6

20 0 00

أي شيء ؟ فتح الدولاب و أخرج حقيبة قديمة مغلقة طالما رافقتهم و كان يضع فيها أوراقا كثيرة هامة ، شهادات ميلاد و تطعيم و قصاصات صحف قديمة و وثائق سفر و غير

ذلك ، فتحها بهدوء و من تحت قاعدتها الجلدية أخرج ملفا أصفر قديما و قال لزوجته :

في هذا الملف سوف يجد أبناؤنا دوما الإجابة عن أسئلة ما زالت لم تؤرقهم و لم تعن لهم شيئا ، لكنني أكيد أنهم سوف يطرحونها في يوم من الأيام ، فيه شجرة العائلة

في فلسطين ، كل ما حوته ذاكرتي عن أهلي و أقربائي و أصدقائي هناك ، عناوينهم كما كانت حين غادرت فلسطين و عناوينهم التي وصلتني في سنين غربتي ، كنت أخاف إذا

أنا نسيت هذه الأسماء و العناوين أن أفقد وطني إلى الأبد لذا احتفظت بكل ما وقعت عليه من عناوين في كل بقاع الأرض ، هنا أسماء أشخاص يسكنون كل قارات العالم

، سيجد أولادي حين يسألون أن اقرباءهم كثر و منتشرون و لدينا أغنياء أيضا في العائلة ، و هذه يا سميحة •• أتعرفين ما هذه ••؟ أخرج من الملف ورقة صفراء كانت

تقبع خلف كل الأوراق كانت يده تهتز و هو يمسك بها ، تطلعت فيها سميحة فلم تستطع فهم ما فيها فهزت رأسها فقال :

 هذه ورقة رسمية من حكومة عموم فلسطين مثبوت فيها أن البيت الذي كنت أسكنه في غزة هو ملكنا ، ملك أبي يرحمه الله ، هذه الحجة حصلت عليها ليلة مغادرة أبي لنا

متوجها إلى الأردن ، في تلك الليلة أعطاها لي أبي و طلب مني المحافظة عليها فهي الإثبات الوحيد لحقي و إخوتي في البيت ، كنت أنا الوحيد معه تلك الليلة ، و عندما

تفرقنا أنا و إخوتي ظلت معي و لم أنتبه إلى أنني أخذتها إلا عندما وصلت إلى مصر منتصف عام 46 ، لا أدري ما قيمتها الآن و لكنها هامة جدا ، لذا حافظي عليها و

أعطيها إلى قاسم عندما يكبر ليحافظ عليها بدوره •• همست سميحة بجزع :

 و لماذا لا تبقها في حقيبتك و تعطها لولدنا عندما يكبر بنفسك يا أبا العيال ؟ أعاد وضع الملف في الحقيبة بحرص و أغلقها و أعادها إلى مكانها و هو يقول :

 من ذا الذي يعرف الحياة من الموت يا أم العيال •• أمسكته من كتفيه هزته صاحت:

 إنك تميتني رعبا يا جهاد ، ألا تدرك معى ما تقول في ليلة كهذه ، سوف تغيب الوجوه بعد ساعات و لن يبقى لي إلا خوفي و جزعي من مستقبل لا أعرف عنه شيئا ، ألا

تفهم ••؟ نهض و أخذ بيدها مهدئا و قال:

 أفهم تماما ما تشعرين به ، إنه نفس شعوري قبل عشرين عاما عندما أعطاني أبي هذه الحجة ، شعرت بالفقد و شعرت باليتم و شعرت أنني أريد أن أفتح عيوني و قلبي لأضع

الرجل فلا أسمح لغربة أن تفرقنا و لا لسفر أن يشتتنـــا ، لكنه سافر ، و أنا ســــأسافر ، و في الغربة مات ، و انا ••

 لا •• لم يكن من معنى لأي شيء في هذه اللحظة ، اللحظة التي يجب أن يواجه المرء فيها مصيره و يتحسب لأي ظرف طاريء و يقدم بنفسه تأبين ذاته على مرأى و مسمع ممن

