27

20 0 00

نازعته نفسه أن ينهض ، ليجلو بيده عن وجهها عناء الشهور الماضية بكل ذكرياتها ، ليمسح

بيده عنها مسحة الحزن الغريبة التي بدت أكثر قتامة •• ليضمها إليه و يحتوي قلبها المتعب •• قال قاسم و هو ينهض :

 أنا سأدخل للإستحمام و من ثم النوم •• لم ننم نوما حقيقيا منذ أسبوعين ••و النوم في الحجز أمس كان قاسيا جدا •• تابعه سعيد بعينه و هو ينصرف ، رغم أن كلماته

كانت تحمل دعوة خفية لينصرف بدوره ، إلا أنه تعمد ألا يفهمها •• بقي جالسا •• نظر لريم مجددا ، قال بإشفاق كبير :

 تبدين متعبة •• هزت رأسها و هي تبتسم ابتسامة طفيفة و قالت :

 جميعنا متعبون •• قالت الأم و هي تتنهد :

 ريم حساسة أكثر مما ينبغي ، و الظروف التي مررنا بها كانت فوق احتمالنا •• تطلعت ريم إليه و قالت تسأله :

 هل تغيرت عليك كثيرا يا سعيد ؟ هز رأسه بهدوء و قال :

 لا •• أنت ريم التي عرفتها دوما مهما مر عليها من أحداث ••ابتسمت ريم ابتسامة باهتة و تطلعت حولها و قالت :

 كأنني أحلم ، كأن الفترة السابقة لم تكن •••أخيرا مجددا ، ها أنا هنا ، و أنت هنا ، و ها هو منزلنا الصغير •• كأن شيئا لم يتغير •• لكن •• أطرقت ريم و امتلأت

عيونها بالدموع ، فركت يدها و همست بصوت متهدج :

 لكن أبي لن يعود ، و الأحلام الجميلة ، لم يعد لها وجود ، و المشاكل التافهة صارت من الأمنيات •• صمت البيت ، و لعبت بأفراده تصاريف لاترحم ، داخلي فارغ تماما

••• فارغ حد العدم ••هل تفهمني ؟ رفعت إليه عيونا دامعة متسائلة ، فلبتها على الفور عيون و جوارح متلهفة قال بكل ذرة من مشاعره :

 أفهمك يا ريم •• تنهدت ، مسحت دموعها ، رسمت ابتسامتها الباهتة و قالت :

 على الأقل ، أنا هنا الأن •• قال سعيد :

 وكنت هنا دائما •• قالت الأم بسرعة :

 لابد أن قاسما أنهى حمامه الآن ، الدور عليك يا ريم •• لم يتعمد عدم الفهم مجدد ا، نهض متثاقلا و قال و هو يتجه للخروج :

 سآتيكم بطعام ليلا •• آمل أن تكونوا قد أرتحتم •• لم يعطهم فرصة للإعتراض ••خرج ثقيلا ، ثقيلا •• منظر ريم المتعب أوصله إلى مرحلة من فقد التوازن ، لم يكن

يتخيل أنه سيراها يوما بهذا الشكل •• تبدو مهزومة ، مصدومة ، منهارة ••كور قبضته في الهواء ، قال و هو يكز أسنانه :

 أقسم أن أعيد إليكالفرحة المسروقة يا ريم و لو كلفنني الأمر حياتي •• أقسم •• *** في المساء ، اجتمعت الأسرة حول مائدة حافلة جلبها معه سعيد و هو قادم ••

كانت الساعات القليلة الماضية التي أمضوها في النوم قد تركت أثرا حسنا عليهم •• بدت وجوههم مرتاحة و عيونهم لامعة •• حتى ملابس البيت التي ارتدوها جميعهم كانت

تضفي عليهم ألفة و هدوءا جميلا •• أكلوا كثيرا •• كانوا جائعين ••و كانوا ممتنين •• تطلع سعيد إلى ريم يبحث عن ريم القديمة و أسعده كثيرا أنها تطل بخجل من العيون

الحزينة ، أسعده أن الملامح التي أحبها مازالت موجودة ، ذابلة قليلا لكنها موجودة ، مد لها يده بقطعة لحم تناولتها منه و هي تقول :

