

 أيا كان يا ريم ، البداية أن تواجهي الأمر، و أن تعترفي بها مشكلة ، لا يقوم زواج بين أثنين على تبادل تحيات الصباح و المساء ، يجب مواجهة سهيل بمشكلته ، يجب

أن يعرف أنك ترفضي ما أنتم عليه ، لأن حياتكم غير سوية ، عليك أولا بالمحاولة معه ، فإن لم تجدي محاولتك نفعا فعليك بوالدك ، أو والدتك ، يجب أن يعرض سهيل نفسه

على طبيب •• صاحت ريم :

 أحاول معه ؟ لا يمكن •• فقالت أم عبد الله بجدية :

لا خجل مما أحله الله يا ريم ، ربما كان زوجك متهيبا و بحاجة لأن تكسري معه حاجز الهيبة ، ربما كان بحاجة فقط إلى بداية مشجعة ، خجل الزوجات أحيانا يوحي بالبرود

، و بعض الرجال يستجيبون لهذا البرود ببرود مماثل ، ربما كان زوجك منهم •• حاولي قبل أن تفتحي معه الموضــوع مباشرة ، فإذا لـــم يستجب فعليك بأمك و أبيك ،

لابد من تدخلهما ••

 لا •• لا أريد أن يتدخلا في هــذا الأمر ، إنني أفضل الموت قبل أن أفتح فمي بهذا الأمر لأي منهما ••

 حسنا إبدئي أولا ، و ربما لن تحتاجي لأي تدخل بعدها ••

 هل تعتقدين بضرورة هذا ؟

 بل أنا متأكدة من ضرورته يا ريم •• *** ظلت ريم بعد حديثها مع أم عبد الله أسبوعا تقوي نفسها ، فيغلبها الحياء و ترضخ آخر الأمر لحيائها فلا تفعل ما أوصتها

به السيدة ، و صادف أن عادت ريم من عملها بعد هذاالأسبوع مجهدة ، و كان سهيل متأخرا في العودة للمنزل ، و لم تتمكن ريم من مقاومة رغبتها في النوم رغم يقينها

بأن نومها سيضايق زوجها الذي رفض دائما أن تنام قبله ، لكنها لم تستطع الصبر ، فألقت بنفسها على الفراش و استغرقت في نوم عميق على أمل أن تستيقظ قبل عودته ،

لكنها لم تستيقظ بعد ساعات إلا على يد سهيل و هو يوقظها قائلا :

 ألم أخبرك أنني لا أحب نومك بدوني •• فتحت عيونها بصعوبة ، فلم تقوى على مواجهة الضوء المشتعل في الغرفة فأغلقتهما بسرعة و قالت بين تهويمات النوم :

 دعني يا سهيل ، لا أستطيع مغالبة نعاسي ، أرجوك أطفيء الضوء ، إنه يضايقني •• لكن سهيل لم يدعها و عاد يهزها :

 إنهضي ، أين عشائي ، إنهضي يا ريم ، لم أتزوج لأسهر وحيدا •• فجأة انتبهت كل ذرة في كيانها ، طار النعاس بسرعة لم تتوقعها ، و وجدت نفسها مدفوعة لتنفيذ أمر

، ترددت قليلا و قالت بلهجة لا تخلو من تحذير مبطن :

 أتركني يا سهيل أكمل نومي •• لكنه و قد أيقن من صوتها يقظتها التامة عاد يلح من جديد :

 هيا يا ريم ، إنهضي ، لا داعي لمضايقتي •• نفضت الغطاء عنها و قالت بمكر :

 أنت الذي تصر •• لم يفهم سهيل ماذا تعني ، و راقبها و هي تنهض من الفراش بسرعة و تتجه إلى باب الغرفة فتغلقه بالمفتاح عليهما ، و تضع المفتاح في صدرها و تتجه

نحو الضوءالأحمر في أحد أركان الغرفة فتضيئه ، ثم تتجه بسرعة إلى الضوء الكبير فتغلقه •• كان قلبها يخفق خفقات من يقبل على مغامرة ، و كان قلبه قد بدأ يدق مستشعرا

خطرا •• فلما انتهت ، اقتربت منه بخطوات جريئة أدهشتها قبل أن تدهشه و قالت له بصوت ناعم :

 هيا يا زوجي الحبيب •• نهض مرتبكا من على الفراش و صاح بصوت خرج ضعيفا مستنكرا :

 ماذا تريدين ؟ فقالت و هي تقترب منه :