يحب ، كان هذا قدر جهاد و سلمه في تلك الليلة طوعا إلى سميحة •• حياة لابد أن تمضي ، و فراق لابد أن يكون ، و لا يملك الإنسان مهما كان قويا أن يقف في وجه مصير

محتوم ، هكذا شعر جهاد ، و شعرت سميحة و هناك على بعد خطوات منهما كانت أيضا ريم ، تشعر بكل شيء و تعرف أن عهودا أخذها أبوهم منهم كانت بمثابة وثيقة سفر للاجئين

منحتها لهم سلطة لا ينتمون إليها ليحققوا بها قدرا لا يريدونه لأنفسهم •• و عندما نامت عيون كل من في البيت ، كان هناك عددا من القلوب الواجفة ، تردد أدعية

كثيرة تختلط مع بعضها صاعدة إلى رب قدير عله يحفظ هذه الأسرة من ضياع يدق الباب و غربة ترعى في الأخضر و اليابس بلا تفريق •

لم يعد مجيء سعيد إلى منزل ريم أمرا غريبا بعد أن تولى أمور المنزل في اليوم الأول لغياب الأب منذ أن اصطحب العائلة الى الميناء البحري في السويس ليستقل الأب

باخرته من هناك في رحلة طويلة استـغرقت ثلاث ســـاعات ذهابا و مثلهم في الإياب ، و خلال الذهاب لم يلتفت مرة واحدة إلى ريم رغم أنها كانت حاضرة تماما في نفسه

خلال الذهاب ، إلا أنه اكتفى بمجالسة العم جهاد و الاستماع منه طوال الرحلة إلى حكايات كثيرة و ذكريات متناثرة و دعوات صادقة كان يطلقها بين الوقت و الآخر لتصيب

كل فرد في عائلته ، و هناك في السويس اندمج تماما مع الأب في نقل الحقيبة و إنهاء اجراءات السفر و عندما لوح الأب للجميع من فوق الباخرة سمح لنفسه أن ينظر إلى

ريم مليا ، راقب بكثير من الشغف يدها الموصولة بقلبها و بدموع عينيها و هم يتناغمون في ملحمة وداع كبيرة لم ير مثلها في حياته ، و في طريق العودة جلس بجوار

قاسم و تبادلا حديثا مقتضبا ثم خيم الصمت على الجميع ، كان كل فرد في العائلة يفكر تفكيرا خاصا به ، بل هو شديد الخصوصية يصعب قطعه و لو بحديث عابر ، لذا ظلت

السيارة تنهب الأرض و الأفكار تنساب سريعة في أدمغة عائلة سافر عائلها للتو ••

عندما وصلوا إلى باب البيت ودعهم سعيد و تعمد أن يسلم عليهم من أجل اللحظة التي يصل فيها إلى يد ريم ، لكنها كانت أسرع فسبقت الجميع إلى المنزل تاركة يده تئن

من الاشتياق ، و في تلك الليلة بدا المنزل موحشا ، منزل جهاد و منزل سعيد ، كانت الوحشة تسكن كلا البيتين ، لم يستطع أفراد العائلة أن يتبادلوا الحديث ، و كان

أكثر المشاهد إيلاما لهم جميعا مشهد الراديو صامتا وحيدا في ركن الأب الأثير و تنهد الجميع و ذهب كل إلى مكانه ، أما سعيد فقد هرع إلى شرفته و ظل ما تبقى من

الليل يطالع نافذة ريم المغلقة و آلاف الأفكار تتصارع داخل رأسه ، شعر بنقمة آنية عليها سرعان ما انحسرت عن فيض من الشفقة جعل قلبه يدق بشدة يستدعي صباحا لم

