تطلع إليها بوجه لا يحمل تعبيرا و هز رأسه و كانت دموعها التي تحذرها قد خانتها فسقطت بمجرد أن نطق العميد بالرفض :
لا استطيع •• شعرت بالانكسار ••و كانت هذه هي المرة الاولى التي تشعر بالانكسار فيها ، شعور عميق يشبه أن تميد الارض و تنطبق الجدران و تتعمق المهانة و الشعور
بالخذلان ، شعرت أنها قالت كل ما استعدت به و لم يستجب لها ، شعرت أنها أهرقت ماء وجهها و لم يلتفت إليها أحد ، كانت المرة الأولى التي تطلب شيئا و هي تشعر
أن ما تطلبه إن تمت تلبيته سيكون من قبيل الإحسان •• انكسارها في تلك اللحظة كان يعني تضاؤلها أمام نفسها حتى الاختفاء ، عندما لمح العميد دموعها ، التفت إلى
اوراق أمامه و قال لها :
المقابلة انتهت ••
خرجت من عنده بأقدام لا تعرف كيف حملتها ، و برأس يهدر الخوف و الذل فيها و بعيون تدور و تمطر بغير أنقطاع ، خرجت بقلب مكسور •• مكسور ، كانت تستــند على الجــدران
و تتعثر في خطوها ، لمحها السكرتير و قد كان يعرف طلبها فعرف ما أجيبت به •• ظلت عيونه ترقبها و هي تسير ببطء كان يتوقع وقوعها في أية لحظة لذا استمهل الدكتور
طارق الذي دخل في هذه اللحظة لمقابلة العميد و أشار إليها لينبهه أن شيئا ما سيحدث الآن ، و حدث بالفعل ما توقعه ، للحظة شعرت ريم أن ظلام أسود يزحف بسرعة في
رأسها ، و شعرت أن نافورة دم تدق جمجمتها تريد أن تكسرها ، و شعرت بالأرض تميد بها فسقطت مغشيا عليها •• عندما أفاقت ريم وجدت نفسها على سرير صغير ، في حجرة
ضيقة بها طاولة وحيدة عليها بعض المعدات الطبية ، كانت الغرفة خالية ، حاولت استجماع قوتها للنهوض لكنها لم تستطع و اكتشفت أن محلول معلق لتغذيتها ، تساءلت
عن مكانها و تذكرت ما حدث لها ، تذكرت فأسقطت نفسها على الوسادة مجددا و شرعت في بكاء صامت ••
لم يطل الأمر فقد دخل الطبيب و معه الدكتور طارق و بادرها :
ها هي طالبتنا قد أفاقت •• نظرت إليه و لم تستطع الرد بسبب العبرات التي سكنت حلقها المتعب ، و تحدث الدكتور طارق فقال:
أنت هنا في عيادة الجامعة ، نقلناك قبل قليل ، يبدو أنك متعبة •• لماذا جئت اليوم إذا كنت بهذا التعب ؟
مرة أخرى لم تستطع الرد ، فجلس الطبيب بجوارها و أمسك رسغها و عد نبضاتها ، ثم أقفل علبة المحلول المعلق و انتزع الحقنة المغروسة في أوردتها و قال:
اطمئني ، إنك الآن أحسن حالا ، امسحي دموعك و اشربي هذا العصير و ستكوني بخير •• بعدها ناولها كأس عصير بارد ، مدت يدا مهزوزة و استلمته و شـــــكرته بعيونها
، و بعد الجرعة الأولى وضعت الكأس و قالت بصوت ضعيف :
الحمد لله ، أنا الآن احسن حالا ، أشكرك •• أشار الطبيب على الدكتور طارق و قال :
الدكتور طارق ، أستاذ في الجامعة ، هو من حملك إلى هنا ••
نظرت إليه امتنانا فقال مبتسما :
أنت خفيفة على أية حال ••
ابتسمت عيونها المبللة فقال الأستاذ :
أنت طالبة مستجدة أليس كذلك ؟ تنهدت و قالت :
كنت •• و سألها فاجابت و عندما عرف الموضوع ابتسم و قال :
سوف أساعدكيا ريم ، سأذهب الى العميد و أشرح له الموقف و اعتقد أنني سأتمكن من اقناعه •• انتظري هنا ••
انصرف قبل أن تتمكن ريم من استيقافه أو منعه ، هي لا تريد المزيد من الذل ، يكفيها ما حدث •• لكنه ذهب ، و حاولت النهوض ، فقال الطبيب :
