8

20 0 00

و عندما دخلت ريم إلى حجرتها لتبدل ملابسها قالت الأم و هي تتنهد :

شيء ما في هذه السوسن لا يريحني •• لكن ريم كانت تشعر بشيء مختلف •• سارعت إلى نافذتها المغلقة و فتحتها و نظرت مباشرة إلى الشرفة أمامها ، كان سعيد واقفا

و عوضا عن إغلاق نافذتها بسرعة وجدت نفسها تبتسم ابتسامة كبيرة مضيئة مليئة بأشياء كثيرة انسكبت كلها رغما عنها فوق هذا الرجل في شرفته يطالعها بشغف ، و عندما

استدارت كان هما كبيرا قد أزيح عن كاهلها و شعرت بنفسها خفيفة الحركة فاتجهت بسرعة نحو لوحتها و شرعت في الرســم و هي تدندن أغنية و ابتسامة جميلة لم تفارق

وجهها ••

صبيحة اليوم التالي كانت ريم مستعدة تماما ، مرتدية ملابس الخروج الأنيقة البسيطة ، أفطرت و هي تبادل أختها المداعبات و تملأ البيت ضجيجا ، و ترد على أسئلة

أمها العادية بمرح و حماس و تطلب إليها ألا تكف عن الدعاء لها و انتقلت إلى المنزل عدوى مرح ريم فبدا كل شيء جميلا و مرحا ، و في تمام الثامنة و النصف دق الباب

و سارعت ريم لفتحه ، كان سعيد واقفا على الباب قلقا ينظر في الساعة و يزفر أنفاسا سريعة و عندما فتحت له ريم تطلع في وجهها و في ثوان أصابته عدواها فوجد نفسه

يهدأ ويبتسم رغما عنه و قال :

اعتقدت أنني تأخرت •• هزت ريم رأسها و ابتسامتها لم تفارقها و قالت :

 أبدا ، بالعكس توقعت أن تتأخر أكثر فلابد أنك ذهبت لعملك لتأخذ اليوم إجازة أليس كذلك ؟

 

هز رأسه نفيا و قال و هو يبتسم :

لا •• لقد تأخرت في النوم •• حدث سعيد سرق النوم مني •• فقالت الأم :

صباح الخير يا أستاذ سعيد ، أرجو ألا يزعجك مشوار اليوم •• تبادل سعيد و ريم النظر و كأنهما اتفقا خلال هذه النظرة على استنكار قول الأم و لكنهما لم يعلقا

، و قالت ريم :

أنا مستعدة •• فقال سعيد :

و أنا مستعد ••

إلا أن الأم استوقفت ريم و قالت :

بدون أوراق ؟

انتبهت ريم إلى أنها لم تحضر الملف و لا حقيبة يدها ، لم تستأذن سعيد فقط نظرت اليه و ركضت باتجاه غرفتها ، و عندما حملت الملف و الحقيبة و أقفلت عائدة وجدت

أمها في تجويف باب غرفتها تنظر اليها ، تبــادلتا النظر و فهــــمت كل واحــدة مــــنهن الأخــــرى و احتضنت ريم أمها و ضغطت على جسدها و هي تقول :

 اطمئني يا أمي ••

افلتتها و عدت و هي تقول :

لا تنسينا من الدعاء ••

قالت الأم :

اللهم وفقها و أبعد عنها أولاد الحرام و أهدها طريقك المستقيم ••

كان سعيد بانتظارها في الخارج و عندما أهلت تطلع إليها مبتسما و راقبها و هي تحازيه و سارا معا ، كان لابد لمن ينظر إليهما من بعيد أن يلاحظ اتساق خطوهما،

و كان لابد أن يلاحظ أيضا أن هذين الكائنين يرتبطان بشيء بلا اسم ، و كان لابد أيضا أن يلاحظ انهما صامتان •• و اخيرا فلابد أن الناظر إليهما عن بعد كان لابد

أن يكون سيد ، الذي اعتذر عن العمل و صحب اخته و سار بها في نفس الوقت مع ريم و سعيد ، و لذا فلم تكن صدفة أبدا أن سمعت ريم صوت سوسن بعد قليل ينــاديها و عندما

التفـــتت رأتهـــا و أخاها و في لحظات أصبح الموكب الذي كان صغيرا متفائلا ، كبيرا واجما و همست سوسن لريم :