 أريد زوجي ، حبيبي ، أريد أن أتمم زواج تأخر لأكثر من شهرين بدون سبب •• ركض من أمامها بسرعة متجا إلى زاوية في الغرفة ، فتعثر في طاولة صغيرة عليهاتحفة

صغيرة فأسقطها و لم يبال حتى لاذ بالزاوية ، راقبته ريم ، فاتسعت ابتسامتها عن ضحكة ظفر و قالت و هي تتجه إليه :

 أين تذهب أيها الحبيب ، الغرفة صغيرة و الباب مقفل ، لا مفر ••كانت تشعر كأنها طفلة تنادي طفلا مذعورا ليلعب معها ، لم تكن تدرك حتى هذه اللحظة إن مارد رعب

حقيقي سيطر في هذه اللحظة على سهيل فعجزت ساقاه عن حمله فسقط قائما و همس بحلق جاف تماما :

 أرجوك افتحي النور ، افتحي النور أرجوك ••ارادت ريم أن تكمل لعبتها إلا أن منظره في هذا الوضع و نبرة الرجاء البائسة في صوته نبهتها إلى أن في الأمر خطأ

كبيرا •• لم تتكلم فاعتقد سهيل أنها مصرة على موقفها ، كانت قواه في هذه اللحظة قد خارت تماما ووجدت ريم نفسها فجأة أمام رجل يبكي •• نعم لقد انهار سهيل تماما

و بكى و هو يتوسل لها ان تفتح النور و الباب •• للحظات لم يستوعب عقلها الموقف ، اعتقدت أنها تحلم ، أو أن سهيلا يمزح ، لكن شهقات الفزع و نبرة الرجاء و الدموع

التي كانت تلمع في الضوء الأحمر على خدوده أقسمت لها أن الموقف حقيقي و لا زيف فيه ، تكسرت روحها ، نبض قلبها بشدة عكس نبضات المغامرة قبل قليل ، شعرت أن الأرض

تميد بها ، وجدت نفسها تتجه بسرعة إلى الباب لتفتحه و تضيء المصباح الكبير مجددا و اتجهت نحو سهيل الذي كان جسده ينتفض انتفاضا عظيما في هذه اللحظة و كأنها

تخاطب طفلا مفزوعا قالت :

 أهدأ يا سهيل ، أهدأ يا حبيبي ، لقد فتحت الباب ، أشعلت الضوء ، أهدأ يا سهيل أرجوك •• كان سهيل قد رفع يده كمن يتقي شرا عندما رأى ريم تتجه نحوه و لكن بعد

أن أخذت تهدئه و تطمئنه ، أرخى يده و أسقط نفسه على صدرها وارتفع بكاؤه ، بكاء من أنتهت أزمته و جاءه الفرج ، كان يتمتم و هو يبكي :

 سامحيني يا ريم ، لا أستطيع ، لا أستطيع •• و كانت ريم تربت عليه بهدوء فيما انسابت دموعها تبلل شعره و قد شعرت في هذه اللحظة بأنها فقدت إلى الابد حلما بأن

يكون لها وطن •• *** بعد هذه الحادثة تغير سهيل كثيرا ، لم يعد يتحدث معها ملاطفا ، أو يطلب ما يريد بتهذيب ، لاحظت ريم أن أسلوبه معها تحول إلى الأوامر الصارمة

التي لا تقبل النقاش ، و كانت من داخلها تتفهم موقفه فتتعمد تهدئته بالطاعة التامة ، و بدون نقاش ، حتى لما طلـــــب منها أن تكــــف عن الحديث عن اهــــلهــــا

بصيغة أمــي ، أو أبي أو أختي ، أو أخي و تستبدل هذه العبارات بكلمة "الجماعة" ، فتقول أريد أن أزور "الجماعة "، أو جاءنا اليوم أحد أفراد "الجماعة " ، لم تطل

اعتراضها و قبلت على الفور مستميحة له العذر فيما يطلب ، كانت تعرف أنها تتعامل مع رجل ضعيف ،مهزوم ، و ما يفعله ليست إلا مظاهر لتقوية الشخصية و إكسابها

خشونة و رجولة •• لكن الأمر تطور بعد ذلك تطورا خطيرا عندما جمعتهما طاولة الغذاء ذات يوم و كان الصمت ثالثهما كالعادة لكنه قطعه بعد قليل قائلا بصرامة اعتادت

عليها :

 أريدك أن تعدي صنفين من الخضار كل يوم و ليس صنفا واحدا •• فقالت بهدوء و هي تغتصب ابتسامة :

 لكنك ترفض أن تأكل نفس الطعام في يومين ، و عندما أعد صنفين سوف يتبقى الكثير و حرام أن ألقي به •• لم تكد ريم تنتهي من عبارتها حتى خرج الوحش من أعماق سهيل