على أقل من مهلك ، الدكتور طارق إذا قال فعل ، و هو صديق الطلاب ، يعتبرونه واحدا منهم ، كما ترين هو صغير السن ، لكنه نابغة و لــه حــس فني راق اكــثر مما
تتوقعين •• و لعل هذا سر إحساسه بالناس أيضا ••
أومأت برأسها تفهما و أكملت نهوضها و قبل أن تنتهي من تسوية هندامها سمعت ضجة خلف باب العيادة و فتح الباب فدخل ثلاثة من الشباب يحملون شابا مصابا ينزف الدم
من رأسه ، أسرعت ريم مبتعدة عن الفراش ، فارقدوه عليه و تحدثوا معا ليشرحوا ما حدث ، فلم تفهم منهم شيئا و الطبيب بدوره لم يلتفت لما يقولون و اندمج سريعا في
عمله يعاين الجرح و هو يردد :
إلى متى ستظل أرعن يا أحمد، متى تتخلص من رعونتك و طيشك ، ناوليني القطن يا ريم •• لم تتوقف ريم أمام الطلب الغريب و لا لهجة الأمر التي تحدث بها الطبيب
و أسرعت فورا لتلبية طلبه فتراجع الشباب للخلف فقال الطبيب :
اخرجوا جميعا ، سيكون بخير مجرد جرح بسيط ، هاتي ماءًيا ريم •• خرج الشباب و أحضرت ريم الماء ، أعطته للطبيب الذي بدأ يغسل الجرح و الدم عن وجه أحمد بسرعة
و دراية ، ثم طلب من ريم عدة طلبات حتى انتهى و قد غطى الجرح و عــقمه و كان أحمد في كل هذا صامتا مستسلما ليد الطبيب و لتقريعه له ، لا يفعل إلا أن يتألم للحظة
ثم يعود للصمت ، و عندما انتهى الطبيب نظر أحمد إلى ريم و همس للطبيب مبتسما :
من هي ؟ نظر الطبيب إلى ريم و فجأة اكتشــف أنه استــعان بها في عمله دون أن ينتبه ، فابتسم و قال:
ريم •• أنا آسف ، هل أزعجك العمل معي في علاج هذا الأرعن ؟
هزت ريم رأسها و ابتسمت و هي تقول :
لا ياسيدي الطبيب ، بالعكس لقد أسعدني أني استطعت المساعدة
قال الطبيب و هو ينهض لتحيتها :
هذا أحمد ، سيد الطيش في هذه الكلية ، لا أدري كيف قبلوه فيها و هو لا يملك أي حس فني ، مهارته كلها في أن يضرب الناس و يضربوه •• قال أحمد :
كفى يا دكتور سامي ، لقد اوسعتني تعنيفا منذ دخلت كما أنك قدمت تعريفا مغلوطا للآنسة و لم تقدمها لي ، فهلا فعلت ؟ فقال الدكتور :
قدمي نفسك له يا ريم ، فلن يهدأ حتى يعرف ••
و تقدمت ريم باسمة منه و قالت له اسمها ، وشرحت أيضا ما حدث معها اليوم و ظروفها ، كانت تتحدث معه بطلاقة عجبت لها ، حتــى أنها أخـــبرته بمــشاعرها أثناء
لقاء العميد و بعدها و هو الأمر الذي لم تخبر به طارقا رغم تحمسه لها ، استجابت لردوده المرحة فابتسمت و شعرت أن الموقف لم يكن يستحق كل هذا العناء و عندما
ضحك أحمد و هو يتحسس جرحه و قال :
سوف تعتادين على مواقف الطلب و الصد و الرفض أو القبول ، إنها الحياة العملية التي تدخلينها للمرة الاولى فحاولي أن تكوني أقوى •• عندما قال هذه العبارة تلاشت
تماما مشاعر الهزيمة داخلها ، و شعرت بالتفاؤل و قررت انها لابد أن تقاتل لتحصل على ما تريد و عليها ألا تستسلم لكل شعور بالحزن قد تجده في نفسها ، قالت لأحمد
هذه الكلمات فبادرها مبتسما و هو يحاول النهوض :
أحسنت •• أوقفه الطبيب و قال :
ليس قبل أن تكمل محلول ريم ، سأبدل الحقنة و أغذيك بما تبقى فلقد نزفت الكثير •• تطلع أحمد للطبيب و هو ينفذ ما قـــال و نظــر للمحلول الــذي يقــــطر ببطء
في أوردته و قال باسما :
الآن بيننا محلول يا ريم ، صرنا عِشرة !! طرق الباب و دخل الدكتور طارق الغرفة مبتسما و عندما رأى احمد قال :
آه •• هذا أنت ، كم طالبا ضربت اليوم ؟ قال أحمد :
