عرفت ملامح الغرفة القديمة على الفور ، أنتبهت ذرات كيانها على أشباح واقفة بلا حراك أمامها تبينت فيها
سمت أمها و أبيها و أختها •• و ما لبثت أصواتهم أن أنسابت رقراقة في أذنها فصبت على جزعها ماءا باردا فصاحت و هي تمد يدها نحوهم بلهفة :
أمي •• أبي •• سمر •• اندفع ثلاثتهم نحوها ، أحاطوها ، غمرتها قبلاتهم ، و غمرتهم بقبلاتها ، كانت دموعها تنزف و هي تردد :
الحمد لله ، الحمد لله •• كانت تلمسهم ، تلمس ثنايا أجسادهم ، وجوههم ، شفاههم ، دموعهم ، تشم رائحتهم ، كانت تتأكد في كل هذا أنها لا تحلم ، تعاود احتضانهم
، تبكي ، تصيح :
أهلي •• أهلي •• تضحك تصيح :
أنتم معي •• أنتم معي ••و تعاود تشكك في أنها الحقيقة ، فتسأل بلهفة و خوف :
أنا لا أحلم ؟ تحاول النهوض ، فتعيدها أمها برفق و هي تقول بدموعها :
حسبي الله و نعم الوكيل ، حسبي الله و نعم الوكيل •• اهدئي يا حبة القلب •• نحن معك يا حبيبتي •• تقاومها ، تخشى إن هي استسلمت للنوم أن تستيقظ لتجده معها
، تقول و هي تقبض عليها بقوة :
أمي •• أنا لا أحلم •• أنتم معي ؟ يجلس أبوها بجوارها ، يربت خدودها •• تلمع دموعه ، لأول مرة تراه يبكي •• يميل عليها ، شاربه الكث الحبيب يقتحم مجال رؤيتها
بقوة يقول و هو يهدئها :
أقسم لأنتقمن منه يا غالية •• سأنتقم منه •• تسمع نهنهات سمر فتمد يدها تناديها ، تقترب منها سمر تقبل اليد الممتدة نحوها تسألها و عيونها تلتمع بالبكاء :
أنت بخير يا أختي •• هه أنت بخير •• تتنهد ريم فتزيح عن صدرها خوفا قبع عليه أياما طوال و تهمس للاحبة حولها :
اطمئنوا •• الحمد لله •• أنا بخير •• ترفع الأم كفها للسماء ، تحمد الله ، تقبل يدها ظهرا ببطن ، تقول و هي تحتضن رأس الحبيبة :
الحمد لله يا ريم ، الحمد لله يا ابنتي •• *** لم تكن الأيام التالية سهلة ، كانت ريم تلقى من أهلها كل الرعاية التي أفتقدتها منذ زمن ، و زارتها أم عبد الله
و مشاعل التي أصبح لديها مولود ثالث أطلقت عليها أسم ريم فادخلت البهجة على قلب ريم الكبيرة و شعرت أن الدنيا لازالت بخير ، إلا أن الحديث عن سهيل و عن الإجراءات
التي يجب أن تتخذ ضده كان هو الهم الكبير الذي بات يؤرق العائلة و خصوصا ريم التي كانت تتمنى لو أن حياتها معه منذ البداية صفحة كتاب يمكن أن تمزق و تنتهي ،
لم تكن تريد ذيولا طويلة للموضوع ، فكانت ترفض كل اقتراح يقترحه الاب عليها:
محكمة ؟
لا ••
جلسة رجال و حق عرب ؟
لا ••
أمزقه أربا و أحطم البيت فوق رأسه ؟ و تصيح ريم بحزم :
لا ••لا أريد غير ورقة تؤكد حريتي •• و كان لها ماأرادت ، ورقة سجلها سهيل في المحكمة و أعطاها للأب بعد أن أخذ كل شيء مقابل هذه الورقة ، و يوم التقى الأب
به في رواق المحكمــة قال له و هو يتسلم ورقة ابنته :
لولا أننا في بلد نظامي ، لعرفت كيف أنتقم لإبنتي منك ، لكن العمر الطويل يبلغ الأمل و يوما ما سأمسك بكلأقطع من لحمك الحي قطعة قطعة حتى أشفي غليلي •• أمسكت