آمل ألا تكوني غاضبة مني ••

ضغطت ريم على ملفها و همست :

لا ••

و انتهى الحديث

ظل الجمع يسير سويا ، سعيد و سيد و كلماتهم المقتـــضبة التي تخبيء أكـــثر مما تظهر و ريم و سوسن اللتان اكتفتا بالصمت الطويل ، استقل الجميع الحافلة و أصر

سعيدا أن يدفع للجميع ، و جلست البنتان ووقف الشابان و كل واحدا في هذا الفريق كان يردد كلاما لا يتماشى مع الآخر و يشكل في مجموعه أغنية نشاز من يسمعها ينفر

منها إلا أنها كانت لحسن الحظ حبيسة الشفاه ••

كانت الأم تستمع إلى تفاصيل اليوم من ريم و هي مصغية أشـــد الإصغاء و بين كل عبارة و أخرى كانت تردد دعاءً ، حكت لها ريم عن الزحام في مكتب التنسيق و عن أوراقها

التي اختلفت عن بقية أوراق البنات و الشباب الذين جاءوا للتسجيل و تحديد الرغبات ، قالت لها أن أوراقها كانت فيها فقط خمس رغبات في حين كانت رغبات الشباب المصري

تفوق الثلاثين و علقت الأم :

في النهاية هو مكان واحد لكل واحد ••

ابتسمت ريم و استطردت :

 

كتبت في الرغبات الثلاث الأول كلية الفنون الجميلة و في الاثنتين الباقيتين كليتي التربية و التجارة ، الأستاذ سعيد نصحني بهذا •• ضحكت الأم و أكملت :

و هكذا انتهت حيرتك سريعا فيما جلس الباقون يكتبون أكثر من ثلاثين رغبة و هم في غاية الحيرة ، أليس حالك أفضل ؟ تنهدت ريم و قالت :

بلى و لله الحمد ، أرجو من الله أن يوفقني و أن يقبلوا بي و ألا يضيع سفر أبي بدون مقابل •• أمنت الأم على دعائها و زادت عليه و عندما همت ريم بالذهاب إلى

غرفتها سألتها الأم عن رفقتها و كيف كانت فعادت أدراجها و جلست على الأرض أمام أمها و قالت :

سار كل شيء على ما يرام ، رغم محاولات سيد أن يتدخل فيما أكتب و رغم أنه أصر أن تكتــب أخته مثلما كتبت في رغباتها الخمس الأول ، ثم أن سعيدا كان صامتا طوال

الوقت •• و قالت الأم :

لم يتكلم ابدا ••؟

نهضت ريم و هي تهز رأسها و توجهت إلى غرفتها و همست لنفسها :

لم يقل إلا عبارة واحدة و هو يودعني رغـــم العـــيون حولنا " هذا أجـــمل أيـــام عمــري و ابتسامتك لن أنساها "••

تطلعت إلى وجهها في المرآة ، كانت حمرة جميلة تعلو خدودها ، و كان شعرها قد تشعث قليلا إلا أنها بدت جميلة ، حتى أنها لاحظت أن عيونها تبتسم •• رفعت رأســــها

للسمـــاء و قالت :

يا رب •• توجهت الى خزانة الملابس ، أخذت من رفها العلوي حزمة الورق و الظروف و جلست على السرير ووضعت الوسادة على حجرها و شرعت في الكتابة

" ابي الحبيب •• كيف حالك يا أعظم أب ، هل تشعر بي يا أبي على البعد ، أنا و الله أشعر بك ، أحس بك في كل لحظة ، لا تفارقني نظراتك و لا تغيب عني كلماتك و لا

أنسى و لن أنسى تضحياتك من أجلنا ، اليوم يا أبي سطرت أول سطر في كتابي الذي أردتني أن أكتبه ، خطوت أول خطوة في الطريق الذي مهدته لي بصبرك و شقائك و غربتك

، اليوم يا أبي ذهبت إلى مكتب التنسيق ، كان معي كل من سوسن و أخيها و الأستاذ سعيد ، سجلت رغباتي و كأنني أسجل رغباتك ، كنت أريدك معي يا أبي ، لقد طمأنني

الأستاذ سعيد بأن النتيجة ستكون بعد أسبوعين في صالحي إن شاء الله ، لقد اخذ وعدا بهذا أمامي من الموظف معرفته في المكتب ••