يعد ببعيد ، و في الصباح مر من جانب بابهم في طريقه إلى العمل و تلكأ قليلا عله يرى أحدا ، لكن أحدا لم يخرج في ذلك الوقت و عند عودته توجه مباشرة إلى بيتهم

، طرق الباب بثقة و عندما فتح له قاسم سأله عن والدته حتى إذا جاءت شدد عليها كثيرا أن تلجأ إليه عند حاجتها لأي أمر مهما كان و في أي وقت ، لم ير ريم ، لكنه

خمن أنها ترسم الآن ، خرج مطمئنا و اتجه إلى منزله ، طالع وجهه في مرآة الباب و تنهد ارتياحا ••

كانت الليلة الاولى لسميحة بعد سفر زوجها من أطول الليالي التي مرت بها في حياتها ، فهي الآن الأم و الأب ، تضاعف الحمل و أصبح هؤلاء العيال أمانة ثمينة في

عنقها وضعها جهاد مرتاحا إلى أنها قادرة عليها ، لكنها تشعر في نفسها ضعفا و تخشى هذا الحمل ، أخرجت الملف الأصفر القديم من الحقيبة تأملت أوراقه طويلا و تساءلت

إن كان أحد من أولادها سيستفيد من هذه الأوراق يوما ؟ عادت فوضعته في الحقيبة ، تلفتت حولها ، كل شيء كما هو إلا أن مــوضع جهــــاد فــارغ ، تحسست موضــعه

، ألقــت برأسها على وسادته و تنهدت ، همست :

 متى سيعود ؟!!

و هناك كانت ريم في غرفتها تطالع الفراغ في كل شيء ، تحس خوفا كبيرا اجتاحها لحظة أن لوح لهم أبوها مودعا ، سكنها خوف كبير ووقع زلزال ضخم في قلبها لم يشعر

به سواها ، مازالت بقاياه عالقة في نفسها حتى هذه اللحظة ، و تساءلت مما الخوف ، و لماذا هذا الشعور العميق بالفقد ؟ لم تجد الإجابة ، لقد ســـار كل شيء طبيـــعيا

، كما هو مقـــررا ، و رغم حزنها على الفراق إلا أنه كان حتميا بالفعل ، ليس من أجلها وحدها و إنما أيضا من أجل أبيها الذي لابد أن يجد لكفاح العمر ثمرة آخر

المطاف ، إذن لماذا دبيب الخوف الذي يسكن أحشاءها ، مم تخاف ؟ هذا ما لم تستطع أن تجيب عنه ••

 

أما سمر فقد نامت هادئة بعد أن قررت أمها أن ترافقها في غرفتها منذ الغد ، نظرت إليها و تساءلت إن كانت بدورها تشعر بهذا الخوف ، قالت بصوت لم يسمعه سواها :

 لماذ ا أنا خائفة ، ما كل هذا الألم الذي يعتصر قلبي حقا ••

وضعت يدها على قلبها ، كان هادئا ، لكنه فعلا كان خائفا ••

أما قاسم فقد أغلق على نفسه حجرته و ظل يكرر مرارا لنفسه ، إنه الرجل الآن و إنه سوف يتحمل المسؤولية كاملة و سيثبت لأبيه أنه ترك وراءه من يعوض غيابه ، تصفح

في مخيلته وجوه أفراد أسرته ، أخذته الشفقة و هو يتذكر وجه أمه حين كانت تشتري أغراض السفر و اعتصر قلبه تذكره لصورة ريم أثناء الوداع ، و حتى سمر الصغيرة شعر

فجأة أنه مهتم كثيرا لأمرها ووعد نفسه أن يصرف مصروفه اليومي عليها كل يوم حتى لا تشعر بغربة أبيها الحبيب ، لكن عقله اليافع استحضر و بقوة صورة سوسن ، كان

يريد أن يقول كل ما قاله لنفسه أمامها فهي الوحيدة التي ستفهمه و سأل نفسه :