مظلوم و اللهيا دكتور طارق ، لقد اصطدم رأسي بحاجز الشرفة و شج كما ترى دون قصد ، و في الحقيقة فإنني كنت متجها لضرب سمير لولا هذا الحادث الصغير •• التفت
الدكتور إلى ريم و قال لها :
أبشري يا ريم ، لقد تحدثت مع العميد و أقنعته فطلب أن تقدمي لرئيس شئون الطلاب طلبا تتعهدين فيه بعدم دخول الامتحانات النصف سنوية ، أو النهائية ، إلا بعد
دفع المصاريف ، و سيعتمد الطلب بمجرد إحالته إليه ••
حقا ؟
زغردت الفرحة في عيون ريم ، و شعرت بسعادة فائقة ، و كأن الايام ستصالحها ، شعرت بألفة قوية مع هذا المكان و هؤلاء الأشخاص الذين أحاطوها بالاهتمام و فرجوا
كربتها ••لم تستطع الكلام ، اكتفت بنظرات الامتنان ووصلت نظراتها للجميع فبادلوها ألفة و مودة و ابتسام •• أخفى الدكتور طارق خلف أبتسامته أمتعاضا يشعر به منذ
أن بدأ الحديث مع العميد •• فوجيء تماما بما لدى العميد من نظرة متعنتة غير قابلة للمرونة ، حاول أقناعه بأن الطالبة مقبولة و يمكن التصرف في موضوع المصاريف
بالتأجيل ، فقال العميد :
و لماذا تدرس إن كانت لا تملك ؟ نحن لسنا ملجأً للمحتاجين ••
لكنها لا تطلب صدقة •• تطلب تعليما ••
ليس من حقها •• أنها فلسطينية •• أولى بمقعدها طالب مصري •• صاح الدكتور طارق غير مصدق ما يسمع :
ما هذا المنطق ؟ لو تحدث به شاب لا يعرف التاريخ لعذرناه ، و لكنك أنت سيادة العميد ، هذا أمر لا يصدق •• فقال العميد على الفور :
هذا لأني أعرف التاريخ •• فقال الدكتور طارق بلهجة قوية :
و التاريخ لن يغفر لك أنك حرمت طالبة عربيـــة من التعلـــيم لمجــرد أنها فلسطينية •• و يوما ما ستكبر ريم و يصبح لها صوت لأي سبب و عندما يسألونها عن نقطة
السواد في حياتها فستذكرك أنت ••
لم تعد ريم إلى منزلها إلا بعد أنقدمت الطلب إلى مــدير شئــون الطلاب بعد أن كتبته و نسقته بمساعدة الدكتور طارق و الطالب أحمد ، و عندما استلمه الموظف و
كاد يرفضه هاتفه الدكتور و أبلغه أمرا فقبل الطلبعلى الفور وأعطى موعدا لريم بعد ثلاثة أيام لمعرفة الرد •• و في المنزل كانت الام تتحدث لريم عن دمــاثة أخـــلاق
سعيد و وقـــوفه الـــكبير بــجانبها و مساعدته الكبيرة لها في تذليــل كافة الــعقبات أمام تقديم الطلب إلى الأدارة و كانت تقول :
تعرفين الروتين الحكومي ، و الشروط التي يجب أن تستوفى و صـورة جــواز الــسفر و عقد الزواج ، و غيرها من أمور لا أحد يعلم غير الله ماذا كنت سأعمل إزاءها لو
لم يكن سعيد معي ، ناهيك عن أني وجدت من تخبرني أن الطلب لن يقبل لأن الزوج يعمل بالخارج •• حتى أنني صحت فيها ان تكف و ••
لاحظت الأم أن ريم كانت تستمع بنصف تركيز فقالت لها :
ما بك يا ريم ؟ هل مازلت تفكرين فيما حدث مع العميد اليوم ؟ هزت ريم رأسها و ابتسمت لأمها لطمأنتها و قالت :
بل أفكر في أمر آخر يا أمي ، تعبير جميل قاله أحمدففتح لي عالم جديد ، و قدم لي رؤية جديدة للحياة ••
أي تعبير هذا ؟ قالت ريم و هي تحاول أن تستخدم نفس عبارة أحمد ما استطاعت :
لقد قال لي :" سوف تعتادين على مواقف الطلب و الصد و الرفض أو القبول ، إنها الحياة العملية التي تدخلينها للمرة الأولى فحاولي أن تكوني أقوى" هل تعرفين يا
أمي كم أنني كنت غائبة عن هذه الحقيقة ؟ هزت الأم رأسها و قالت :