ريم ورقتها الغالية ووضعتها بعناية في صندوق مقتنياتها الثمينة •• كانت في نظرها في تلك اللحظة أهم ورقة رسمية تحصل عليها •• في المساء أعلن التلفاز السعودي
غزو العراق للكويت ، و كانت صدمة كبرى ألهت الأسرة عن مأساة ريم لبعض الوقت ، تغير مجرى الحديث في هذا البيت و في كل بيت نحو هذا الموضوع ، و أنصبت التحاليل
من كل جانب و عندما أعلن ياسر عرفات تأييده للجانب العراقي اسودت الدنيا في عين اللاجئة ، فها هو موقف سياسي جديد يحكم على ملايين الفلسطنيين الذين لا ذنب لهم
بالطرد من رحمة الدنيا ، ضاقت عليــها الأرض بمـــا رحبت و تمتمت بغيظ شديد:
لماذا ؟ لماذا ؟ قالت مشاعل و هي ترضع ريم الصغيرة قرب انتهاء يوم العمل :
لا أفهم هذا الموقف أبدا ، ما السر فيه ؟ لن ينسى الكويتيون ما عاشوا هذا الموقف للفلسطنيين أبدا ، لماذا اتخذتم هذا الموقف يا ريم ؟ قالت ريم بضيق شديد :
أرجوك يا مشاعل لا تتحدثي و كأنني أنا من اتخذه ••
لكنه سيؤثر عليكم كثيرا ، هذا مؤكد ••
أعلم هذا ، و لا أملك حيلة •• *** كغيرها من أفراد الشعب السعودي قررت أم عبد الله مد يد العون للكويتين الذين لجأوا إلى السعودية فأسكنتهم الدولة في عدة أماكن
و أمدتهم دوما بالغذاء و الكســـاء و الدواء و متطلبات الحياة ، لذا قررت اصطحاب ريم و مشاعل معها في زيارة لهم للوقوف على أحوالهم و تقديم يد العون لهم ، و
هناك وقفت ريم على الحال ، و تحدثت مع عضوات لجنة مناصرة الكويت و اقتــرحت عمل معرض دائـــم في الســكن للتعبير عن الموقف الكويتي و مساندته •• و على الفور
بدأت ريم في رسم لوحات تعبيرية كانت تسهر عليها طوال الليل و في الصباح تذهب بها إلى مقر اللجنة لاقرارها •• أنهمكت في هذا العمل و عندما شارف المعرض على الانتهاء
و قد شاركت فيه كل فنانة سعودية أو كويتية ، تقدمت منها إحدى العضوات الكويتيات و قالت لها و هي تثني على جهودها :
نحن نحبكم كثيرا أيها المصريون •• ابتلعت ريم غصة و أوشكت أن تخبرها أنها فلسطينية ، و لكن شيئا ما أخرسها على الفور ، و انتبهت إلى أنها كانت تتحدث معهم دائما
باللهجة المصرية ••كان رفض السيدات الكويتيات للجنس الفلسطيني واضح جدا في كل أحاديثهن ، و كانت ريم تستمع إليهن و عندما تهم بالتعبير عن وجهة نظرها فتقول:
ليس كل الفلسطنيين سواء •• كانت تجد ألف صوت يخرسها و هن ينددن بموقفهن من الغزو العراقي و تقول إحداهن :
عاشوا معنا و أكلوا من خيرنا و أصبح لدينا منهم من هو أغني من أبناء البلد ثم انتقموا منا و انقلبوا علينا بمجرد أن واتتهم الفرصة ، إنهم غدارون •• و إذا حدث
أن بثت وكالات الأنباء خبرا عما يلقاه أبناء الكويت الذين بقوا في الكويت على أيدي العراقيين علقت السيدات بأن الواشي فلسطيني بلا أدنى شك •• كانت ريم في صراع
كبير مع نفسها ، تريد أن تقف أمام كل هؤلاء و تخبرهم أنها فلسطينية و تعتز بجنسيتها كما كانت تفعل أيام الجامعة عندما كانت تهاجم في جنسيتها بسبب موقف سياسي