 لقد أكلت لوحدي حتى الآن نصف الطعام •• قال مبتسما :

 بالهناء و الشفاء •• يجب أن تأكلي كثيرا حتى تعودي إلينا سريعا •• قالت و هي تنهض :

 لن يعيد الطعام ما تبدد يا سعيد •• اتجهت للمطبخ لإعداد الشاي و قامت الأم و سمر برفع المائدة فيما اتجه قاسم مع سعيد للصالون قال قاسم و هو يجفف يده :

 هل أخبرتك ؟ سأسافر إلى أمريكا في القريب العاجل •• دهش سعيد لهذا الخبر فأكمل قاسم :

 قبطان السفينة الأخيرة التي كنا عليها وعد بمساعدتي في الحصول على التأشيرة ••معي كارت توصية منه للسفير الأمريكي هنا •• قرأ السؤال في عيونه فأجابه قبل أن

يسأل :

 ريم غير موافقة •• لم أفاتح أمي بعد •• أريدك أن تساعدني في اقناعهم ••إنهما تثقان بك كثيرا •• قال سعيد مستنكرا :

 إنهم في أمس الحاجة إليك الآن أكثر من أي وقت مضى يا قاسم ، ما هذا التفكير ؟ صفر قاسم و هو يجلس و قال بسرعة :

 أرجوك •• لا أريد جبهة ثالثة أحارب فيها ، يكفيني ريم و أمي ••فقال سعيد بقوة :

 قاسم •• لست صغيرا كي تحتاج إلى من يذكرك بواجبك ، ما تقوله جنون •• ابتسم قاسم و قال ساخرا :

 جنون ؟ !! الجنون يا صديقي أن أبقى هنا أصارع طواحين الهواء بلا فائدة •• لن يفيدهم وجودي ، ستقتلهم انكساراتي المتعاقبة ، لن أجد عملا بسهولة و لن أستطيع

لو وجدته أن أتحول إلى ثور في ساقية ، يلف و يدور بلا هدف ، بلا مستقبل •• لن أكرر جهاد ، لن أعيــــش على الهامــــش حتى أموت •• إما أن أجـــد لنفسي مكانا

تحت الشمس ، أو أموت و انتهي ، هذا خير لي و لهم •• صاح سعيد بحزم :

 لا تكن أنانيافقال قاسم بتصميم :

 ولن أكون أبلها •• دخلت ريم بصينية الشاي وزعت الأكواب قالت و هي تنظر لقاسم :

 أخبرته يا قاسم ؟ هز رأسه إيجابا ، فقالت لسعيد :

 ما رأيك فيما سمعت ؟ فقال سعيد بهدوء :

 كنت أناقشه للتو •• قاسم عاقل و سيـ ••• لم يتركه قاسم يكمل حديثه قال بتصميم :

 لا مجال للنقاش ، لقد قررت و انتهى الأمر ••دخلت الأم و قاسم ينهي عبارته فقالت :

 ما هو الأمر الذي انتهى يا قاسم ؟ فقال قاسم بعد تردد :

 أمي لقد قررت السفر إلى أمريكا ، سأعمل هناك •• تطلعت ريم إليه بغضب و قالت لأمها بسرعة :

 مازال يفكر يا أمي ، و نحاول أن نقنعه بعدم السفر •• فقالت الأم بهدوء :

 و لكن يبدو أنه قد قررفقال قاسم :

 يا أمي أفهميني أنا •• فقالت الأم مقاطعة :

 أنا موافقة ••جابهت كل العيون المندهشة أمامها ، جلست و هي تتنـــاول كـــأس الشــــاي و قالت بعد أن رشفت منه رشفة :

 أعرف الأسباب التي حملتك على هذا القرار يا قاسم ، أعرف أن الدنيا على وسعها ضاقت عليك ، و كنت أتوقع منك هذا القرار منذ ذلك اليوم في الرياض عندما قلت أنك

ستختار لنفسك هدفا مختلفا ، و لن تسير وفق سير أبيك يرحمه الله •• كنت أعرف أن هذا القرار قادم ، و لقد وطنت نفسي على قبوله ، لم تعد صغيرا يا بني ، افعل ما