عبر عيونه فقام ثائرا و بعثر الأطباق و سكب محتوياتها و هو يصيح :

 لا تريدين أبدا أن تسمعي الكلام ، دائما أنت العاقلة الرزينة المدبرة ، أما أنا فلا شيء ، حتى كلمة في هذا البيت لا أستطيع أن أقولها •• سئمت لعبة تبادل الأدوار

أنا الرجل هنا •• لا أنت ••كان قلب ريم يخفق بشدة ، كان صمتها عجزا و ليس اختياريا ، فقد كانت يغص جوفها بألاف العبــــارات التي يمـــكن أن تفند بها كلامـــه

، لكنها لم تــــرد ، تركته يرغي و يزبد و يصيح ، راقبته و هو يركض نحو المطبخ و يقتلع أنبوب الغاز بعصبية ، ظنت أنه سيضربها به ، تسمرت في مكانها ، وجدته يندفع

إلى غرفتهما ، ثم يخرج بعد قليل مرتديا ملابس الخروج ، صفق الباب خلفه ، بقيت دقائق لا تستطيع أن تستوعب ما حدث ، لم تصدق أصلا أنه حدث و فجأة و بهدوء شديد

أخذت دموعها تنساب •• و أكتشفت بعد دقائق أن زوجها أخذ معه مفتاح البيت الخاص بها ، و أنه نزع خرطوم الغاز ليمنعها من أستخدام الموقد ، دهشت من هذا التفكير

الغريب و لم تجد له ما يبرره ، لكن عندما انتهى اليوم و لم يعد ،اكتشفت أنها سجينة ، نعم هكذا بمنتهى البساطة سجينة ، بلا مفتاح و بدون وسيلة لإعداد طعام

••و في اليوم التالي عند الرابعة و النصف عصرا سمعت طرق السائق على الباب فلم تجرؤ على الرد عليه ، استبعدت فكرة أن تخبره أنها سجينة ، لم ترد و يئس السائق

فمضى و انتهى اليوم الثاني أيضا و لم يعد سهيل ••و أنتهى اليوم الثالث و لم يعد •• كانت ريم قد وصلت خلال هذه الأيام إلى مرحلة من الجنون ، فلا عقلها يقبل

تصديق ما هي فيه ، و لا جوعها الذي يقرصها بشدة يرحمها ، و لا جرأة لديها لتستعين بأي شخص خارج المنزل لينقذها •• كانت تفكر في عاقبة أن تعلن لأي غريب عن حقيقة

وضعها ، صارت تدور في شقتها تحدث قطع الاثاث ، و تطالع وجهها الشاحب في المرآة و تبكي •• ثم ضبطت نفسها تضحك •• تصفق كفا بكف ، تهمس :

 أنا ريم •• هذه حقيقة ، و هذا بيتي ، لي زوج ، و لي أهل ، أين هم ، لماذا لا يأتون ؟ لكن لا شيء في هذا البيت كان بوسعه أن يرد ••صبيحة اليوم الرابع سمعت

الباب يفتح •• لم تنهض من فراشها •• أدركت أن سهيل قد جاء ، لم تجد في نفسها القوة لكي تهاجـــمه ، أو حتى تعـــلن له أحــتجاجها •• دخل الغرفة ، و لم يتكلم

، ألقى أمامها كيسا صغيرا فيه شطائر ساخنة •• مدت يدها بهدوء ، تناولت الكيس ، فتحته ، بدأت تأكل ثم لملمت بقاياها في ذات الكيس وضعته أرضا و سقطت في سبات عميق

••عند المساء فتحت عيونها على صوت التلفاز عاليا في صالة المنزل •• نهضت من فراشها ، و توجهت إلى الصالة ، كان جالسا و بقايا شطائر و أرز على ورقة جريدة أمامه

•• كان يحتسي علبة عصير و يطالع التلفاز باهتمام ، نظر إليها ، ثم عاد لتلفازه و قال:

 أخيرا استيقظت ••ذهبت إلى المطبخ ، شربت ماءا ، ثم عادت فوقفت بهدوء أمام التلفاز ، أغلقته و ألتفتت إليه و قالت بلهجة خالية من أي تعبير :

 سهيل •• طلقني •• قال و هو يعب عصيره عبا :

 افتحي التلفاز و ابتعدي عن طريقه ••تنهدت و عادت تطلب الطلاق مجددا ، و للمرة الثانية عــــاد يأمرها بأن تفتــــح التلفــــاز و تتركه و شأنه •• صاحت بأعلى

