أخرجت ريم حجة البيت بأصابع مرتجفة و قرأت فيها عبارات قديمة لكنها واضحة عن ملكية البيت لأسرة القاسم ، الحجة تعين تماما موقع البيت و مساحته ، شعرت ريم
أنها تمسك كنزا ، دق قلبها بشدة و هي تعيد الوثيقة إلى مكانها و تعاود النظر في الصورة غير الواضحة للبيت القديم ، كانت النخلة الطويلة التي تحدث عنها أبوها
تبدو في الصورة كمئذنة عملاقة نبت في أعلاها سعف •• قالت ريم و هي تحتضن الأوراق :
رحمة الله عليك يا أبي •• التفتت إلى أمها و قالت بحماس باك :
إن هذه الوثيقة كنز يا أمي ، كنز •• فقالت الأم و هي تتنهد :
أوصاني أبوكم أن أعطيها لكم حين يموت ، كان هذا قبيل سفره ، لم أتذكر إلا اليوم •• لكن ماالجدوى منها ؟قالت ريم و هي تحتضن الأوراق :
يكفي أنها من رائحة أبي ، يكفي أنها قطعة من روحه •• هل يمكن أن أحتفظ بها ؟ فقالت الأم و هي تنهض متثاقلة :
خذيها إن كان فيها بعض العزاء لك •• وضعت ريم الأوراق بحرص في الحقيبة و أغلقتها برفق ثم اتجهت بها إلى غرفتها وضعتها في خزانتها الخاصة و أغلقت عليها ثم عادت
تلملم أغراضها بذهن شارد •• *** طيلة الرحلة إلى الحدود بواسطة الحافلة كانت ريم ساهمة ، حاول بعض الزملاء الحديث معها فكانت تبتسم مجاملة ثم تعود لشرودها ،
تفهموا سبب الشرود ، فلم يلحوا عليها ، كانت لحظات قاسية تلك التي تنتظرها ، تذكرت يوم وقفت على الحدود في رفح أمام الأسلاك الشائكة ، تنهدت ، لقد كان يوما
عصيبا •• انتبهت على صوت نفير سيارة صغيرة تسير بمحاذاتهم ، نظرت من الشباك ، كان سعيد •• هزت رأسها و ابتسمت ، أشارت له فعاود تحيتها بالنفير ، سألوها عنه
فأجابت باسمة :
ولي أمري ••أوقفوا الحافلة و تفاهموا معه على عدم منطقية الوصول للحدود بهذه السيارة الصغيرة ، اتفقوا معــهعلى أن يضــــع سيــــارته في أقـــرب استراحة
و يركــب معهم إكراما لريم •• و عرضوا عليها إن أرادت مرافقته حتي يركب معهم ••نظر إليها راجيا أن توافق ، هزت رأسها ، و غادرت الحافلة ، تركت أغراضها فيها
و ركبت بجواره •• حرك سيارته راقصا بها في الطريق فقال نفرا في الحافلة :" هذا رجل محب " تنهدت ريم و هي تستقر بجوار سعيد و قالت :
مجنون !!قال و هو يطلق ضحكة حبور صافية :
أحبك ••!! تحدثا كثيرا ، طرقا كل المواضيع ، إلا موضوع القلب ، حذرته ريم منذ البداية ألا يتحدث عنه أعطى وعده و وفى به ــ في العبارات على الأقل !! ــ و
بسرعة طوت الأرض نفسها عن الاستراحة ، ركن سيارته و ركبا الحافلة معا ، انعكس مرحه على جميع من فيها، ربطتهم بسرعة مودة الطريق ، مودة قادرة على كسر كل الحواجز
حتي بين الأغراب ، كان يترك كرسيه بجوار ريم أحيانا استجابة لنداء يأتيه من آخر الحافلة فيذهب إليهم يجلس بينهم ، يترك للسانه الحرية في التعبير عن حبه لريم
، يستمتع بما يقول ، لا يضع لنفسه حدودا ، كان حديثه حلوا ، كانوا يستمعون إليه ، يطرقون هدوءا حتى يسمعون صوته المنخفض ، ريم كانت تنظر إليه أحيانا ، و تبتسم
عندما ترى انسجامه مع المجموعة ، تهز رأسها و تعود لكتاب في يدها تقطع به المسافة ، يعود إليها يجلس بجوارها يهمس :
" وحشتيني "تبتسم و ترفع إصبعها محذرة ، فيضع يده بسرعة على شفتيه و يقول:
آسف !!