متى ستأتي سوسن لزيارة ريم ؟ ***

 ستدخلين الجامعة يا ريم ؟

هتفت سوسن و هي تطالع أوراق كثيرة مبعثرة على سرير ريم ، كانت ريم تضع الشاي أمامها و ابتسمت بوهن و أجابت :

 نعم يا سوسن ، هذا هو السبب في تغرب أبي ، سأدخل الجامعة ••

 و لكنك فلسطينية و ما أعرفه أن التعليم الجامعي بالنسبة لكم هو •• قاطعتها ريم مبتسمة و قالت :

مثلما كنا نظن جميعا ، إلا أننا لم نكن نعرف أن للفلسطنيين نسبة في مقاعد الدراسة بالجامعة المصرية ••

و كيف عرفتم بهذا ، هل سأل أبوك قبل سفره و عرف ؟

 

توجهت ريم إلى نافذة غرفتها و فتحتها و نظرت باتجاه منزل سعيد و قالت :

لا •• الأستاذ سعيد هو من عرف و أبلغنا ••

بدا أن سوسن لا تعرف الاسم ، نهضت ووقفت بجوار ريم و تطلعت حيث تتطلع هي ثم قالت كمن أدرك فجأة أمرا غريبا :

سعيد ؟ ! الشاب اللاهي ؟!

أومأت ريم برأسها و همست :

نعم سعيد الشاب اللاهي ••

حكت لصديقتها كل شيء ، قصت عليها كل ما حدث ، و كانت نبرة صوتها تحمل حيادا غامضا كلما ذكرت اسم سعيد مقرونا بالأستاذ ، و كانت تجاري صديقتها في كل التعليقات

المشتركة عن هذا الرجل ، و التي ليست في صالحه أبدا ، و أخيرا تنهدت سوسن و قالت :

يالحظك !! لو أن سيدا فقط يوافق على التحاقي بالجامعة لأمكننا أن نتزامل في الجامعة كما تزاملنا في الدراسة دائما ••

أثار اسم سيد حفيظة ريم فلم تملك إلاأن تظهر امتعاضا لاحظته سوسن بسهولة فقالت لها :

ما رأيك يا ريم لو طلبت أنت منه هذا ، اعتقد أنه لن يرفض لك طلبا ، بل أنا متأكدة أنه لن يرفض إذا طلبت أنت ذلك ؟

هل جننت ؟!! قالت ريم بسرعة و أضافت :

أنا أتحدث مع سيد و أطلب منه إلتحاقك بالجامعة ؟ لابد أنك جننت ، أنت فعلا جننت •• لكن سوسن راقتها الفكرة التي خرجت في لحظة عفو الخاطر و استقرت بسرعة كاليقين

، لا مجال للشك في موافقة سيد شرط أن تطلب من ريم ذلك ، لكن ريم أصرت على الرفض المقترن بالدهشة من هذه الفكرة المجنونة و في النهاية صاحت سوسن:

من لي بمثل الأستاذ سعيد يحل لي عقدتي كما حل لك عقدتك يا صديقتي العزيزة •• وجمت ريم قليلا و كأن اقتران اسم سعيد بها أصابها بالارتباك ، هزت رأسها و شرعت

تحاول افهام صديقتها :

يا سوسن الأستاذ سعيد ••

قاطعتها سوسن و قالت :

اسمعي يا ريم ، ما أطلبه منك لا يعدو حوارا عاديا مع سيد يتحول تدريجيا إلى محاولة اقناعه بالتحاقي بالجامعة ، إذا نجحت هذه المحاولة كسبنا المرافقة و الدراسة

سويا و إذا فشلت لم نخسر شيئا ، و كما ترين الأمريستحق المحاولة فماذا قلت ؟ سكتت ريم فنهضت سوسن تقبلها امتنانا معتبرة سكوتها رضا و اقتناع ، و قالت و هي تحمل

حقيبتها استعدادا للمغادرة :

لقد تحدثت مع قاسم قبل مجيئك ، هذا الولد يحمل قلبا كبيرا و يريد أن يتحمل المسئولية ، ساعديه يا ريم