أمر طبيعي إن الوضع الآن اختلف ، و إن الامور لا تؤخذ بكل هذه الحساسية ، و صدق أحمد فيما قاله من أن الحياة العملية ستعرفك و تريك ما لم تكوني تعرفي ، و عندما
تدخلين الحياة العملية الكبرى بالعمل و الزواج ستنفتح أمامك عوالم أخرى ما زالت مغلقة ••
شعرت يا أمي كما لو كنت صغيرة و كبرت فجأة ، أحسست بأنني أتلمس عالما جديدا بروح قديمة لا تحتمله و لابد من خلع هذا المعطف المستكين و ارتداء المعطف الواقي
، معطف نسيجه من اللامبالاة ، و الصبر و الإلحاح و التملق و القــوة ، و لا أدري بالضبط يا أمي إن كان المعطف الجديد سيناسبني أم أنني سأبدو فيه غير ما أنا؟
قالت الأم :
الناس تبدل معاطفها تبعا للظروف ، و لكن الناس لا تبدل نفسها لأي سبب ، و إذا كان تبديل المعطف ضرورة للتعامل مع الحياة الجديدة ، فاحرصي كل الحرص على آلا
يطال التبديل و التغيير روحكأيضا •• تطلعت ريم إلى أمها •• حكمة عظيمة قالتها ، و تعبير جميل استخدمته ، لكنه درس ثقيل تعلمته ، حملها تبعات كبيرة و ألبسها
ثوبا كانت غير مستعدةلارتدائه ••
صبيحة اليوم التالي ذهبت ريم بصحبة أمها و سعيد إلى مكتب المنظمة ، و مضى وقت طويل فيه استغرق كل تفكير ريم و انتباهها ، فلم تلاحظ سعيد و هــو يحوطها بــنظراته
و اهتمامه في كل خطوة ، و بدت الاجراءات طويلة و ساعات الانتظار مملة ، و في النهاية عندما تم تسجيل الطلب ، كانت الساعة قد شارفت على الثانية بعد الظهر ، عندها
فطنت ريم إلى أن سعيد لم يذهب إلى عمله ، و أنه بقي معهما كل هذه الوقت ، نظرت إليه بعد أن عرفت الساعة و قالت :
أستاذ سعيد ، لقد ظلـمناك معنا اليــوم ، أنت لم تذهــب إلى عملك ، لابد أن أمورا كثيرة تعطلت بسببيابتسم سعيد و قال :
لا داعي لتحميل نفسك ذنبي أنا سعيد لأنني معكما •• ابتسمت و قالت :
لا أنت سعيد لأن أباك سماك هذا الأسم ••!! فوجئت ريم بتعليقها كما فوجيء سعيد ، و ربما أكثر منه ، فها هي المرة الأولى التي تخرج فيها عن نطاق الحديث الجاد
معه ، و تدخل إلى منطقة لم تكن تتوقع يوما أن تدخلها معه ، هكذا بمنتهى البساطة وجدت نفســها مشبعة بــروح المرح رغم اليــوم الحار و الاجراءات الطويلة ، و
ربما لم تلاحظ الأم فقد كانت عبارة قصيرة ، إلا أن وقعها في نفس سعيد كان عظيما ، كان يعني له بدء إنهيار جبل الجليد الذي يتعامل من خلاله معها ، فرغم الابتسام
الليلي المتبادل إلا أنه لم يسمع منها يوما عبـــارة تنبيء عن الحميمية ، أو تخبره أنه صار قريبا منها ، لذا تسمرت عيونه عليها ، تنازعه آلاف الرغبات في أن
يضمها شكرا على هذه العبارة المرحة على قصرها ، و بدورها سكتت ريم ، و لكن ما كان يعتمل داخلها مختلف تماما عما كان يظنه سعيد ، لقد شعرت في هذه اللحظة بانهيار
حائط الحذر بينها و بين الناس جميعا و ليس مع سعيد فقط ، شعرت أنها تحررت من لجام حديدي كانت تلجم به نفسها ، و شعرت أخيرا بالامتنان لأحمد ، ذلك الشاب الذي
رأته لمرة واحدة فأستطاع أن يغير فيها الكثير لذا ابتسمت ، ابتسم الجميع و لكن افكارا مختلفة كانت تسبح في أدمغتهم ، و ربما في قلوبهم ••
كان يتعين على ريم أن تستيقظ مبكرا صبيــحـــة يوم ذهـــابها للجــامعة لتعرف النتيجة ، و لكن الام فوجئت كثيرا عندما دخلت غرفتها في الثامنة و النصف لتجدها
