26

20 0 00

و قررت الأم أن تعود معهم •• قال قاسم و مرارة تقطر منه مع العرق و الغضب :

 إبقي أنت يا أمي •• لماذا اللجوء إذا كان لك وطن •• فقالت الأم بحزم لإبنها :

 هيا يا قاسم تعاون معنا في نقل الحقائب •• لن أترككم و لو كان آخر يوم في عمري •• و عادت الأسرة بحرا ، غادرت الباخرة ميناء السويس تحمل ملامح ليست كالملامح

، نفوسا مقهورة ، ثلة من اللاجئين •• كانوا أربعة و خامسهم صمتهم ، كانوا أربعة و خامسهم قهرهم ••هذه المرة تكوموا في كابينة إحسان واحدة ضيقة •• لم يغادروها

كانوا ينظرون لبعضهم البعض و تقول عيونهم كل شيء لكن شفاههم صامتة ، كانوا يتساءلون عن العمل ، عن الحل ، و لم تكن لديهم إجابة آثروا الصمت ، فكانت الكابينة

قبرا جماعيا يضم أجسادا تتنفس فقط لأن الله كتب عليها أن تتنفس •• و في ميناء جدة ، اندهش المسئول و قال لقاسم و هو يهز رأسه أسفا :

 آسف حقا يا بني •• أنا فعلا منزعج لما أصابكم ، و لكن ليس لدي حل ، لقد سلمتم إقاماتكم هنا و ليس لكم إقامات لدينا •• قال قاسم و جسده يفور :

 ماذا تقصد ؟ فقال الموظف و هو يمط شفتيه :

 عليكم العودة إلى مصر و محاولة الدخول ، أمكم مصرية و من حقكم الدخول •• عاد قاسم إلى أسرته ، قال و هو يفرك يديه :

 سنعود إلى مصر •• رفعوا وجوههم نحوه فهز رأسه و قال بصوت بلا معنى :

 هذا هو النظام •• و عادت الأسرة مجددا •• كومة من الأنفاس الملتهبة في كابينة ضيقة •• ظلوا صامتين لبعض الوقت ، ثم فجأة و بدون مقدمات نظروا إلى بعضهم البعض

و ضحكوا ، ظلوا يضحكون قرابة الخمس دقائق متواصلة ، دمعت عيونهم و ظلوا يضحكون ، سقطت دموعهم أرضا فشربتها أرض السفينة بسرعة و ظلوا يضحكون ، و عندما أصاب التعب

حلوقهم توقفوا فجأة كما بدأوا فجأة ، و قال قاسم :

 يبدو أننا سنعيش في البحر ، ما رأيك يا ريم أليس من الواجب أن نعمل حتى نجد قوت يومنا •• فقالت ريم و قد عادت مجددا إلى الضحك المرير :

 نعم •• أنا سأخرج لأعرض على الركاب رسم وجوههم المرفهه و تخليدها في صورة و أنت جرب أن تعمل في مطعم الباخرة ، أما أنت يا سمر فبيعي اليانصيب ، و نأتي آخر

اليوم لنضع الغلة في حجر أمنا العزيزة ، ما رأيك لو أطلقنا على أنفسنا أسماء جديدة •• فقال قاسم :

 نعم ، أنا شفتورة ، و أنت فتكات ، أما سمر فلتكن فلة •• و أنت يا أمي المعلمة سمسمة ، سنكون فريقا رائعا •• تطلعت الأم إلى أولادها و قالت بهدوء حزين :

 هل انتهيتم من مسرحيتكم العابثة ؟ فقالت ريم و هي تنهض :

 ليست مسرحية عابثة يا أم قاسم •• إنها الحقيقة سنصل فيعيدونا ، و نصل هنا فيعيدونا مجددا ، لن تتغير الأنظمة في يومين ، لابد أن نعيش ، و العمل هو الحل الوحيد

•• الإستسلام للامر الواقع ، نحن ساقطي وجود ، لكننا لسوء الحظ نحتاج من أجل استمرارالحياة إلى الطعام •• فإلى الجهاد يا أبناء جهاد ••تنهدت و بصوت كسير أكملت:

 لن نمد أيدينا إلى مدخراتنا القليلة فسنحتاجها ذات يوم عندما ترسو سفينتنا التائهة على أرض تقبلنا ••بكت الأم و قالت و هي تداري دموعها :

 رحمة الله عليك يا جهاد •• فقال قاسم و هو ينهض بدوره :

 ارتاح كثيرا يرحمه الله ••خرج الإثنان من الكابينة ، تاركين سمر لائذة في حضن أمها ، خائفة •• بدأ الخوف معها مبكرا •• اتفق الإثنان على التوجه فورا إلى

القبطان ، كان لابد من الحديث معه ، وجد القبطان شابين جميلي الطلعة يسكن الحزن عيونهما يقفان بين يديه يقصان قصتهما و يطلبان عملا ••حار في إجابتهما ، حك ذقنه

المميزة و قال و هو يدخن غليونه :

 أغرب طلب تلقيته في حياتي ، رغم أن قصتكم ليست غريبة ، فلقد حدثت معي بالذات على هذه الباخرة العام الماضي ••قالت ريم و هي تحاول اصطناع ابتسامة :

 و لصالح من كانت نتيجة المباراة حضرة القبطان ؟ قال القبطان و هو يبتسم لابتسامتها الجميلة :

 لصالح السعودية ، لقــد رق لحالهم مسؤول هناك و رفــع بشــأنهم مــعروضا لإمارة مكة و جاء الرد سريعا بإسكانهم في إسكان خيري لحين إيجــاد شخص يقبل نقل كفالتهم

عليه و يعيشون هناك ••

 و كم رحلة قطعتها هذه الأسرة قبل أن تقفمأساتها عند هذا الحد من الضياع ؟ كان هذا السؤال لقاسم ، نظر إليه القبطان و ضيق عينيه و قال :

 شهر كامل من السفر على الباخرة ، ذهاب و عودة ، حوالي ست رحلات ، لكنهم كانوا لأم فلسطينية ، و كان أبوهم خارجا على القانون و نفذ حكم بالسجن ثم أخذ أمرا بالإبعاد

، لذا فإنكم في وضع أفضل بكثير •• قالت ريم و مازالت ابتسامتها لم تفارقها و كأنها تسمع حكايات مسلية :

 إذن دعنا نتوقع أسبوعا آخر فقط ، لم يكن والدنا يرحمه الله سجينا ، و لا أمنا فلسطينية ، نحن أهون بكثير •• ضربت ريم كفها بكف أخيها و قال قاسم :

 ما قولك سيدي القبطان ، هل ستجد لنا عملا ؟ فقال القبطان و هو ينظر إلى ريم :

 نعم •• لطالما حلمت بصورة كبيرة لي و أنا خلف الدفة ، هل تستطيعين رسمها لي ؟ فقالت ريم بمرح و هي تحييه تحية البحارة :

 بكل سرور يا سيدي ، و لكن ما المقابل ؟ فقال القبطان بسرعة :

 كم تريدين ؟ فقالت بحزم :

 كابينة خمس نجوم لأسرتي ••صفر القبطان و صاح :

 خمس نجوم •• حقا فلسطينية •• نظرت ريم إلى قاسم و تبادلا بالنظر رسالة تقول سطورها :" حتى أنت يا قبطان ؟" *** بدأت ريم فورا في تنفيذ الإتفاق ، و انتقــلت

الأسرة إلى كابينة أوسع و أجمل و أنظف ، و خصصت ريم ساعتين صباحا و مثلهم مساءا لرسمه ، كان قاسم خلال هذا الوقت يجلس معهما يتحدث مع القبطان في سائر أمور حيـــاتهم

، و تبــادلا الحكـــايات عن أحـــوالهم ، و كانت ريم لا تتكلم ، ترتدي معطفها الأزرق و تقبض على فرشاة بأسنانها ، فيما ترسم بالأخرى و تمزج الألوان على ظهر

 كفها ••قال القبطان لقاسم :

 إذا كنت تبحث عن الثراء فعليك بالهجرة إلى أمريكا ••

 أمريكا ؟ سقطت الفرشاة من فم ريم و قالت مع أخيها في نفس الوقت هذه الكلمة ، فأخرج القبطان حشو غليونه و أخذ في تنظيفه و هو يكمل :

 