عندما وصلوا إلى الحدود ، كانت خيام اللاجئين تبدو على البعد كشريط أسود كبير، خفق قلب ريم بشدة بينما تحركت بهم الحافلة بإتجاه ذلك الشريط ،
لم تنتبه ريم إلى إجراءات دخول قد يكون رفقاء الحافلة قد أنهوها ، كانت عيونها معلقة بهذا الشريط الذي بدأ يتلون و تظهر ملامحه كلما اقتربت الحافلة منه أكثر
، فجــــأة بــــرز بعض الرجـــال و كانوا يركضون بإتجاههم ، وقفوا أمام الحافلةعلى بعد حوالي مائة متر من المخيم ، اضطر السائق إلى كبح الحافلة بسرعة فأحدثت
إطاراتها زوبعة من الرمال ، أختفت الرؤية تقريبا خلالها ، و لما انقشعت الرمال الطائرة ، كان عدد من الرجال يحاولون فتح الباب ، فيما صرخ أحدهم موجها حديثه
للطالين من النوافذ :
هل أحضرتم الدواء ، هل معكم أطباء ؟
لم تفهم ريم ما الذي يقوله الرجال فقط كانوا يتحدثون معا فتضيع عباراتهم مع صخبهم ، على أن قلبها استشعر خطرا ، نهضت بسرعة و اتجهت إلى الباب ، كان المشرف على
الرحلة مضطربا ، حذرها من التقدم نحو الباب و قال بارتباك شديد :
يبدو أننـا أغفلــنا الجانب الأمني •• هؤلاء الرجال بهم مس من الجنون و قد يعتدون علينا ••
نظرت ريم من النافذة مجددا فلاحظـــت أن أعدادهم تضاعفت ، لم يكن يبدو عليهم جنونا و لكنه كان الغضب ، لاحظت إعياءً واضحا على الملامح فرق قلبها ، قالت للمشرف
أنها تريد النزول الآن فقال لها بعصبية شديدة أنه لا يستطيع ، لأنه لن يتحمل مسئولية هلاكها على أيدي هؤلاء المجانين •• نظرت من النافذة و راعها أن بعض الرجال
صاروا يخمشون الباب بأظافرهم ، و سقط أحدهم أمام الباب و هو يصيح بصوت واهن :
افتحوا •• افتحوا •• صرخت ريم في المشرف و قالت له :
افتح الباب الآن •• كان المصـــورون قد بدأوا في إلتقاط الصور من نافذة الباص ، و اندفع سعيد إلى ريم قائلا :
ريم إهدئي •• لابد من تبين الوضع أولا قبل المخاطرة بفتح الباب •• لكن ريم التي كانت ترى في اندفاع الرجال حول الباص مأزقا و استجداء ، لم تستطع التحمل ، انقضت
على السائق و صارت تدق ظهره و هي تصيح :
افتح الباب ، افتح الباب •• تحملها السائق و هو ينظر للمشرف في انتظار أوامره فتركته ريم و نظرت للمشرف برجاء و قالت و عيونها مغرورقة بالدموع :
أتوسل إليك أن تفتح الباب ، سأنزل وحدي ، أنزلوني ثم أغلقوه فورا ، إن شئت كتبت لك إقرارا ، هؤلاء يشهدون علي •• صاحت و هي تواجه الجميع :
ألا فاشهــدوا أنني أتحمل مسئولية نفسي ، و أن المشرف براء مما قد يحدث لي إذا نزلت •• عادت تنظر للمشرف و تتوسل برجاء :
أرجوك ، افتح الباب ••أسقط في يده فأعطى للسائق إشارة و طلب من ريم الوقوف أمام الباب مباشرة ، امتثلت ريم بسرعة ، فتخطى سعيد الأجساد المكومة حوله و حاذى
ريم و هو يقول :
سأنزل معك ••
كان يضع يده على كتفها ، فأمسكت بها ريم امتنانا ، و تأهبت للقفز من الباص بمجرد فتح الباب ، و كان لها ما أرادت •• في لحظــة كانت هي و سعيد أمام الرجال الذين
هجموا عليهم و تبينت ريم سؤالهم المتكرر :