غارقة في النوم ، كانت تبدو هادئة و بدت لأمها في تلك اللحظة راضيــة ، هكذا استشعــر قلب الأم و قلما يخطيء ، شعرت أن تجعيدات خفية على وجه ريم قد اختفت ،
و أن راحة ما تلفها في هذه اللحظة ، ابتسمت ، على أنها ما لبثت أن سارعت بايقاظها ، هزتها برفق ، ففتحت ريم عيونها بهدوء و همست و هي تبتسم :
صباح الخير يا أمي •• ابتسمت الام بدورها و قالت لها :
صباح الخير يا حبة العين ، متأخرة اليوم ، هل نسيت الجامعة و ميعاد مدير شؤون الطلاب فيها ••؟ ابتسمت ريم و تمطت بكسل و قالت و هي تنهض نصف نهوض :
لا •• لم انس ، لكنني لست مرتبطة بموعد دقيــــق معه ، لذا فلا مانع من الذهـــاب الآن أو بعد ساعة ، أو حتى بعد صلاة الظهر ••
نظرت إليها الأم مندهشة و قالت :
ليس من عادتك مقابلة الأمور بهذه البساطة ، أين هي العجلة ؟
العجلة من الشيطان يا أمي ••
و اللهفة ؟
لن آخذ إلا نصيبي ••
و رهبة الوقوف أمام المدير و سماع صوته الأجش ؟
لن يقبض روحي على أية حال ••
ماذا حدث ؟ أخذت منشفتها و توجهت للحمام و هي تقول لأمها بصوت عال مرح :
لا شيء •• لقد بدلت معطفي •• سارت الأمور على هذا النحو من البطء و المرح و اللامبالاة حتى شارفت الساعة على العاشرة و مازالت ريم لم ترتد ملابسها، نظرت
إليها الأم غاضبة و قالت :
ريم •• ليس من معنى لما تفعلينه سوى أنك تخليت عن الحلم الذي تغرب والدك من أجل تحقيقه •• انتبهت ريم و نظرت بدهشة لامها و دق قلبها بشدة ، همست :
أبي ؟ هزت الأم رأسها ، ثم نظرت إلى ساعة الحائط فشاركتها ريم النظرة و قامت من فورها ، ارتدت ملابسها و تأهبت للخروج و عندما خرجت إلى أمها في الصالة قالت
و هي منكسة رأسها :
أمي •• أنا لم أنس أبي ، و لا نسيت تضحيته هذه ، و هو عهد قطعته على نفسي و لن أنكص فيه إن شاء الله ، اطمئني •• تقدمت منها الأم و احتضنتها بتفهم و قالت :
لا يطمئن إلى الغد إلا من يخدع نفسه ، لا يطمئن إليه إلا الكسالى الذين لا موقع لهم تحت الشمس ، أما أولئــك الذين لديهم هـــدف فيجــب أن يحاربوا الدنيا للوصول
إليه ، و عندما تعتريهم لحظات فتور ، يجب ألا تطول فالدنيا لن تنتظر ••
هزت ريم رأسها إيجابا و غادرت المنزل •• كانت عبارات أمها قوية بالقدر الذي يحتاج إلى التفكير العميق ، كانت متناقضة في مجملها مع نصيحة أحمد لها و عندما أمعنت
النظر في الموقفين و الاتجاهين ووجدت أنها تركن اليهما معا و تكاد تكون مقتنعة بهما معا قررت أن تتخذ طريقا وسطــا يجــمعهما و يمزج بينهما في طريق الوصول إلى
الهدف ، و عندما وصلت الى هذا القرار بعد طول تفكير كانت أيضا قد وصلت إلى الجامعة ، و في طريق صعودها للدرجات الطويلة التي تفصلها عن طابق المكتب الذي تريد
وجدت من يستوقفها ، كان أحمد واقفا مع مجموعة من الشباب بنات و أولاد ، و كان يبدو عليهم جميعا الألفة و المرح بادرها احمد بصوت عال :
ريم ، هذه أنت ؟
تطلعت رليه و ابتسمت و سارعت بالرد :
نعم •• هذه أنا ••
تعالي سأعرفك على شلة الشغب الجامعي ••
صعدت الدرجات الباقية بسرعة فأصبحت في مواجهتهم جميعا ثــلاثة شباب و شــابتين و الجميع كان يبتسم مرحبا بها ، عرفها أحمد على أسمائهم ، فرسخت فورا في ذاكرتهــا
و اكتفى بأن يقول عنها :
أما هي فريم التي حدثتكم عنها •• قالت سمر و كانت أقربهن إليها :