أومأت ريم موافقة ، و لم تنهض لتوديع صديقتها فيـــما كــانت سوســن تلقي آخر كلماتها و هي تحي أمها بصوت مرتفع لتسمعه ريم :

سأنتظر ريم غدا في منزلنا يا خالتي ، أرجوك ذكريها ••

بعد انصراف سوسن دخلت الأم إلى حجرة ابــنتها ، رأتـــها واجمة ، اقــتربت ببـــطء منها و ركزت نظرها عليها ، رفعت ريم عينيها باتجاه أمها ، كانت الحيرة تملؤهما

، جلست الأم على طرف الفراش و قالت برفق :

اتفقنا ألا نخبيء شيئا عن بعضنا البعض يا ريم ، اليس كذلك يا حبيبتي ؟ تنهدت ريم و همست :

 

ليس هناك ما يستحق أن نخبئه يا أمي ، لقد طلبت مني سوسن محاولة أقناع اخيها سيد بدخولها الجامعة ، و اعتبرت صمتي موافقة على هذه المحاولة •• نظرت لأمها و هي

تقسم :

 و لكني أقسم لك يا أمي أنني لم اشأ القيام بهذه المحاولة ، حتى أنني أرفض القيام بها ، لأن مجرد محادثة هذا السيد تزعجني و تضايقني كثيرا ، و أنا لا استطيع

عمل مثل هذا الحوار معه ، لكنني لا أعرف ماذا أفعل و سوسن تعتمد علي ••

ابتسمت الام و ربتت على كتف ابنتها و قالت :

غدا يكون لكل حادث حديث ، هيا لملمي أوراقك و اجمعيها في ملف ، سيمر الأستاذ سعيد غدا لأخذها و يجب أن تكون كاملة ، وفقك الله يا ابنتي و يسر لك الامور و أبعد

عنك أولاد الحرام •• راقبت ريم أمها و هي تغادر الغرفة و نبت الخوف مجددا في قلبها ، خوف يشبه ذلك الذي اقتحم قلبها يوم سافر أبوها ، كانت في دعوة أمها الاخيرة

رنة حادة كأنها أصبع تشير به على أناس كثيرين دخلوا حياتها ، أو مازالوا سيدخلونها •

اضمرت سميحة في نفسها أمرا بعد حديثها مع ابنتها ، كانت و مازالت تشعر أن سوسن رفيقة ريم منذ الطفولة ليست بيضاء من الداخل كما ابنتها ، كانت تشعر أن سوسن تنظر

إلى ريم بمنظار خاص ، منظار يرى ما لا تراه ريم في نفسها ، و يتــسع ليشمل ريم و أهلها و علاقتهم ببعضهم البعض و موهبة ريم و تلك الجاذبية الخفية التي وضعها

الله فيها و كانت كثيرا ما تقرأ المعوذتين كلما أقبلت سوسن أو توجهت ريم لزيارتها ، لكنها لم تكن تستطيع منع ابنتها عن تلك الفتاة اليتيمة لمجرد شعور لا تؤكده

وقائع ، و لمست في رغبة سوسن الالتحاق بالجامعة غيرة خفية تأكل قلب الفتاة إزاء دخول رفيقة طفولتها الجامعة رغم كل المحاذير و العقبات في الوقت الذي لا يقف

أمام تحقيق هذه الأمنية لها سوى موافقة أخيها ، لذا وقفت سميحة أمام باب بيتها في موعد عودة سيد من عمله و تعمدت أن يراها و لم تمنعها التقطيبة التي يحسن سيد

رسمها على وجهه دائما من اعتراض طريقه و مبادرته بالحديث :

السلام عليكم يا أستاذ سيد ••

توقف سيد ، و نظر في اتجاه الصوت و تملكته دهشة كبيرة ، فهذه من المرات القليلة النادرة التي يتحدث فيها مع أم ريم ، لكنه أسرع نحوها و حاول رسم ابتسامة هي