هل معكم طبيب ؟ هل أنتما طبيبين ؟ هل أحضرتم الدواء ؟ وقفت ريم واجمة و هي ترى تكالبهم عليهما ، تراجعت خطوة حتى لامس ظهرها جسم الحافلة ، ووقف سعيد أمامها
يحميها ، صاح بصوت جهوري :
اهدأوا من فضلكم ، أرجوكم اهدأوا •• نريد فقط أن نعرف ماذا هناك ؟ صاح أحد الرجال و كان مثل الجميع يحمل وجها مغبرا ، مرهقا ، لا تخطيء العين الإعياء فيه ،
قائلا :
مازلتم تريدون أن تعرفوا ؟!إذن لا فائدة ••أسقط ذراعيه و قال للرجال معه :
لا فائدة يا جماعة •• يبدو أنهم صحافة ••تعالت صيحات الإستنكار ، و سمعت ريم بكل وضوح عبارات سخط و لعن و بدأ الرجال ينصرفون و هم يشيحون بأيديهم :
هيا انصرفوا لا نريد صحافة •• من إحدى الخيام جاءت إمرأة متشحة بالسواد تركض و هي تصيح و تلطم وجهها :
أبو محمد •• أبو محمد •• مات الولد ، مات الولد ••ركض أحد الرجال بقوة في اتجاهها و لحق به الباقون ، نظرت ريم إلى سعيد و نظر إليها و في ثوان كان اتفاقا
مشتركا بأن يتبعوهم قد انعقد بينهما ، هرولت ريم و لم تلتفت وراءها رغم أنها سمعت صرير باب الحافلة و هو يفتح و باقي أعضاء الفريق يتبعوهم ، كانت ريم و سعيد
أول الواصلين ، و في إحدى الخيام ، كان هناك شاب عشريني مسجى عاري الصدر تنتشر في جسده بقع حمراء كثيفة ، و أمامه السيدة التي جاءت بالخبر ، كانت تولول فيما
جلس أبيه على حافة فراشه الأرضي ممسكا بيده يقبلها و هو يصيح بلوعة :
لا يا محمد ، لا تمت يا ولدي •• سيأتي الدواء يا وحيدي ••أخذت دموع ريم تسقط بلا هوادة و هي تتابع مع عشرات غيرها الموقف ، و كان أعضاء الفريق قد أصبحوا
جميعهم خلفها •• التفتت إلى المشرف و قالت و دموعها تأكل الحروف :
مات •• مات ••
أحاطها سعيد بذراعه ، فالتفت الأب إليهم و صاح :
ماذا تريدون •• هيا صوروا ابني ، و بثوا صورته عبر شاشات التلفاز •• قولوا لهم عن الشهامة العربية ، و الرجولة العربية ، و الموقف العربي النبيل •• هيا صوروه
، أليس هذا ما جئتم من أجله ، هيا صوروا و اركضوا إلى سيارتكم و عودوا بالغنيمة ••
و لم يقو الرجل على إكمال الكلام فبدأ يضرب الأرض بيده و يقبض على التراب و يضعه فوق رأسه و يبكي •• تقدم مشرف الفريق خطوات و هو يعبر الزحام و اتجه نحو الرجل
المكلوم و قال بصوت حازم :
هل هذا المرض منتشر هنا ؟ تعالى صخب الموجودين و كانوا يؤكـــدون أن العدوى تنتــشر بين الجميع بسرعة كبيرة ، و أن هذا الشهيد هو الخامس في غضون أسبوع ••
صرخت ريم من هول ما تسمع و قال رجل من الواقفين :
جاءتنا بعثة صحافة قبل يومين و طلبنا منهم النجدة ، نريد أطباء و أدوية ، وعدونا خيرا و لم يعودوا •• و قال الأب المكلوم :
توسلت إليهم أن يسرعوا •• محمد ولدي الوحيد •• لم أنجب غيره بعد انتظار سبعة عشر عاما •• لكنه مات •• مات ••بسرعة جمع المشرف أعضــــاء فريقه و أعــــطى
توجـــيهات بالعودة السريعة إلى القاهرة و إحضار عدة أطباء بعد شرح الأعراض ليتسنى لهم إحضار كل أنواع الأدوية التي يمكن أن تفيد ، شدد عليهم ضرورة العودة السريعة