أبي إنني سعيدة ، سعيدة جدا و لا يضايقني إلا أنك بعيد لا تستطيع أن تلـــمس سعادتي و لا أستطيع أن أهديها لك و لو حتى بنظرة امتنان ، لكنك لابد تشعر بها ،

فقلبك الرقيق معنا و حبك في قلوبنا و لن ننساك أبدا وفقك الله و سدد خطاك ، اطمئن نحن جميعا بخير و أمي دائما تذكرك و تدعو لك و سمر تسأل عنك و قاسم أدى امتحاناته

كأحسن ما يكون •• دمت لي يا أغلى أب

ابنتك المحبة •• ريم ••"

عندما أغلقت ريم رسالتها تذكرت أن لا عنوان لديها يمكنها أن ترسلها عليه ، فذهبت إلى أمها تسألها فقالت الأم :

أتوقع قريبا إن شاء الله رسالة منه و لعلها تكون في الطريق الآن يا ريم ، من يدري ؟ احتفظي برسالتك و سنرسلها حالما تصل رسالة منه ، اللهم طمأننا عليه يا واسع

الرحمات •• عندما التف الجميع على سفرة الغذاء ، كان الحديث كثير كثير ، قاسم يحكي و ريم تحكي و سمر تعلق تعليقات ظريفة و أمهم تحثهم على الأكل و تدعو لهم و

لوالدهم ••

كان يوما مميزا جدا لديهم و لدى سعيد و لدى سوسن ، و الوحيد الذي كان يشعر ضيقا كبيرا كان سيد ، لقد شعر فجأة أنه كان مسيرا في أمر ادخال أخته الجامعة ، و أنه

اندفع لأول مرة في طريق لم يكن له فيه خيار ، و سأل نفسه إن كان تعلقه بريم سيدفعه إلى المزيد من التنازلات ، و سأل نفسه إن كان حقا يريدها خاصة بعد أن تصبح

جامعية ، هل ستناسبه ، و أفكاره عن الزواج أين ذهــــبت ، كان رأســـه يكاد ينفجر ، كل الأمور فجــأة و بسرعة انقلبت رأسا على عقب ، تغير اليوم ما لم يكن متوقعا

له التغيير يوما فهل سيستطيع مواكبة هذا التغيير و تقبله ؟ كان يريد أن يحادثها على انفراد و باية طريقة و مهما كانت العواقب لذا اندفع إلى غرفة سوسن و صاح

مناديا إياها ، فلما لبته و جاءت سريعا قرأت في عيونه حيرته و سمعت في تنفسه غضبته و توقـــعت شـــرا فلم تتــكلم و انتظرته أن يبادر فقال :

 أريد أن اعرف شيئا هاما الآن ••

نظرت إليه متسائلة فأكمل :

ريم •• هل تريدني أم لا ؟ تطلعت إليه سوسن لكنها هذه المرة حاولت إجهاض ابتسامة تريد أن تفضح نفسها و قالت ببراءة :

ريم ؟ ماذا تعني ؟ السؤال الصحيح هو أنت تريدها أم لا ؟ نظر إليها أخوها و لسان حاله يقول "ألا تعرفين ؟ " لكنه لم يتكلم فأكملت :

كيف تريد لريم أن تحدد موقفها منك و أنت لم تحدد موقفك أو على الأقل تعلنه حتى الآن ؟ جلس سيد على الكرسي و همس :

أنا أريدها •• ضحكت سوسن و قالت :

اذن لابد أن تعرف هي هذا

 و كيف ؟ صمتت قليلا ، كانت تفكر و تحاول وزن الأمور في رأسها ، لو أنها دفعت أخاها الى حديث صريح في هذا الوقت بالذات لأصبح ذهابها إلى الجامعة رهن بموقف ريم

، ذلك الموقف الذي تعرفه تماما ، فكرت أنها يجب ألا تخاطر باقتراح يضيع عليها فرصتها لذا قالت :

أعتقد يا أخي أن هذا الأمر يمكن أن يتم بعدة خطوات ، أولها أن أحاول أنا مــكـاشفتها ، و أعتقد أنها ستمانع ، طبعا خجل البنات سيمنعها من القبول السريع ، عندها

تبدأ أنت الخطوة الثانية ، و هذه لن تكون قبل دخولنا ، أقصد دخولها الجامعة ، إذ هناك ، و هناك فقط بإمكانك أن تكلمها كما تشاء و الحجة دائما موجـــودة و هي