، إلا ان الظرف كان دائما غير مواتيا و الأحداث كانت متسارعة تفيض بالأخبار السيئة ، تشعل قلوب الناس على مدن تــدمر و أبرياء يموتون و أبار بترول تحترق و حياة
فطرية يعتدى عليها في الخليج •• *** تطلعت ريم عبر مرآة حجرتها إلى شعرة بيضاء تسللت في غفلة منها إلى شعرها •• لاحظت الأم أنها وقفت تتأملها طويلا فقالت باسمة:
مازلت ريم الجميلة •• ابتسمت ريم رغما عنها و قالت و هي تغادر موقعها و تجلس قبالة أمها :
لا يا أمي •• لم أعــد ريم الجميـــلة ، لم أعد ريم الصــغيرة •• عمري ينسل من بين أصابعي و الزمن يبدو كأنه لا يتحرك •• فقالت الأم بقلق :
لماذا تتحدثين هكذا كمن فاتها قطار العمر ؟ فقالت ريم مبتسمة :
تجربتي في الحيـــاة يا أمي أضــــافت إلى عمري سنين ، ســــرقت مني الفــرحة بالحياة و الإقبال عليها ••
لا يا ابنتي ، لا تقولي هذا الكلام ، مازلت صغيرة ، لم تصلي إلى الثلاثين بعد •• تنهدت ريم و قالت و هي تضغط حروفها :
ياه ه ه كأنني بك في الأمس القريب تقولين نفس العبارة و لكن باختلاف الرقم ، كنت لم أصل إلى العشرين •• ما أسرع الأيام يا أمي ••
إذا حملتها فوق ظهرك سوف تقعين في منتصف الطريق ، أما لو سابقتها فستصلين حتما قبلها ••
سابقتها إلى أي شيء يا أمي ؟ ما هو الهدف من حياتي •• لماذا أعيش ، إذا كان كل أمل يصبح ألم ، و كل هدف أصل إليه أجده سراب ••
ضعي لنفسك هدفا جديدا ، لا تيأسي ، الحياة لم تتوقف بسبب فشل تجربة ••
الفشل فظيع يا أمي
كان فشله هو و ليس فشلك أنت •• تنهدت ريم و قامت مبتسمة و قالت :
هو فشل على أية حال ••*** عاد قاسم •• حمل شهادته الكبيرة و عاد •• لم يكد يستقر حتى فتح نقاشا حازما مع أبيه :
أبي •• لابد أن نعود •• هز الأب يدا ترتجف و قال بهدوء :
إلى أين ؟ فقال قاسم على الفور :
إلى مصر ، إلى بيتنا هناك ، لن تعيش في غربة طيلة حياتك •• ضحك الأب و هو يشيح بيده و قال :
بيتنا في مصر ؟ هل نسيت يا بني أن لا بيت لنا هناك ، هل نسيت أنه موطن غربة بدوره •• غربة لي و لكم ، هنا يشبه هناك ، ما الفرق ؟
إذن عد إلى فلسطين •• رفع الأب رأسه ، نازعه حنين اغتصب ابتسامة و قال :
يا ليت ••
ما المانع ؟ أشعل سيجارته بأصابع مرتجفة و قال بشيء من المرارة :
منذ أن ختمت جبيني بختم الغـــربة ، لم أر بلـــدي •• أحوالــها تغيرت ، الصغار كبروا و البيوت امتلأت بأناس لا أعرفهم ، و الجميع يعرف أنني هنا و يتوقع مني
عندما أعود أن أكون بحجم حياتي المتوقعة هنا •• هل تعرف كم يمكن أن يكلفني تفكيري في العودة •• هذا بفــرض أنني أستــــطيع أصــلا العودة متجاوزا كل المحاذير
و الحدود و علامة ممنوع الدخول؟
و لم لا ؟
يا بني الطريق إلى غزة يمر بمصر و أنا فلسطيني ، لا يمكن أن أمنح هذه التأشيرة ••
نحاول •• غمزت له ريم بطرف عينيها ، و عندما انفردت به في حجرتها قالت له:
أبي لا يمكن أن يستجيب لطلبك يا قاسم ••
و لم لا ؟
لأنه أصبح غريبا •• الغربة أعطته جنسيته التي أصبح الآن ينتمي إليها •• لا تحاول أن تسلبه هذه الجنسية و تذكره أن له وطن •• صاح قاسم :