صوتها و قد فاض منها الكيل :

 قلت لك طلقني •• الآن يا سهيل •• الان •• ضحك بتهكم و قال ببساطة و هو يلقي بعلبة العصير :

 ريم •• أنت طالق ••تنفست ريم الصعداء رغم أنها شعرت بأن مطرقة ضخمة نزلت على رأسها للتو ••اتجهت إلى غرفتها أغلقت الباب بعنف وراءها و بدأت في لملمة ملابسها

في حقيبة •• فتح الباب بقوة و صاح و الشرر يتطاير من عيونه :

 كم مرة قلت لك ألا تعامليني باحتقار ••لم يدع لها الفرصة لترد ، هجم عليها و أوسعها ضربا •• ظل يكيل لها اللكمات و الرفسات و الصفعاتمصحوبة بأقوى العبارات

البذيئة ، حتى سقطت مغشيا عليها ، بلا صوت ، بلا كرامة ، بلا أمل •• *** عندما أفاقت ريم بدا و كأنها تسحب نفسها من أعماق سحيقة ، تلفتت حولها ، كانت على سريرها

، و الغرفة مظلمة و لا صوت هنالك •• صاحت بفزع :

 حبس آخر ••حاولت النهوض فلم تقوى •• عادت فكررت المحاولة ثانية لكن أضلعها كانت ضعيفة جدا فلم تحتملها ، شعرت أن أجزاء في جسدهاتحطمت تماما ، كان الألم

يخرج منها دون أن يحدد منبعا ، تشعر بالوجع لكنها لا تعرف تحديدا ماذا يؤلمها ، عادت فاستلقت مجددا و نامت أو أغشي عليها •• شيئا منهما لكنه كان يشبه الموت

•• *** منزل متهدم ، مكشوف من وجوهه الأربعة ، تنهال عليه من كل مكان القذائف و ريم تركض فيه مذعورة ، خائفة •• تلوذ بالأركان فلا تحميها ، تعود فتركض تلوذ

بالأعمدة فتتحطم قربها و تسمع لها دويا يصم الآذان ، فتعود لتركض من جديد •• و فجأة يظهر سعيد ، يمسكها من يدها ، يجري بها بسرعة و يقول بحزم :" أركضي •• أهربي

يا ريم •• هيا " تشعر بيده تطوق يدها فيزول الخوف ، تترك له القياد ، مسلوبة الإرادة يركض بها ، و في مستنقع كبير نتن الرائحة بشع الصورة يسبح بها حتى يخرجا

معا إلى أرض خضراء شاسعة الأبعاد ، جميلة الرائحة ، هادئة لا أثر فيها لكل الرعب السابق •• تتنفس الصعداء و تنظر ممتنة إلى سعيد فلا تجده ، رغم أن ملمس يده

مازال في يدها ، فجأة تمطر الدنيا ، مطرا هتانا ، خفيفا يسقط على يدها و تسقط بضعة قطرات منه على خدودها •• مازال ملمس يده في يدها و ابتسامة خفيفة تطوف على

وجهها إبتسامة راحة لم تشعر بها من قبل ••قطرة مطر كبيرة على خدها تفيقها •• رعب كبير يجتاحها ، ضوء ساطع يسلط أشعته في عيونها و سهيل جالس بقربها يمسك يدها

و دموعه تتساقط على وجهها ، تصيح فزعا ، تفلت يدها و تحاول الإبتعاد •• يهدئها •• يعيد تثبيتها في مكانها يهمس من بين دموعه :

 أخيرا عدت للحياة •• تستكين لصوته المتضرع •• ترتاح في نومها ، وتهمس بحلق جاف :

 

 كم الساعة الان ؟ يربت على يدها يهمس بحنان بالغ :

 حمدا لله على سلامتك •• يغرقها طوفان الحنان فتنبت في أحاسيسها الدموع و تتساقط صامتة ، يضمها إليه و هو يهمس بلهفة :

 سامحيني يا حبيبتي ، سامحيني أرجوك •• و تنظر ريم إليه ، لوم الدنيا في عينيها ، تهز رأسها فيتصاعد الألم تهمس كأنها تصيح :

 لماذا ؟ يضيع بقية السؤال في غصة الألم المجنون ، تصمت ، ترتشف دموعها ، يده التي تمسح الدموع بحنان فائق تشعر بها كالشوك ، لا تقوى على رفض وخزاته •• تدير

وجهها عنه ، أصبح فجأة في ناظريها كالشيطان ، ملامحه الجميلة قناع يخفي الوحش الذي رأته قبل قليل ، وداعته و دموع ندمه كلاليب ضخمة ينزع بها جلدها ، أمانها