أنك جــئت لتصحبني ، أو للسؤال عني و ما إلى ذلك •• قال سيد بكثير من الفضول:

 أتعتقدين أن هذه هي الطريقة المثلى ؟ أجابت بسرعة :

 و لكن ليس قبل التحاقنا بالجامعة ، فقبلها لن تستطيع أبدا •• صدقني •• تنهد سيد و فجأة قال :

و لماذا لا أختصر المسافة و أخطبها فورا •• استشعرت سوسن الخطر مجددا فصاحت :

 لا يمكن ••

ثم بهدوء قالت :

لا يمكن لأن أباها مسافر و لأن أمها أكدت لك أن ريم لن تتزوج قبل إنهاء دراستها ، أليس كذلك ؟ هز سيد رأسه موافقا و ابتسمت سوسن و عادت تقول بدلال المنتصرين:

تشرب شاي ؟ *** حملت الأيام القليلة الباقية على إعلان نتائج التنسيق أكثر من أمر هام لريم فقد وصلت من أبيها الرسالة الأولى و كانت سطورها تشي بسعادة الأب

الكبيرة بتوجيهه للعمل في توسعة المسجد الحرام بمكة المكرمة و ترك في الرسالة عنوانا يستطيعون مراسلته عليه ، و انتهت امتحانات قاسم على خير و أرسلت ريم لأبيها

خطابها الأول و بدت الأمور أكثر مرونة و أكثر تحملا ، و لم تعد هناك أشياء تنغص على ريم استبشارها و انتظارها للنتيجة المرتقبة ، و كان سعيد يداوم على زيارتهم

و تفقد أحوالهم فيــجلس معه قـــاسم و تجلس الأم و أحيانا تجلس ريم بعد أن تعد أكواب الشاي للجميع ، و بدا أن روحا عائلية تلفهم في كل جلسة فيتحدث الجميع في

أموره براحة و بدون خجل حتى أن الأم فتحت مع سعيد موضوع زوجته و تحدثت معه مطولا فيه :

 مريم ابنة حلال يا أستاذ سعيد فلماذا العناد ••؟

ابتسم سعيد و قال و هو يرشف كوبه و كأنه كان متوقعا لهذا السؤال منذ زمن :

 هي بالفعل ابنة حلال ، لكنها لا تناسبني ، لم نستطع مواصلة الحياة معا و كان لابد من الفراق

 و الأولاد يا ولدي ؟

الأولاد من مصلحتهم أن يكون أبواهم منفصلين بدلا من حياة لاجدوى من ورائها ، حياة يشكل العراك قسماتها و أنت تعرفين يا خالتي أن العراك لا يهيء جوا صحيحا لتنشئة

الصغار •• كانت ريم تستمع إلى الحديث و أكثر من سؤال يراودها ، لكنها لم تشأ أن تتدخل فهذا الحديث لم يغير كثيرا من حكمها الأول عليه ، إن العيب فيه بكل تأكيد

و إن الظلم كان من طرفه ، و عندما وجه إليها سعيد سؤاله لم تكن منتبهة تماما لما يقول فأعاده ثانية :

آنسة ريم ، ما رأيك بالموضوع ••

نظرت إليه مليا و نقلت نظراتها الى أمها ، ثم أرخت عيونها و قالت بغموض :

كل امرئ أدرى بما يحتاج •• ابتسم سعيد مطمئنا إلى إجابتها و استأذن بالانصراف ••

و برز في حياتهما موعد متجدد بين سعيد و ريم ، موعد لم يتفقا عليه أبدا و لم يحددا وقته أبدا ، إلا أنه أصبح عادة هامة في حياة كل منهما ، لابد أن يحدث عندما

يأتي المساء ، لابد أن يجلس سعيد في شرفته يرشف شايه و يتطلع إلى النافذة الأثيرة و بعد قليل ، دائما بعد قليل تفتح ريم نافذتها و تتطلع اليه و تبتسم و يبتسم

ثم تغلق نافذتها ، كان هذا الأمر يتكرر كل ليلة منذ الليلة التي انقلب فيها حال ريم من الغضب إلى السلام عندما حدث لأول مرة أن ابتسمت له ، أصبحت هذه الابتسامات

القليلة النادرة رسالة شفهية يرسلها كلا منهما إلى الآخر في المساء دون أن يحددا ما بعدها و دون أن يرسما طريقا قد تقود اليه ، و كم تعجب سعيد في نفسه من نفسه