و لكن هذه سلبية •• فقالت ريم بسرعة :
قاسم •• أنت تتحدث عن أبي ••
لا يا ريم ، حديثي ليس فقط عن أبي ، إنني أتحدث عنك و عني ، عن أمي ، عن أبي•• أتحدث ، عن مأساة استطالت حتى جاءت على الأخضر و اليابس في حياتنا ، أبي عاش
غريبا ، لاجئا ، يقدم حنينه قربانا إلى وحش لا يشبع اسمه الغربة ، و أنت وقعت ضحية رغبتك في وطن ، تعثرت المرة تلو المرة ، و أمي عاشت اختياريا غربة عن وطنها
، و أنا فقدت حبي الوحيد بسبب جنسيتي ••
حبك الوحيد ؟ *** عاش قاسم قصة حب ناعمة مع زميلته مهيتاب ، إبنة أستاذه في الجامعة ، سعت هي للتعرف عليه عندما تحدث والدها عنه بتقدير كبير ، و عندما تعرفا
نبتت بينهما رويدا مشاعر ألفة ما لبثت أن تحولت إلى حب جارف من ناحية قاسم ، قابله دوما مودة عاقلة من "ماهي " كما كان يناديها •• كان وراء زميلته عقل أكبر
يرشدها دوما إلى ما فيه سعادتها ، أبوها كان بالمرصاد لهذا الحب ، لأن الولد ــ رغم كل مميزاته و تفوقه و أخلاقه ــ فلسطينيا •• قال قاسم لريم و هو يفرك يده
بغيظ :
لم أكن أتخيل يوما أن جنسيتي ستحول دون أن أعيش و أن أحب ، قابلت كل عثرة في حياتي بروح راضية ، فقد كنت أعرف أنها ستمضي إلى حال سبيلها •• لكن أن تصادفني
هذه العقبة •• أن يرفضني الدكتور عامر لمجرد أنني فلسطيني ، كانت هذه هي الطامة الكبرى ، المشكلة التي لن أجد لها حلا ، لو أنه أحتج بفقري ، لحاججته بالمستقبل
و العمل القادم و المال الذي نصنعه و لا يصنعنا ، أو أنه رفضني لأخلاقي ، لوعدته بإصلاح ما لا يعجبه ، أو أنه رفضني لعلة قابلة للتغير •• ؟ لكنه يا ريم رفضني
لجنسيتي قال لي :" لا يرضيك أن تعيش إبنتي تفاصيل لجوئك و تعاني معك من رفض العالم " •• إذن لماذا نعيش ؟ ، ما الهدف من حياتنا ، إذا صودرت مشاعرنا كيف نعاود
مهادنتها ، و نعقد معها صلحا ، إذا جرحنا في كبريائنا ، كيف نضمده و نغسل عنه آثار السكين •• أي مصير اختاره لنا أبي عندما اختار أن يغادر بلاده ليبحث عن نفسه
، أي مصير رمانا إليه عندما أقتلعنا من جذورنا و رفضت أي أرض أخرى أن نغرس فيها ذواتنا ؟ ما الذي جناه أبي من غربته و ضياعه و ضياعنا ؟ هل لديك إجابة يا ريم
؟ هل لديك تفسير ؟جلست ريم على طرف فراشها •• كان الألم يمزقها ، فجأة وضعها قاسم أمام حصاد العمر •• فجأة اكتشفت أن الحصاد كان هباء ، لم يكن أبدا بقدر المعاناة
، لم يكن أبدا يستحق عناء الحياة التي عاشوها •• تلفتت حولها •• ماذا بعد سنين الدراسة و العمل و الغربة و العذاب •• ما هي النتيجة ؟ شهادة لها و شهادة لقاسم
، من ذا يعبأ ؟ كم عدد حاملي الشهادات في كل وطن ، كم عدد من يقتاتون قمامة الطرقات في اوطانهم رغم الشهادات و التعليم ؟ ماذا قدم لهم جهاد أبيهم ، لماذا هم
هنا ؟ و لماذا يكونون هناك ، و لماذا هم دومــا على الهامش ، يأكلون فتات الموائد و يبــلعون الذل مع الماء ••