، وهمها القديم •• يهمس لها و هو يمسد شعرها :

 ريم حبيبتي ، اجيبيني ، أنظري إلي ، لا ترفضيني ، أرجوك •• تحاول أن تبتعد عن لمساته ، بها نار تحرقها ، لزجة كأنما أخرجها من المستنقع قبل قليل ، تذكرت الحلم

، فاستكانت روحها ، على أنها مالبثت أن ادركت أنه مجـــرد حلــــم ، همست و هي تهز رأسها لتبعد الدموع عن وجهها :

 رأيتك مستنقع وحل يا سهيل •• مجرد مستنقع وحل •• قال لها و نشيجه يرتفع :

 لا يا ريم ، لا ، لا تتخلي عني ، أنت الوحيدة التي أعرفها في هذا العـــالم ، أنت عنواني و شهادة مــيلادي ، أنت بيتي •• أنت وطني يا ريم ، أتذكرين •• كنت

بدوري وطنك منذ أيام •• أدارت وجهها و علت أنفاسها و صاحت :

 مزيف •• وطن مزيف يا سهيل ، مستنقع وحل كنت أظنه جنتي فصار سجني ، عبوديتي ، ناري •• أنت نار يا أيها المسكين ، نار لا تمنح من يعاشرها إلا الحريق ••انتفض

واقفا ، مسح دموعه كأنه ينزعها نزعا ، تطلع إليها بكراهية شديدة و همس :

 لا تستحقين العطف ••غادر الغرفة و صفق الباب وراءه ، تحاملت على نفسها ، نهضت من الفراش ، سارت بخطوات متعثرة حتى وصلت إلى الباب المصفوق ، بصعوبة استطاعت

فتحه ، لم تجد سهيلا في الصالة ، توجهت إلى المطبخ ، كانت تريد أن تشرب ، وجدته هناك ، كان يبحث عن ملعقة في جارور المطبخ ليذيب بها سكرا في كأس ليمون صنعه

لنفسه ، عندما رآها على باب المطبخ ، نظر إليها بغضب و صاح :

 ماذا تريدين ؟ نسيت ماذا تريد ، كل ما تذكرته أنها تريد الفكاك من هذا المخلوق الكريه ، همست و هي تضم ثوبها :

 أريد أبي ، و أمي •• خذني إليهم أرجوك ••كان يقلب ليمونه بهدوء يخفي عاصفة داخله ، تملكه يقين بأن ريم تريد إذلاله ، تريد أن تفضحه و تخبر العالمين بعجزه

، همس و هو يقلب كأسه كأنه ينحته :

 أغربي عن وجهي •• زادها موقفه إصرارا فقالت بتصميم :

 سهيل ، لقد ألقيت علي يمين الطلاق، من فضلك أذهب بي لأهلي ، أو اذهب فاستدعهم •• قال و هو يقبض الكأس بيده بقوة :

 قلت أغربي عن وجهي الآن •• ضعف ريم وقتها و قلة حيلتها كانا الدافعين إلى مزيد من العنـاد ، تشبثت ببـاب المطبخ و صاحت :

 أذهب بي إلى أبي •• أسمعت ؟ في أقل من لحظة كان كوب الليمون يغسلها ، استشعرت طعمه في قطرات لمست شفاهها المتشققة ، اتسعت عيناها رعبا ، ثم غضبا ، لا تدري

كيف اندفعت باتجاهه ، تريد الإنقضاض عليه كانت تصيح و هي لا تعي ما تقول لكنه سمعها جيدا :

 حرام عليك ، حرام عليك •• دفعها عنه بقوة فاصطدمت بطاولة المطبخ ، سقطت أرضا و هي تستند عليها ، لمست أصابعها المرتجفة السكين ، قبضت عليه بقوة رفعته باتجاهه

، عجزت عن الكلام فتركت السكين يلوح أمام عيونه بما تريد أن تقول ، تطاير الشرر من عيونه و صاح بأعلي صوت يمكنه :

 تريدين قتلي يا مجرمة •• تريدين قتلي ؟ نبهها صراخه فتركت السكين يسقط أرضا بجانب قدمه نظر إليه ، ثم إليها فقالت و هي تكاد تغيب عن الوعي :

 أقتلني يا سهيل •• هيا أقتلني ••أرجوك •• ما أرخص الحياة ، ما أرخص الحياة •• كانت تغيب تدريجيا عن وعيها و سمعها يلتقط طرقات متلهفة على باب البيت •• ***

عندما أفاقت ريم كانت على فراش قديم كان لها ذات يوم