تريد •• جلست ريم القرفصاء أمامها و قالت و هي تمسك يدها :

 و لكن قاسم يا أمي رجلنا الوحيـــد الآن ، كيف تسمــــحين له بالتـــخلي عن مسئوليته و توافقين على سفره و قد وضعنا أبينا يرحمه الله أمانة في عنقه •• سارع

قاسم يقول :

 و لن أتخلى عن مسئوليتي هذه يا ريم ، بضعة شهور أتلمس فيها طريقي ، ثم أرسل لكم لتلحقوا بي •• قالت الأم بسرعة :

 لا •• أما هذه فلا يا ابن جهاد ، لن نلحق بك و نعيش غربة جديدة و لو أصبحت سيد العالم هناك ، سأظل في بلدي ، أربي سمر و أشرف على مستقبلها ، و لن أرتاح حتى

أسلمها شهادتها ، لتصبح بدورها مستقلة ، تحمل سلاحا ، عندها أكون قد أديت ما علي ، أما أنت فتعال لزيارتنا كلما أشتقت إلينا ، ستجد بيت أبيك مفتوحا لك ، و قلوبنا

جميعا متلهفة عليك ••نهضت ريم ، صامتة ، حزينة ، تطلعت إلى قاسم تستجدي تراجعا ترجوه ، فأشاح بوجهه ، كان يعـــرف أنه قد يضعـــــف في أية لحظة ، و كـــان

يحتاج للقوة •• التفتت ريم إلى أمها و قالت بصوت مخنوق :

 و أنا ؟ تطلعت إليها الأم فأكملت :

 هدفك الآن هو سمر ، و هدفه هو المال و أنا ؟ أين أنا من حساباتكم ، لماذا أسقطتموني منها ؟ فقالت الأم و هي تغالب دموعها :

 بدورك فتشي لنفسك عن هدف •• هذا ما طلبتموه ذات يوم مني •• تنهد سعيد و نهض و هو يقول :

 أعتقد رغم قسوة هذه القرارات أن هذا هو الوضع الطبيعي ، كثيرون من الشباب يسافرون ، يتكسبون في الغربة عيشهم ، أما أنت يا ريم ، فإنك لم تسقطي من الحساب ،

كنت أول من حمل شهادة ، أول من قبض ثمن غربة أبيه ، لديك موهبتك ، و أبواب كثيرة تستطيعين طرقها ، هذا اليوم الأول لك هنا ، و لا تعرفين ماذا يحمل الغد •• فقالت

ريم و هي تشعر بضياع أعاد لها خفقات الخوف العالية :

 أعود مجددا أنتظر غدا مجـهــــولا ، أعــــود مــجددا لأتـــرك نفسي رهيــنة رياح تحملني و رياح تحطني ؟ فقال سعيد و الأمل داخله يتراوح بين قوة و ضعف :

 إن شئت كنت أنا حــــارس بوابة غدك المجهول ، إن وافقـــت قاسمتـــك رحلة المستقبل ، و حملت عنك أعباؤه •• نظر إلى الأم و قال بقوة :

 طلبت منك ريم في الماضي فرفضت ، و طلبت مني عهدا بالإبتعاد عن طريقها •• و اليوم أعود فأطلبها منك مجددا و كلي أمل ، بل رجاء أن تقبلي •• قالت الأم و هي تنهض

مبتسمة :

 أنا موافقة يا سعيد •• تطلعت إليهم ريم ، كان في عيونها استنكار عالي الصوت •• هزت رأسها و ركضت إلى غرفتها ، سحبت الأم ابتسامتها و أكملت :

 إن وافقت هي •• *** خلال اليومين التاليين كان لدى الأسرة الكثير لتفعله ، كانت معهم بعض المدخرات من باقي حساب و مكافأة والــــدهم المتوفى و بعض المال مما

اكتسبته ريم خــــلال فترة عملها و كان لابد أن يفكروا جديا في طريقة لاستثمار المال حتى لا ينضب قبل أن يجد الأبناء عملا ، و اقترح قاسم وضعه في البنك و الصرف