معك حق يا قاسم • معك حق ، لم نجني من كفاح العمر إلا السراب •• *** تلك الليلة لم ينم جهاد ، ظل يتقلب على جمر التفكير ، حديث قاسم إليه ، ثم إلى ريم ، نبهه
إلى غفوة عاشها طويلا ، تلقى فيها ضرب المطارق ، و لم يدفع عن نفسه تهمة أنه يريد أن يعيش •• نهض من فراشه فنبه زوجته •• دق كفا بكف و قال:
متى تحتوينا الدنيا فيمن احتوت ؟ نهضت سميحة فزعة ، قالت و قلبها يخفق بشدة :
ما بك أبا العيال ؟ نظر إليها و قال و هو يتنهد حسرة :
أبنائي تعساء يا أم قاسم ••لم أستطع تأمين القدر الضئيل من السعادة لهم ، فشلت في منحهم صك أمان يعيشون به في هذا العالم •• لم تفهم سميحة ما الذي يقصده زوجها
على أنها استشعرت هما كبيرا يعربد في قلبه •• صمتت ، فأكمل :
لم أنجح في منح ريم رجلا يصونها ، و لم أنجح في إعطاء قاسم انتماءً يعتز به ، لم أنجح في حمايتك من سنين غربة طويلة ، سمحت لنفسي أن أجور عليكم جميعا ، سمحت
لنفسي أن أصادر أحلامكم في حياة سوية ، كان أشرف لي ألف مرة لو بقيت في بلدي ، أعاني ما يعانون ، أشرب ماءهم الملوث بالرصاص ، و آكل لقمتهم المغمسة بذل النهار
•• كان أشرف لي ألف مرة أن ألحق بمحمد في طابور الشهداء بدلا من أن أضاعف مآساتي ثلاثة مرات في ثلاثة أبناء ، لا يعرفون لماذا يدير العالم ظهره عنهم ، يلاطفونه
فيصفعهم ، يهادنونه ، فيضربهم ، يقدمون له الود فيرفضهم ••صاحت سميحة لتسكته :
ويحي يا أبا العيال ، ويحي ، لا يمكن أن تكون نظرتك أنت بالذات لحياتك بهذه القسوة ، أنت جهاد •• جهاد الذي جاهد منذ نعومة أظفاره تصاريف أقدار لا ترحم ••
أنت جهاد الذي رفض أن يترك أولاده نهبا لمستقبل مجهول دون أن يحصنهم بالعلم ، أنت جهاد الذي منح أولاده معنى الحب و معنى العطاء و ضرب أروع المثل في التضحية
و الفداء ، جهادك للجهل ليس فشلا يا أبا قاسم ، جهاد ظروف لا ترحم لا يقل أبدا عن جهاد محمد و من معه ، لقد جاهدت غربة كان يمكن أن تسلم أبناءنا للضياع ، منحت
لأصابع ريم الضياء لتظل ترسم و تقتات برسمها ، تعيش فلا يكسرها رجـــل بلا رجولة ، منحت لقاسم شهادة عز يصبو إلى مثلــــها الكثيرون ، و غدا تراه رب أســــرة
قـــادر على تحــمل مسؤولية أولاده و منحهم السعادة و الأمان •• منحت و لازلت لسمر كل الحب و الرعاية و التعليم •• منحتني و لازلت الرجل الذي لا أرضى عنه بديلا
لو بادلتني الدنيا به كل الرجال ، رجل يعرف معنى العشرة ، معنى المسؤولية •• كنت وطني ، بلسم جرحي ، أبو أولادي ، زوجي ، أبي ، أخي ، حبيبي •• لا يا جهاد ،
لا تستهن بسنين جهادك ، لا تذروها رمادا في الهواء ، فلقد فعلت و تفعل ، قدمت و تقدم كل ما وسعك ، لن ينسى لك أبناؤك عطاءك و لن يجحفك الله فضلك ••لم يرد
جهاد ، كان بحاجة إلى كلماتها ، كان بحاجة إلى أن يسمع شيئا ينصفه ، في داخله توسل وجدانه أن تقول المزيد ، و على لسانه خرجت عبارة تستجدي التأكيد قال بضعف
كبير :
هل صحيح ما تقولين يا أم العيال ؟ هزت الأم رأسها تأكيدا ، و ضمت كفه إلى كفها و همست بحب :
أقسم لك أنه صحيح