 نعم ، أمريكا ، هناك يمكن ان تجد فرصتك مثل آلاف الشباب ، كما أنك تستطيع الحصول على الجنسية بشروط بسيطة ، أعرف أناسا استطاعوا أن يصلوا إلى القمة في سنوات

قليلة ، المهم أن يكون لديك هدف و أن تكون جادا في تحقيقه •• قالت ريم :

 و لكن الكثير ممن سافروا إلى هناك سقطوا و لم يعودوا أبدا •• فقال القبطان و هو يعاود وضع نفسه في وضع الرسم :

 الذين يسقطون هم ممن يذهبوا ليسقطوا ، لا يأخذون الأمر جديا ، و لا يبحثون عن الفرص ، و لا يستطيعون اقتناص الفرصةإذا سنحت •• و أعتقد أن قاسما ليس منهم

•• قال قاسم و قد أخذه الحلم :

 نعم ، معك حق •• هذا هو الحل •• فقالت ريم في محاولة يائسة لإثنائه عن هذا التفكير :

و كيف تستطيع الذهاب إلى هناك ، إننا رغم ولادتنا بمصر لم نتمكن من دخولها فكيف بأمريكا ؟ قال القبطان دون أن يغير وضعه :

 أستطيع تدبير الأمر ، لي معارف في السفارة الأمريكية بمصر و يمكنني التوسط لك لأخذ التأشيرة ••صاح قاسم فرحا :

 حقا ؟ فقالت ريم و هي تلملم أغراضها :

 هيا يا قاسم ، لقد تعبت •• فقال القبطان :

 و اللوحة ؟ فقالت بغيظ :

 نكملها مساءً •• خرجت بسرعة و هي تشد قاسم من يده فقال القبطان :

 لا أفهم ماالذي أغضبها •• على سطح الباخرة كان لريم حديث طويل مع قاسم ذكرته بوصية الأب له في نزعه الأخير فقال و هو يتطلع إلى الأفق :

 من قال إني سأتخلى عنكم ؟ بضعة شهورهناك، أرسل بعدها في طلبكم ، أعرف خلالها كيف ستسير حياتي هناك ، و أؤمن لكم السكن و أرسل في طلبكم •• لا تقلقي يا ريم

، ربما كان في هذا خلاصنا •• فقالت ريم بغضب :

 

 خلاصك لوحدك يا قاسم ، لن تقبل أمي أن تعيش غربة جديدة و تموت فيها ، و ليس من العدل أن تجبرها على هذا ، كما أنني عن نفسي أرفض تماما أن أبحث عن نفسي في أرض

ساهم حكامها في ضياع أرضي و تشريد شعبي •• أشاح قاسم بيده و قال :

 مازلت صغيرة العقل ، وجدانك مغلق على خرافة الوطن ، أين الوطن يا ذات المثل في هذا البحر الشاسع الذي نعيش فيه منذ أسبوعين ، لماذا لم يهب أحد رجاله لإنقاذ

أسرة ترفض كل أرض استقبالهم •• لا أرض مات فيها أبوهم ، ولاأرض تنتمي إليها أمهم •• هل تعتقدين أننا تكيفنا مع وضعنا هذا ، هل تعتقدين أن حركتنا و كلامنا

و ضحكنا و عبثنا و هزليتنا و عملك، أشياء تعطي لتغربنا لونا جديدا ؟!!هو لون واحد يا فنانة ، هو الضياع الأسود ، و الشتات الأسود ، لن يتغيرهذا اللون إلا

إذا سعينا لتغييره ، لون أسود كئيب قاتم بلا معنى •• لماذا تخيفك فكرة سفري إلى أرض جديدة ، لماذا تقفين في وجه أمل جديد ••؟ قالت ريم و هي تكز على أسنانها:

 أقف في وجه لجوء جديد و غربة جديدة •• أقف في وجه فرقة قادمة ، و أنفاس عزيزة أخرى تلفظ على فراش بارد في غربة قاسية ••

 في النهاية سنلفظها على فراش غريب بارد ، فلماذا لا يكون فراشا أمريكيا فاخرا ؟ نظرت إليه ريم بسخط و تركته و غادرت إلى أمها فقال و هو يعطي ظهره للبحر :