و أن يكون الأطباء من معارفهم ليتجاوزوا الروتين ما أمكن ، قال لريم و هو يدفعها برفق :
اذهبي معهم ، سأبقى هنا في انتظاركم ••قالت ريم بحزم و عناد :
لن أذهب ، فليذهب من يريد لكنني سأبقى ••نظر المشرف إلى سعيد يدعوه للتدخل فقال سعيد برفق :
ريم اذهبي و سأبقى مع المشرف ، قد تستطيعين مالا يستطيعونه •• رفعت ريم عينا دامعة إليه و قالت بصوت مخنوق :
لن أذهب ••حسم المشرف الموقف فدعا بقية أعضاء الفريق للذهاب على أن يبقى معه مصوران و ريم و سعيد، تحرك الأعضاء الباقون بسرعة و اتجهــــوا للباص فيما ركض
أحد الرجال خلفهم و هو يصيح :
لا تنسوا بعض المطهرات •• العدوى ستقتلنا جميعا • في دقائق كانت الحافلة تغادر تاركة خلفها زوبعة رملية و أربعة من رفاق الرحلة ، تدق قلوبهم بعنف و تملأ حلوقهم
المرارة ••
التفتت ريم إلى المشرف ممتنة فربت كتفها و قال :
علينا بالحذر ، لا تقتربوا من أي مصاب ، و اكتفوا بالإنتشار بين المبعدين لمعرفة التفاصيل •• جاء أحد الرجال و قال وهو يبصق ترابا :
هل سيعودون ؟ فقال المشرف و هو يبتسم :
بأسرع مما تتوقع •• فقال الرجل :
ما أسمك ؟ فقال المشرف بهدوء و هو يطالع الخيمة المنكوبة للتو :
أبو محمد ••*** راقبت ريم بعض الرجال و هم يحفرون قبرا للشهيد الشاب ، اعتصر قلبها مشهد الأبالحزين ، كان سكان المخيم قد اختاروا بقعة تبعد عنهم بحوالي
مائة متر لدفن الأموات فيها •• لاحظت ريم شواهد قبور بدائية متناثرة هـــنا و هنــاك ، كـــان عــددهم بين سبعة و عشرة قبور •• وقفت تطالع المنظر و الرياح الحارة
تصفع وجهها و تجفف دموعها بمجرد أن تلامس بشرتها •• جاء سعيد إليها ، وقف بجوارها و عقد يديه خلف ظهره ، ركل بقدمه حجرا صغيرا فسمعت ريم صوته و هو يحتك بالرمال
الجافة •• تطلعت إلى سعيد ، فتطلع إليها وقال غاضبا و هو يعيد النظر في الأرض:
عار علينا و أي عار ••
لم تتكلم •• كزت على شفتيها كأنها تمضغهما •• تركته و سارت عائدة للمخيم •• كان أربعة من الرجال يحملون الجثة ملفوفة في ملاءة ملونة و يسيرون بها نحو المقبرة
•• تنـــهدت و هي ترى الأم تخرج مولولة خلف الرجال فيما انتظم على بعد خطوات سكان المخيم في جنازة صامتة بدأت بطيئة ثم أسرعوا الخطو •• وضعوا الجثة أرضا و قام
أحد الرجال الملتحين بتأدية صلاة الميت عليه ، ثم عادوا فحملوه و ساروا به إلى مقره الاخير •• لم تستطع ريم مرافقتهم ، فبادرت إلى الأم و أخذتها في حضنها و
هي تواسيها و تحاول العودة بها و المرأة تقاوم رغبة ريم ، و تصر على حضور دفن الوحيد ••
تركتها ريم ، و سقطت على الأرض تقبض الرمال الحارة و هي تقول بغيظ و غضب :
لماذا ؟ لماذا ؟
جاءها أحد المصورين و قال و هو يحاول رفعها :
إنهضي يا ريم •• أمامنا عمل كثير •• إنهم يحتاجون قوتنا ليعوضوا بها ضعفهم •• لا يجدر بك الضعف في ظرف كهذا •• تطلعت إليه ريم ، ثم نظرت أرضا و انخرطت في بكاء
مرير •• *** في المساء ••كان سكان المخيم و معهم الضيوف الرجال يصطفون جلوسا على الأرض ، و كان القمر بدرا ، توسطهم أحد الرجال و شرع في قراءة متأنية للقرآن
