•• *** طوال الطريق إلى منزله كان عقل سيد يغلي كالمرجل :" ريم ستدخل الجامعة ، البنت إذا دخلت الجامعة فسدت أخلاقها و ضاعت نصف أنوثتها ، ماذا جرى للعم جهاد
كيف وافق على هذا الأمر ، ريم في الجامعة ؟ ! و الزواج ؟ هل حقا ريم لن تتزوج إلا بعد الانتهاء من دراستها ، يا لضيعة أحلامك يا سيد ، غدا سيكون لريم زملاء
في الجامعة و قد تحب أحدهم ، و تضيع ريم إلى الأبد ، لماذا هذا القرار الغريب ، كيف لم يخبروه ، و سوسن كيف أخفت عنه هذا الامر حتى عرفه صدفه من أمها ؟"
فتح الباب و نظر إلى سوسن الجالسة تطـــالع التلـــفاز و هي تتناول شيئا من المسليات و صاح :
لماذا لم تخبريني أن ريم ستذهب الى الجامعة ؟ انتفضت سوسن لبرهة ثم تماسكت و قالت بلا مبالاة :
و ماذا يعنيك في التحاقها بالجامعة من عدمه ، أنت لست ولي أمرها ••
و لكن •• و لكن •• أسقط في يده لم يدر ماذا يقول ، لا يمكن أن يفتح الموضوع مباشرة مع سوسن ، سيفقد قدرا كبيرا من هيبته أمامها إذا أعلمها برغبته في الزواج
من ريم الآن ، لابد أن يناقش الأمر بهدوء مع نفسه أولا ••صاح طالبا للطعام ، ثم توجه إلى غرفته لتبديل ملابسه ، كانت سوسن قد عقدت العزم على الاستفادة من الموقف
تماما ، هي لا تعرف ماذا حدث و لا كيف عرف أخوها ، لكن الفرصة مواتية الآن ، لذا سارعت بإعداد الطعام و جلست على المائدة بانتظار عودة سيد ، الذي جاء متجهما
كعادته ، إلا أن نظرة عجز كانت تطل من عيونه ، لمستها سوسن و عرفت أنه الوتر الذي ينبغي ان تعزف عليه ما استطاعت لذا لم تضيع الفرصة و قالت :
ذهاب ريم إلى الجامعة كان خبرا مفاجئا لي أيضا •• لم يرد سيد ، نظر إليها و طلب منها الملح ، ناولته إياه و قالت :
ريم فلسطينية كما تعلم ، و دخولها الجامعة أمر شديد التعقيد ، ليس فقط من حيث قبولها هناك ، فهذا امر وارد خصوصا إذا كانت هناك واسطة قوية تدعمه •• انتظرت
فترة ليرد بعد أن تعمدت الضغط على كلماتها الأخيرة و هي تنطقها •• رفع رأسه من طبقه و نظر اليها فأكملت بسرعة :
و لكن أيضا من حيث المصاريف ، فهم يدفعون مصاريف باهظة و بالجنية الاسترليني أيضا و هذا امر يجعل المرء يكبر العم جهاد على تضحيته و غربته من أجل إتمام تعليم
أولاده مهما كانت العقبات •• تنهد سيد و قال و هو يزدرد طعامه بلا شهية :
أخبرتني أمها عن هذا اليوم ، و لكن كيف تسنى لريم دخول الجامعة رغم مرور عام على تخرجها من الثانوية •• قالت سوسن و هي متحمسة لإيصال أكبر قدر من المعلومات
الخاصة جدا إليه عله يفيدها في قضيتها :
الأستاذ سعيد •• الأستاذ سعيد ، ذاك الذي يقطن أول الشارع خلف منزل ريم •• نظرت إليه تنتظر وقع الاسم عليه و لم يطل انتظاره فقد لوح بالملعقة و قال و هو يغص
بالطعام :
ذلك الشاب اللاهي ؟ ناولته الماء بسرعة و هي تقول :
بالضبط ، هو بعينه ، استوقف والدها ذات يوم و عرف منه كل ظروفهم و عرض المساعدة ، بل أنه حتى أوصلهم يوم سفر الاب بنفسه إلى السويس •• و كما غص سيد بالطعام