بكل تأكيد ضد طبيعته ، حتى ان سميحة قالت في نفسها :

صدقت ريم ، إنه لثقيل الظل •• لكنها ابتسمت و هي تراه مقبلا نحوها و انتظرت حتى تكلم :

 و عليك السلام يا أم قاسم ، كيف حالك ، هل وصلتكم رسالة من العم جهاد ؟ أجابت أم ريم بعد تنهد قائلة :

 مازال لم يصلنا منه شيء ، و هذا التأخير متوقع في البداية فهو لم يستقر و لم يتحدد له مكان العمل و اعتقد أنه بمجرد أن يتحدد له مكانه سيرسل إلينا رسالة ••

الا تحتاجون شيئا يا خالتي ، إنني في مقام قاسم و مستعد لأي طلب ، هذا ما يفرضه الواجب •• هزت أم ريم رأسها شاكرة و قالت :

أشكرك يا بني ، لا شيء أكثر من سلامتك و رجاء صغير •• تساءل سيد عن طلبها فقالت :

الهاتف ، هاتفكم ، أريد أن أعطي رقمه لجهاد و أبلغه أن يهاتفنا فيه مرة كل شهر يحدد وقتها فنجيء عندكم و ننتظر المكالمة ، فهل هذا ممكن ؟

ابتسم سيد مجددا و قال بسرعة :

بالطبع ، بل هو ممكن جدا ، فقط أبلغيني بالوقت الذي ستحددونه لكي أخرج لك الهاتف من غرفتي خلاله ، إذ كما تعرفين هو دائما في غرفتي المغلقة و لو أنا خارج المنزل

لن تتمكنوا من استعماله ، تحت أمرك ••

ابتسمت أم ريم ممتنة و قالت و كأنها تلقي الحديث عابرا :

الحمد لله ، بـــارك الله فيك يا بــني ، أنت تعــرف أن ريم ستــذهب للجامعة هذا العام ، و هذه المكالمات ضرورية ليعرف جهاد أخبارها و نعرف اخباره •• عقدت

الدهشة لســـان ســــيد فوقف واجـــما يطالـــع وجه أم ريم غـــير مصــدق ما يسمع و بصعوبة قال :

 ريم ستذهب الى الجامعة ؟ أومأت أم ريم و هي تُكبر في سرها و قالت :

نعم ، لهذا السبب سافر جهاد ، يريد أن يتعلم الأولاد و يحملوا سلاحهم بأيديهم ، الزمن غير مضمون يا بني كما تعلم •• قال سيد و الغضب يكاد ينطق على لسانه بعد

أن صرخ في عيونه :

 و لكن ريم بنت و يكفيها ما وصلت إليه من تعليم ، إنها في النهاية ستتزوج مثل كل البنات و سيكون على زوجها إعالتها •• قالت الأم بحزم :

 لن تتزوج ريم قبل أن تحصل على شهادتها ، و التعليم يا بني لا حد له و هو في يد البنت سلاح اذ من يضمن كيف سيكون زوجها ، أو يضمن حتى حياة من يعولها •• هز سيد

رأسه غير مقتنع و هم بالسير مجددا غير أن أم ريم قالت بسرعة :

 ليت سوسن تلتحق بالجامعة فتكون معها دائما يروحان معا و يجيئان معا و نطمئن على أنهما في رعاية بعضهما البعض ••

نظر إليها سيد بجمود لم تستبن منه موقفه ، ثم همس و هو يغادر المكان :

السلام عليكم •• تنهدت أم ريم و هي تدخل بيتها و ترد سلامه ثم قالت :

الله ييسر ما فيه الخير للجميع •• كانت ريم على الباب تنتظر أمها و بمجرد دخولها ابتسمت و رفعت يدها بعلامة النصر لأمها التي ابتسمت بدورها و توجهت للمطبخ