، تعجب من أنه أبدا لم يفكر في خطوة مقبلة ، في طريقة تجعل من الابتسامة كلمة و موعدا و لقاءً ، لم يفكر في هذا الامر أبدا و لم يخطر بباله أن ابتسامات المساء

المتبادلة ، بداية لشيء أكبر ، كان كل اهتمامه منصب على أن تدوم هذه العادة و آلا تنقطع ، و كان دائما لديه يقين بمجرد جلوسه في الشرفة أن القليل سيمضي سريعا

لتخرج ريم •• كان يترجم ابتسامتها حلما طويلا يقتات منه حتى آخر الليل عندما ينهض لينام ، كانت الابتسامة الصغيـــرة تعني كــلاما كثــيرا يتبادلــه و إياها

في مخيلته فيرضيه و لكنه لا يشبع منه ، لذا أصبـــح شـــديد التعلـــق بالشــرفة و أصبح قليل الخروج و السهر ليلا خارج المنزل و حتى عندما زاره أحد الاصدقاء

ذات ليلة ليسأله عن حاله و سبب ابتعاده ، تعمد ألا يفتح الشرفة في وجوده حتى لا يخدش عالما له وحده و حاول جاهدا أن يقنعه أنه لا يريد العودة لسالف عهده فهذا

أمر تزهده نفسه و تحتقره جوارحه و لا يدري حتى كيف أنه كان يمارسه ••

آه •• يا إلهي إلى هذا الحد ؟

و أكثر •• إلى هذا الحد و أكثر ياصديقي ، إنني أتساءل كيف كانت تلك حياتي ، كيف كنت أراهن على إضاعة عمري في لهو ماجن لا يليق ، أشعر بالصغار الشديد كلما فكرت

أنني كنت بهذا الحال ، إنها أتفه الأمور التي تحكمت في لفترة من عمري و قبعت كشيء بالغ الاهمية لتسمني إلى الابد بالتفاهة و الوضاعة ••

و لكن هذا لم يكن رأيك فما الذي غيرك ؟

عندما يعود المرء إلى فطرته النظيفة لا يسمى هذا تغيرا بل إن ما كنت فيه هو التغيير الذي لحق بي لفترة ثم عادت الأمور لصحيح وضعها •• عندما رحل الصديق يائسا

، سارع سعيد بالوقوف في الشرفة ، كان يدعو الله من داخله ألا تكون ريم قد فتحت نافذتها و أغلقتها أثناء غيابه ، و سأل نفسه إن كان حقا مقتنعا بما قاله لصديقه

، و فوجيء بأن صوتا قويا داخله يزجره عن مجرد سؤال نفسه كهذا السؤال فهو الآن في مكان لا يليق أن يفكر و هو فيه بكل أدران الماضي و ينبغي فقط أن يكون تفكيره

في مستقبل ينتظره بعد دقيقة واحدة مستقبل ينحصر في ابتسامة تأتي عبر الليل بينهما ، تحملها شعاعات خافته ترسلها أضواء البيوت و الشوارع النائمة ، و ظل يتطلع

عبر الشرفة فترة لابد أنها طالت كثيرا لأن اغفاءة أخذته و حملته الى أجواء الحلم الوردي حيث مكان لا أرض فيه و لا جدران و لا نوافذ ، لا شيء إلا هو و هي فقط

معا ، يده في يدها •• و الدنيا تتحول حولهما إلى عالم أسطوري من الجمال وفجأة سطع نور قوي من بين كفوفهما المتماسكة ، نور قوي جدا ، قوي إلى درجة الحريق ، انتبه

عليه فإذا الشمس تفترش رأسه و إذا هو صباح جديد يدعوه أن يفيق •• *** و حملت الأيام القادمة البشرى إلى ريم ، ريح طيبة عبقت أركان بيتهم و ملأت جوانحها طربا

، ففقدت كل إحساس لها بكل الوجوه من حولها ، بوجه سعيد الباسم يحمل البشرى و وجه أمها الباكي تقبلها فتختلط الدموع بالدعوات بالتبريك ، ووجه قاسم تغلفه الفرحة

و يقسم أن يمضيها ليلة راقصة لأجل عيون أخته و وجه سمر التي راحت تتراقص و تردد بصوت عالي:

أختي ريم ستدخل الجامعة ، أختي ريم ستدخل الجامعة