عاد فغص بالماء ، و نهض واقفا و صاح :
و كيف سمح له العم جهاد بهذا التدخل و اعطاه كل هذه الصلاحية ؟ نهضت سوسن سريعا و قالت و هي تعطيه المنشفة :
العم جهاد رجل خالص النية ، يشقى كثيرا في عمله ، لا يعرف عن هذا السعيد ما نعرفه ، أقصد تعرفه انت ، لذا فقد وثق به جدا ، حتى أنه الآن يزورهم بانتظام و يتفقد
أحوالهم بعد سفره ••
غير معقول ، غير معقول •• جلست سوسن إلى طاولة الطعام مجددا و قالت و هي تأكل :
إنه حتى سيرافق ريم إلى مكتب التنسيق ليساعدها في تسجيل رغبتها مطلع الشهر القادم •• جلس سيد على كرسي الصالة منــدهشا ممـــــا يســــمع و لم يحر جــوابا
فقالت ســــوسن أو بالأحرى عاجلته :
الأستاذ سعيد طلق زوجته منذ فترة و لابد انه يبحث عن عروس •• نظر إليها سيد و صاح :
يريد الزواج من ريم ؟ بسرعة أجابت :
هو لم يصرح بهذا ، لكن كل الظواهر تدل عليه ، و لما لا و هو الآن يخدمهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، و غدا تصبح ريم في الجامعة طوال النهار و لا مانع من أن
يحاول توطيد علاقته بها و زيارتها هناك من آن لآخر •• أنت تعرف ألاعيب الشباب و خاصة من هم على شاكلة سعيد هذا •• قال سيد بصوت منخفض :
و ريم •• هل تشجعه ؟
أجابت بسرعة و هي تحمل الأطباق :
لا •• اطلاقا •• ريم لم تفطن إلى محاولاته ، لكنها وحدها سوف تصبح لقمة سائغة له بعد قليل •• أنت تعرف ريم قليلة الحيلة و وجود الشخص الآخر أمامها دائما من
شأنه أن يؤثر عليها •• ليتني استطيع مرافقتها حتى أمنعه عنها •• قال سيد بتهكم مرير :
و كيف تستطيعين منعه ، هل ستمنعينه إذا حاول محادثتها ؟ وضعت الأطباق على الطاولة مجددا و قالت بسرعة :
لا •• و لكن مجرد وجود شخص بجانبها ، صديقة قوية مثلا ، سيجعله يفكر ألف مرة قبل الاقتراب منها ، فإذا اقترب لن تعدو كلماته السؤال عن أحوالها ، ثم لن يستطيع
أن يزيد •• نظر إليها سيد بريب ، فنهضت سريعا و حملت الأطباق و ذهبت للمطبخ و هي تقول :
ريم ابنة حلال ، جميلة و رقيقة و مهذبة جدا ، و هي بهذه الصفات مطمع لكل شاب •• ألقى بنظراته أرضا و بدا و كأنه يوافقها تماما و استغرق في تحليل ما سمع فأطلت
عليه و سألته بدلال المنتصر :
تشرب شاي ؟!!
لم تصدق ريم ما سمعته من صديقتها سوسن حين ذهبت لزيارتها عصر هذا اليوم ، كانت سوسن تشرح لها بإسهاب طويل كيف انتهى الحوار بينها و بين أخيها سيد بموافقته على
ذهابها إلى الجامعة بل أنه حتى قرر أن يقدم لها بنفسه في نفس الكلية التي ستذهب إليها ريم ، كانت تشرح بانطلاق كبير و سعادة فوق الوصف و لم يكن سيد هناك ليسمعها
و هي تقول لصديقتها :
أخيرا يا ريم ، أخيرا أيتها العزيزة سوف أذهب إلى الجــــامعة مثـــلك تماما ، الفضل لك يا عزيزتي ، الفضل لك ••
قاطعتها ريم و كأنها تصيح:
غير معقول يا سوسن ، كيف تجرؤين على الزج بي في موضوع كهذا ، هل تريدين القول أن سيد وافق على التحاقك بالجامعة فقط لتكوني عينا علي ؟!