•• كان مأتما في العراء ، لم يشاهدوا مثله من قبل •• بدا والد المتوفى أكثر هدوءا ، أحاط به الرجال يربتونيده و يسمعونه عبارات العزاء •• و كانت ريم مع النسوة
في إحدى الخيام ، و انتشر الأطفال يتصايحون خلف الخيام •• جلست ريم بجوار الأم التي جفت دموعها و احتضنت بعض ملابس الفقيد و أخذت تتمايل مع صوت القرآن القادم
من الخارج ••كان الجو صحوا •• و نسمة باردة تلفح الوجوه ، حاولت ريم أن تحرك لسانها بكلام فلم تستطع ، تطلعت حولها تستنجد بالنسوة فقالت إحداهن :
الموت أصبح عادة يومية هنا ••
و قالت أخرى :
منذ يومين مات هيثم و أمه في لحظة واحدة •• كان قد أصيب بالمرض اللعين و أصرت أمه على احتضانه طيلة الوقت ، هي أرملة منذ سنين و جميع أولادها في الخارج ، كان
هيثم آخر العنقود عمره ثلاثة عشر عاما •• أكاد أجزم أنهما ماتا معا •• وجدناهما جثة واحدة صباح أول أمس •• قالت ريم و هي تبتلع رهبة غصت بها :
كيف تعيشون هنا ؟ فقالت إمرأة :
الله لا ينسى عباده •• تأتينا من وقت لآخر إمدادات غذائية من مصر أو من ليبيا ، كما أن بعض منظمات دولية تزورنا أيضا ••و قالت أخرى :
حتى أن بعض الأشخاص يأتون بسيارات محملة ببضائع تجارية و يبيعونا إياها ، يعرف الملاعين أن معنا نقودا لا فائدة منها ، يبيعون بأثمان مرتفعة جدا •• فقالت سيدة
و هي تضغط صدرها :
لا أسمـــح لنفسي بتبديد ما أملك ، أعرف أن هذا الأمر سينتهي يوما •• قد أحتاج للنقود •• فقالت سيدة و هي تشيح بيدها :
قد تموتين قبل أن ينتهي الأمر •• و يأكلك الدود و يأكل نقودك •• لم تكترث للخوف الذي تراقص في عين المرأة ، و قالت و هي تنظر للقنديل المعلق على سارية الخيمة:
في فلسطين عندما خرجنا من قريتنا بعد مذبحة دير ياسين المشئومة ، عشنا في مخيم على الحدود مع الأردن ، قالوا لنا لن يستغرق الأمر أياما ، فلما تطاولت الأيام
شهورا قالوا الفرج قبل سنة •• و سنة جرت سنة •• و لم نغادر المخيم حتى كبرت و تزوجت و جاء بي زوجي إلى ليبيا •• أول منزل حقيقي عشت فيه كان في ليبيا ••كانت
له جدران لا تخترقها العيون ، و حماما منفصلا لا يجرح عورتي فيه متلصص في الظلمات •• تنهدت و قالت :
لكن بقاء الحال من المحال ••
كانت هناك شابة تضع نظارات طبية على عيونها و تجلس في آخر الخيمة صامتة ، لفتت نظر ريم فنهضت باتجاهها ، راقبتها الفتاة و هي تتجه نحوها ، و عندما اتخذت ريم
لنفسها مكانا بجوارها ، ضمت ساقيها أكثر لتفسح لريم مكانا و خلعت نظارتها و طفقت تمسحها بطرف ثوبها ، عادت فلبستها و قالت لريم :
ما اسم جريدتكم ؟ فقالت ريم و هي تبتسم بود :
إنها مجلة •• مجلة صباح الخير •• فابتسمت الفتاة و قالت :
أعرفها ، كنت أقرأ بعض أعدادها التي تصل إلى ليبيا •• ما اسمك أنت ؟ فقالت ريم و هي تسند ظهرها برفق على قماش الخيمة :
ريم •• ريم جهاد القاسم •• قالت الفتاة بدهشة :
اسمك ليس مصريا
فقالت ريم على الفور :
أنا فلسطينية •• من غزة •• أقصد أبي من غزة ، أنا لم أر فلسطين أبدا ••