بعد مخاض عسير كاد يودي بحياة بلوتينا وضعت طفلة جميلة، بدت وكأنها فينوس وقد بعثت للحياة، أحاطها الأبوان بالحب والرعاية، ورفرفت السعادة عليهما وقررا أن يسمياها ايزادورا - أي هبة ايزيس - صارت هذه الطفلة مصدر سعادة لجميع من بالقصر، فبالغوا في الاحتفاء بها واستبشروا بقدومها خيرا، فهي عطية الربة العليا ايزيس.
ولذا نشأت ايزا دورا نشأة مترفة وصالحة في نفس الوقت، وكبرت وأصبحت شابة جميلة تفيض حبا وحنانا على من حولها، وتبدو كحورية رائعة التكوين، بهية الطلعة، رقيقة الشعور، عذبة الحديث.
ذات صباح فوجئ الجنرال كريتياس باستدعائه من قبل الوالي، وأبلغه الرسول أن هناك خبرا سعيدا ينتظره، فسافر إلى مدينة الإسكندرية العاصمة، لمقابلة الوالي الذي رحب به وأبلغه أنه تمت ترقيته من ضابط إلى حاكم إقليم منعت تقديرا لجهوده وبتوصية من الأمبراطور الروماني هادريان، الذي يجله كثيرا منذ أن عرفه أثناء رحلته لمصر. وكان كريتياس مرافقا له بحكم عمله، فأعجب به الأمبراطور كثيرا.
كان فرح الجنرال كريتياس عظيما بهذا المنصب وهذه الثقة التي أولاه إياها الأمبراطور، وبدأ الاستعداد للسفر إلى مدينة انتونيوبولس عاصمة الإقليم حيث يقيم حاكم الإقليم في قصر منيف على شاطئ النيل الخالد.
ودعت ايزادورا صديقاتها على وعد أن تزورهن ويزرنها كلما سنحت الفرصة وتهيأت الظروف.
ارتدت أفخر ملابسها ولم تنس القبعة الجميلة الزينة بالورود والخيوط الحريرية، وكذلك فعلت بلوتينا،
ثم بدأ الركب في التحرك، واجتمع الناس يلوحون لهم بالتحية.
في مقره الفاخر بمدينة انطونيوبولس احتفل الحاكم وأسرته بالمنصب الجديد وأقام وليمة عظيمة دعا إليها وجهاء المدينة وعائلاتهم وكبار الضباط.
كان أكثر الناس فرحا وسرورا بهذه المناسبة هي ايزادورا التي ظلت تحييّ الحضور وتتنقل في قاعة الحفل كالفراشة الجميلة،
أصبحت ايزادورا موضع إعجاب الضيوف، وتحولت الأنظار إليها بجمالها الساحر وذوقها الراقي، ولفتت انتباه الفتيات والسيدات بشكل خاص بردائها البديع وعقد الكهرمان الذي أهدته إليها أمها، وأوصتها أن تحافظ عليه فهو ذكرى من أثينا، وقد اشترته لها خصيصا أثناء زيارتها لليونان من حانوت خاص مشهور ببيع الأشياء الفاخرة للأمراء وأبناء الطبقة الراقية، لذا كانت ايزادورا تعتز به كثيرا وتحرص عليه.
كل من بالحفل يثني ثناء حسنا على ايزادورا ويمتدح جمالها وأدبها ورقتها، ثم يعقب أنها ورثت كل هذه الصفات الجميلة عن أمها، مما يسعد بلوتينا ويجعلها فخورة بابنتها، شديدة الاعتزاز بها.
مما دفعها إلى تعليق التمائم في حجرتها ودسها بين ملابسها خوفا عليها من الحسد، فهذا جعران ملكي، وهذه خرزة زرقاء، وتلك عين حورس، بذلك نصحتها نفرت التي لا تشك في أخلاصها وولائها وحبها لايزادورا.
وقد داومت نفرت على الذهاب لكاهن المعبد لإحضار التمائم والتعويذات التي تطلبها منه لسيدتها لكي تقيها من شرار الإنس والجن.
غير أن ايزادورا الصبية الحالمة لم تكن تدري عن ذلك شيئا، فقد كانت نظرتها للحياة تتسم بالبراءة والطيبة ولا تظن أن أحدا يحقد عليها أو يضمر لها شرا، وحدث أن وجدت بين طيات ملابسها بعض التمائم ففزعت وأسرعت إلى أمها بلوتينا تستفسر عن سر وجود هذه الأشياء الغريبة،
وأجابتها الأم: يا ابنتي إنني أخاف عليك من العيون الحاسدة والنفوس الحاقدة، وأنت وحيدتي الغالية.
ـ ولماذا يا أمي يحسدون ويحقدون ! إنني أحب الخير لجميع الناس.
ـ أنت طيبة وبريئة يا حبيبتي، ولكن ليس كل الناس مثلك، أنت هبة ايزيس وعطيتها وابنتها المباركة يا حبيبة أبيك وأمك.
ـ لكم أحب ايزيس الربة العظيمة، وكم حدثتني نفرت عن معجزاتها، حتى أنني أحلم بها كثيرا.