من فوائده الشهرية ، إلا أن هذا الإقتراح لم يلق قبولا بسبب ضآلة المبلغ الذي لن يحقق فائدة معقولة يمكن أن تصرف على متطلبات عائلة يزمع أحد أفرادها السفر قريبا

بكل ما يحتاجه هذا السفر من مصاريف ، و بعد تفكير لم تجدالأسرة بدا منضرورة أن يعمل قاسم خلال الفترة القادمة لتأمين متطلبات سفره و تعمل ريم لتأمين متطلبات

الحياة مع الصرف من المال المتوفر بحرص حتى تؤمن عائدا جديدا يدخل للأسرة، و قال قاسم :

 شهور قليلة فقط نضغط على أنفسنا حتى أضع قدمي على أول الطريق •• و نظر إلى ريم و أكمل :

 هذه الشهور قائمة في كل الأحوال ، إذا بقيت ، أو سافرت •• فقالت ريم و هي تشغل نفسها بشيء أمامها حتى لا تنظر إليه :

 لم نعتمد عليك يوما لننتظر عطاءك القادم بعد شهور •• فقال قاسم بعصبية :

 الصغير يكبر يا ريم •• فقالت و هي تنظر إليه بغضب :

 مهما كبر الصغير ، فإنه لا يكبر على أهله يا قاسم •• فقالت الأم بسرعة :

 كلاكما كبير يا أبناء جهاد ••قال قاسم و هو يجلس بجوارها و يمسك يدها بحرارة :

 أمي ، أنا لســــت عـــــاقا ، لســـت مجرما ، لا يمـــــكن أن أنجــــح في غربتي إذا تـــركتكم و في نفوسكم سخط علي •• ربتت الأم عليه و قالت :

 لا يا قاسم ، مهما غضبنا فلن يكــــون الغضب سخـــــطا ، و لن يكون جمـــــرا يحــرقك في غربتك ، تأكد أننا سندعو لك دومــــا بالتوفيق •• حتى ريم ستــــدعو

لك •• إنها تحبك يا ولد •• ابتسمت ريم و قالت و هي تتقدم نحوه فتقبل رأسه :

 بالطبع أحبك يا ولد •• دقات مرحة على الباب دق لها قلب ريم ، ذهب قاسم ليفتح الباب ، كان سعيد قال و هو يلوح بمجلة في يده :

 وجدتها •• تطلع الجميع إليه فقال على الفور :

 هذه مجلة صباح الخير ، فيها خبر يهم ريم كثيرا •• تلقفت ريم منه المجلة على عجل فلم تنتبه إلى أنها لمست يده فأشعلت في أحاسيسه الرجفة ، كانت المجلة مفتوحة

على الصفحة المعنية ، طالعتها ريم بسرعة و توقفت لدى إعلان صغير تطلب فيه المجلة رسامين مهرة •• قرأت الإعلان بصوت عال فرح و عندما انتهت نظرت إليه بامتنان

و قالت بأمل :

 ليتهم يقبلونيقال سعيد بصوت هاديء حاول أن يخفي فيه الإرتجافة :

 سيقبلوك إن شاء الله ، أنا متأكد•• تمتمت الأم بالدعاء و صاحت ريم :

 سأذهب الآن •• فقال سعيد على الفور :

 و أنا جاهز لاصطحابك •• هم قاسم أن يتكلم فلكزته الأم فسكت ، وقالت :

 و لكن هل ستجدان أحدا هناك ؟ فقالت ريم و هي تقبل أمها بسعادة :

 لابد من وجود أحدهم •• الصحافة ليست دكانا يغلق في الثانية و النصف أبوابه •• نظرت إلى سعيد و قالت :

 سأستعد فورا •• ركضت باتجاه غرفتها فقال سعيد للأم :

 هل نقول مبروك ؟ فقالت الأم و هي تغمز بعيونها :

 أنت و شطارتك •• *** في الطريق إلى المجلة قال سعيد و هو يرنو بعيونه إلي ريم :

 أنت جميلة يا ريم •• أبتسمت و قالت :

 إنها عيونك التي تراني جميلة دوما يا سعيد •• قال لها و هو يخفض صوته :

 ريم •• أنا أحبك جدا •• فقالت و هي تضحك :