 الفراش العربي أشواكه كثيرة •• لست مجرما إن بحثت لنفسي عن فراش أكثر راحة لأموت عليه •• *** انتهت لوحة القبطان فكانت بديعة كما تمناها ، قال لريم و هو يتأمل

اللوحة :

 أنت فنانة حقيقية ، أصابعك من ذهب ، لماذا لا تستثمرين هذه الموهبة و تقدمي هذه الخدمة لمحبيها ، هناك الكثير من البشر يحبون تخليد أنفسهم في لوحات خاصة ••

قالت ريم و هي تجمع أغراضها بعصبية :

 

 تريدني أن أصبح أداة في يد المتخمين المرفهين ، أرسم خدودهم المنتفخة و كروشهم المدلاة من أجل حفنة مال ؟ فقال القبطان و هو يضحك :

أنت غاضبة مني يا ريم أليس كذلك ؟ فقالت و هي تنظر إليه و كأنها ستأكله :

 لماذا أدخلت في رأس قاسم فكرة الهجرة إلى أمريكا ؟ نفث القبطان دخان غليونه و قال و هو يبتسم بهدوء :

 أنا لم أدخل لرأسه شيئا ، لا تنسي ، لقد كان قراره أن يسير في هذا الطريق ، اقتصر دوري على ارشاده ، لم أفرض عليه رأيا ، كنت مرشدا فقط ••

 لكنه مقتنع تماما بهذه الفكرة ••

 يا ريم •• من حق قاسم أن يجرب حياة عملية جديدة ، من حقه أن يسعى لتحقيق أهدافه ، من حقه إذا أغلقت أرض بابها في وجهه أن يطرق بابا آخر في أرض أخرى ، كوني

واقعية ، إنه شاب ، لم يمارس حياته العملية بعد ، أمامه مستقبل مجهول في مصر أو في السعودية أيا كانت البلاد التي ستقبلكم أخيرا ، سيزاحم في تخصصه آلاف مثله

من أبناء الوطن بالفعل ، سيجد عقبات لا حصر لها ، هذا إن وفق في عمل أصلا ، و لكن الأمر سيختلف كثيرا لو أنه سافر إلى بلد مفتوح ، ينادي بالحرية و يعمل بها

، يتيح لمن يذهبون إليه فرصة أن يجدو أنفسهم بغض النظر عن جنسياتهم ، يتيح لكل فرد أن يكون كما يحب ، صعلوكا ، أو أميرا ، كل شخص يحدد موقعه هناك وفق إمكانياته

، دعيه يجرب ، قد ينجح ، و حاولي بدورك أن تجربي ، قد تنجحين ، الحياة ليست قصرا على مكان بعينه ، إنها أرض الله مفتوحة لكل الناس •• قالت ريم و هي تهم بالمغادرة:

 لن أستغرب كثيرا إذا اكتشفت صدفة أن أصولك يهودية •• فقال القبطان و هو ينفض غليونه :

 لن تستطيعي أن تنجحي إلا إذا تخلصت من عنصريتك الصغيرة •• ألتفتت ريم إلى باب حجرته و قالت :

 لن أتغير •• لن أتغير •• *** وصلت الباخرة إلى ميناء السويس ، و كان يمكن للأسرة أن تعود ثانية إلى ميناء جدة لولا وجود الصحافة ، إذ اتفق أن كان على الباخرة

صحفي مصري عائد إلى مصر ، سمع القصة و فهمها تماما و قام بتصوير أبطالها و أوصى الأم أن تعمل جاهدة على عدم مغادرة ميناء السويس قبل يومين على الأقل يكون خلالها

قد استطاع نشر القصة في جريدة الأخبار و تحريك المسؤولين لحلها ، و اتفقت الأم مع أبنائها على تنفيذ هذا الأمر بأية طريقة ، و كم كانت الطريقة التي وجدوا أنفسهم

يتبعونها قاسية و مهينة ، إذ أصرت الأم على عدم المغادرةمجددا و أصر معها الأبناء و لم تفلح محاولات المسؤولين في إجبارهم على ركوب الباخرة العائدة إلى جدة

، و وجد المسؤول الأمني نفسه مضطرا إلى وضع الأسرة رهن الاحتجاز حتى يبت في أمرهم و يتم تسفيرهم على الباخرة المغادرة بعد يومين •• و عندما وصلت الأسرة إلى