تلعثمت سوسن أمام غضبة ريم غير المتوقعة و قالت في محاولة لتلطيف الجو :
و لكن يا ريم إذا كان هذا في حد ذاته سببا لدخولي الجامعة فلماذا لا ندعيه لن نخسر شيئا يا صديقتي •• إنها مجرد حيلة ، حيلة فقط لأدخل الجامعة •• كورت ريم
قبضتها ثم أرختها نحو الارض بسرعة و قالت بألم :
و لكن لماذا أنا ؟ ابتسمت سوسن و نهضت فربتت على كتف ريم و قالت ببساطة :
لأن سيد يحبك •• التفتت ريم و نظرت إليها بملء عيونها و صاحت بتصميم :
أما أنا فلا •• ضحكت سوسن بهدوء المنتصرين و قالت :
ما يعنيني أن يظل هو يحبك لأظل أحقق ما أريد بهذا الحب •• نهضت ريم و قالت و هي تمسك بحقيبتها إيذانا بالمغادرة :
لكنك استخدمت أسلوبا رخيصا ، مجرد ادعائك له بأن ثمة شيئا بيني و بين الأستاذ سعيد كان خطأ كبيرا لا أحب أن أغفره لك •• سارعت سوسن و حاولت أن تثنيها عن المضي
نحو الباب قائلة بطريقة ذات مغزى :
و هل حقا كان ادعاء ؟
نظرت إليها ريم حانقة و توجهت بسرعة نحو الباب فتحته و خرجت و لم تلتفت لنداء صديقتها ، بمجرد خروجها استنشقت هواءً كثيرا و سارت بسرعة باتجاه بيتها ، كانت
عبارة سوسن تغلي في رأسها ، هل حقا كان ادعاء منها ، أم أنها لمست شيئا حقيقيا نبت في قلب سعيد هذا تجاهك ، ما الذي يدفع سعيد إلى ما يقوم به ، هل هي الإنسانية
، رعاية الجار و السؤال عنه ، هل هي الشفقة ، أم هي أمر آخر بعيد عن كل هذا ، هل هو حقا يحبها ، نظراته الولهى تقول هذا ، شغفه بلقائها يقول هذا ، سعيه الدائم
لارضائها ينبيء صراحة عن هذا ، ما هو الحب •• ما هو هذا الشعور ، كيف يمكن وصفه ، وهل ، هل تشعر هي به ، لماذا ترق نظراتها حين تطالعه فتعطيه استعطافا بدلا
من الغضب ، و رجاء بدلا من الصد ، لماذا تحب أن تسمعه يتكلم و تراقب تفاحة آدم في عنـــقه و هي تجـــري صعودا و هبوطا أثناء حديثه ، لماذا تشعر أنه يسير دوما
في الاتجاه الصحيح و يفكر و يقرر كرجل ناضج ليس لقراره من رفض ، أو ممانعة ، عندما ذهبت إليه ترجوه أن يثني والدها ، لماذا اختارته هو بالذات و لماذا لم تغضب
عليه أو حتى تكرهه عندما جاء إلى أبيها واشيا و أخبره أنها قابلته و حدثته ، لمــاذا لم يغضبها هـــذا التصرف ، بل لمـــاذا أعجــبها و جعل منزلته أعظم لديها
، و لماذا وثق به أبوها و جعل منه و هو الشاب اللاهي المعروف بنزواته أمينا على عائلتهم بعد سفره ••ما الحكاية ، هل هو الحب •• وهل ما قالته سوسن لاخيها محض
ادعاء ؟
وصلت إلى منزلها و لم تكن و هي تسير ترى الطريق ، كل ما كانت تشعر به وقتئذ أنها تريد الوصول إلى البيت بأسرع وقت لترسم ، شيئا ما يغلي و يهدر داخلها و تريد
أن تخرجه على اللوحة البيضاء في انتظارها و لابد أن تفعل ،،،
كانت خطواتها صارمة أكثر من المعتاد كأنها غاضبة ، هذا ما قاله سعيد في نفسه و هو يراها تتجه إلى البيت ، أصبح يعرف بماذا تشعر حتى من خطواتها فلماذا تبدو هذه
المخلوقة الضعيفة القوية جدا غاضبة •• ظلت عيونه تراقبها من الشرفة حتى استدارت باتجاه بابهم و اختفت عن عيونه ، لكنها لم تختف من أمامه ، ظلت بكامل هيئتها
تشاغل خياله و سؤال كبير يضايقه بإلحاحه :
مم هي غاضبة ••
أسرع فغير ملابسه و ارتدى ملابس الخروج ، كان مدفوعا بشيء أقوى منه و هو يتصرف ، كان يتحرك بآليه غريبة ، يلبس الملابس و الجوارب و الحذاء ، يمشط شعره يضــع
عطــرا و يستعد للخروج ، طالع وجهه في مرآة الباب و فجأة توقف ، نظر إلى نفسه مليا و تنهد ثم قال لصورته :
غبي •• عاد بخطوات متثاقلة و بآلية بطيئة يبدل ملابسه و جواربه و حذاءه و يتسلل بهدوء إلى الشرفة يراقب النافذة المغلقة و يتساءل سؤالا كالهدير :
لماذا هي غاضبة ؟ عندما دخلت ريم إلى المنزل كانت أمها في الصالة ترتب الثياب المغسولة و تطويها نظرت إلى وجهها و عرفت أن ثمة شيء ، و عندما حادثت ابنتها و
استمعت اليها و هي تحكي التفاصيل بكثير من الحزن و الصدمة حوقلت و بسملت و قالت لابنتها :
اللهم اكفينا شر أولاد الحرام ••