 لم تتغير يا سعيد •• صمت و لم يرد فقالت :

 ريم التي أمامك الآن غير ريم التي أحببتها ، لقد تغيرت كثيرا ، أكثر مما تتصور ، لم تعد الحياة بالنسبة لي صفحة وردية ننقش عليها قلوبا و حروفا مرتجفة ، لم

تعد وردة حمراء نضعها في كتاب و نكتب تحتها التاريخ ، صارت هما نتنفسه ، و ضبابا يخفي الملامح و النفوس •• صدقني يا سعيد أنا أتمنى لك من كل قلبي من تستحق حقا

قلبك الكبير ••

 أريدك أنت ••

 صدقني لن أنفعك •• أنا منتهية •• لن أتمكن من إسعادك •• فقال و هو يقبض كفها في كفه :

 سعادتي هي أن أسعدك •• و لا أريد منك المقابل •• خلصت كفها و قالت :

 للحديث بقية •• وصلنا المجلة •• و في المجلة كانت مقبولة قبل أن تثبت جدارتها سألها المسئول :

 أنت ريم الفلسطينية التي عاشت تجربة الرحلات المكوكية في الباخرة ؟ ابتسمت بمرارة و قالت :

 هي أنا

 عرض التلفاز اللوحة التي رسمتها للقبطان ، كانت رائعة ••

 كنت أسلي نفسي

 أعتبري نفسك منا منذ الآن •• *** استطاع قاسم أن يعمل في مجال عمل والده وديا ، و ذلك بعد أن استعان بصديق والده الذي تعاطف معه و قدمه لأحد المقاولين مشفوعا

بتوصية اعتمدت على حسن سيرة المتوفى طيلة عمله معهم ، و قام المقاول بإعطائه عملا مميزا راعى فيه شهادته العلمية ، فكان يشرف علي سير العمل في البناء فيما يشبه

مساعد مهندس تنفيذي ، و لم يكن لدى قاسم الذي حدد لنفسه هدفا و مبلغا محددا يريده مانعا من أن يعمل في أية مهنة في سبيل الحصول على مبتغاه ، خاصة بعد أن وجد

تجاوبا من السفارة الأمريكية التي تابعت موضوعه حين كان على متن الباخرة ، علق قاسم و هو يحكي لأسرته ضاحكا:

 رب ضارة نافعة •• كانت ريم ساهمة فلم تتبين حديثه ، و لما سألها عما بها تنهدت فعلق :

 هل الأمر متعلق بسعيد ؟ هزت ريم رأسها و قالت :

 يبدو أنك لا تقرأ •• فقال قاسم على الفور :

 لست مغيبا على أية حال ، ماذا هناك ؟ قالت ريم :

 منذ عدة أيام و لا حديث للصحافة إلا عن المبعدين على الحدود الليبية ــ المصرية •• قال قاسم :

 آه •• نعم ، قرأت شيئا عن هذا الموضوع •• قالت ريم بغيظ :

 نحن أول من يدفع ثمن القرارات السياسية ، القذافي قال لهم عودوا إلى بلادكم •• لقد صار لكم وطن •• هكذا قال زعماء العالم و على هذا وقع كبيركم ••فقال قاسم:

 معه حق •• لا أستطيع لومه ، إن كنـــا قدمنا كـــــل هذه التنازلات من أجل وطن فلـــماذا لا يحتويهم هذا الوطن ؟ أشاحت ريم بوجهها ، منذ قرر قاسم الهجرة و

هو يحاول تدريجيا التخلص من أية عواطف يمكن أن تعرقل قراره ، ينزع وجدانه نزعا من قلب عائلته ، و بيته ، وبلاده •• يهمش عامدا متعمدا ذاته ، كأنما كل ما يجري

حوله لا يعنيه ، حتى قبول ريم في المجلة ، رغم سرعته ، و مجيئه في وقت حاسم ، لم يعني لديه أكثر من نجاح خطوة أخرى باتجاه هجرته ••

قالت ريم لأمها و هي تطوي معها الملابس :

 أمي ألا تلاحظين تغير أحوال قاسم ؟ فقالت الأم و هي تتشاغل بما في يدها :

 الصغير يكبر يا ريم ••