هذه النتيجة قالت ريم لأمها :

 و ماذا إن لم يفي الصحفي بوعده لنا ؟ فقالت الأم و هي تتوسد ذراعها لتنام أرضا:

 لن نخسر شيئا ••و تنهدت ريم و هي تؤمن على كلام أمها و قالت :

 صحيح ، ماذا سنخسر ؟ *** و انقلبت الدنيا صبيحة اليوم التالي ، نشرت الأخبار القصة مصورة ، و كانت عبارات الأبناء التي أحسن الصحفي المتعاطف صياغتها لها مفعول

السحر ، إذ بدا للقاريء عمق مأساة هذه الأسرة التي يرفض احتواء أفرادها أي وطن رغم كون الأم مصرية ، و تعاطف الإعلام مع القضية فاستيقظت الأسرة صباح اليوم التالي

على بعثة التلفزيون المصري التي جاءت لتصوير الأســـرة و عمل لقـــاءات حية مــعها ، و عبرت الأم خلال هذا اللقاء عن مأساتها أروع تعبير و اختتمت حديثها قائلة:

 إذا كانت بــــلادي ترتضي لي أن أعيش اللـــجوء بسبــب أنظمة جائرة تـــريد فصــلي عن أولادي فإنني لن أنفصل عنهم و لو قتلوني ، و لن أكف أيضا عن حب بلادي

•• و جاء القرار سريعا من أكبر مسؤول بالسماح للأسرة أن تدخل مصر و تعود لبـــيتها ، مع تجديد إقامات الأبناء لثلاثة سنوات قادمة• • و قبل أن تسير بهم السيارة

المحملة بحقائبهم مغادرة الميناء ، كانت سيارة أخرى قد وقفت أمام سيارتهم و نزل منها رجل يغمره ضـــوء الشمــــس فتتلألأ ابتســــامته و تنزل على قلب ريم المتـــعب

بردا و سلاما ••و تصيح كل ذرة في كيانها فرحا لرؤيته و تتحرك شفاهها بصوت منخفض لكنه اخترق كل المسافات ليستكين هادئا قويا مرتاحا في قلبه:

 سعيد ••؟ *** عندما استقرت الأسرة في البيت برفقة سعيد ، كان الحديث مازال متواصلا حول الأحداث الأخيرة التي مرت بالأسرة ، حالة من الصخب لم يحاول أيا منهم

تنظيمها ، كان الكل يتحدث ، و الكل يحكي ، كان سعيد يتلقى الخبر نفسه عدة مرات و بعدة طرق فيتفاعل معه في كل مرة كأنه يسمعه للمرة الأولى ، كان أفراد الأسرة

يشعرون أخيرا أنهم وجدوا من يسمعهم ، من يلقون إليه همهم ، من يستطيعون أمامه أن ينزعوا الأقنعة عن مشاعرهم و تعليقاتهم و أن يقولوا كل شيء بكل الصراحة ، و

كما انعقد الصخب سحابات في سماء الغرفة قبل قليل ، فجأة انقشعت السحابات عن صمت تام ، فجأة أدرك كل فرد أنه لم يقل ما ينبغي قوله في مناسبة مثل هذه المناسبة

•• لم يتبادلوا خلال ساعات العـــــودة و حتى استقــــروا جلوسا في بيتهم أي حديث منطقي يحمل ســـلامات أو تعازي أو سؤال عن الأحوال •• كانوا يتمون حديثا لم

ينقطع ، لذا لم ينتبهوا إلى قفزهم فوق متطلبات اللحظة ، تنحنح سعيد و قد شعر أنه يجب أن يبادر فقال بحزن صادق :

 عظم الله أجركم في وفاة عمي جهاد يرحمه الله •• تمتموا يردون عليه بعبارات مناسبة و أطرقت ريم و قالت بهدوء :

 تركناه هناك ••تطلع إليها ، اعتصره حزن قاتم ، تغيرت ريم كثيرا ، بدت أكثر هزالا •• عروق خضراء ارتسمت بارزة على ظهر كفها ، شعرها المشعث قليلا من السفر

لم يعد يحمل البهجة القديمة التي جعلت من لمسه ذات يوم غاية المنى لسعيد