فصل -12 -

17 0 00

 باتت ايزادورا حبيسة القصر، بأوامر مشددة من والدها لا تستطيع الخروج ولا تكاد تبرح حجرتها الخاصة، وانقطعت الصلة بينها وبين حابي ومربيتها نفرت التي كانت سميرتها وموضع سرها، لذا خيم الحزن على حياتها فشحب لونها واعتلت صحتها.

أشفقت بلوتينا على ابنتها، وحاولت التسرية عنها، وأخبرتها أن العشرات من أبناء الكبراء والنبلاء والحكام يرغبون في الارتباط بها وطلب الزواج منها، فما الداعي للتمسك بحابي والإصرار عليه، ذلك الشاب البسيط الذى لا يليق بمثلها، وكان يجب عليها من البداية أن تدرك الفارق الكبير بينها وبينه وبين أسرتها وأسرته.

لم تستجب ايزادورا لنصيحة الأم، ولم تكف عن ذكر حابي والبكاء على فراقه والخوف عليه من بطش أبيها إذا ما حاول الاقتراب من القصر وهي واثقة أنه سيحاول.  

ظلت بلوتينا تفكر وتبحث عن وسيلة للخروج من هذا المأزق الخطير وتلك الأزمة المقلقة التي أحالت حياة ايزادورا إلى جحيم، وكاد الحزن يودي بها إلى التهلكة، وقد تحدثت مرارا مع زوجها من أجل إنهاء هذا الحصار الصارم على ابنتهما، والسماح لها بالخروج لزيارة صديقاتها أو الذهاب للمعبد أو التنزه في الحدائق مع بعض الجواري، لكن الأب رفض بشدة.         - رغم توسلاتها - زاعما أن حابي قد يحتال لمقابلتها إن هي خرجت من القصر لذا قررت أن تستعين بمستشاره برديكاس، وأرسلت في طلبه - دون علم كريتياس - وظلا يفكران في إيجاد وسيلة لحل تلك المشكلة.

أظهر برديكاس تعاطفا كبيرا مع بلوتينا وشاركها خوفها على ايزادورا، واقترح أن يرسل ابنته ارسنوي لزيارة ايزادورا والحديث معها، ومعرفة ما يدور في ذهنها ومحاولة التخفيف عنها، وخاصة أنها في مثل سنها، علها تفرجّ عنها بعض همومها.

وافقت الأم ورحبت بالاقتراح كخطوة أولى، ورأت في ذلك نوعا من التسرية عن ابنتها وإنقاذا لها من العزلة المفروضة عليها.

تكررت زيارة ارسنوي لايزادورا، والجلوس معها فترات طويلة، والسير معها في ردهات القصر أو الهبوط إلى الحديقة وتناول الطعام في الهواء الطلق بين الأشجار والأزهار، بدأت ايزادورا تتماثل للشفاء وعادت إليها ابتسامتها، بعد أن وجدت صديقة تثق في إخلاصها وتبوح لها بما تعانيه فتستمع إليها وتقدر مشاعرها، وأصبحت ارسنوي هي التسرية والتسلية الوحيدة في حياة ايزادورا، وتعمقت الصداقة بين الفتاتين، وبعد انصراف ارسنوي تعود ايزادورا إلى غرفتها ولا تغادرها حتى تأتي صديقتها في الزيارة التالية.

لاحظت رودجين نزول ايزادورا مع صديقتها إلى حديقة القصر، مخالفة بذلك تعليمات أبيها، فراحت تتلصص عليهما حتى تأكدت من وجودهما معا في الحديقة، وأسرعت لتخبر الحاكم أن مستشاره برديكاس وابنته ارسنوي وزوجه بلوتينا يتآمرون عليه، ويتواطئون ضده ويكسرون أوامره ولا يلتزمون بتعليماته التي أصدرها بشأن ايزادورا، والدليل على هذا هو خروج ابنته مع ارسنوي يوميا بتدبير من الأم والمستشار، ويخفون عليه ما يحدث داخل قصره، مستغلين انشغاله بشئون الإقليم، ثم أضافت قائلة في خبث: من يدري ربما يهيئون لها اللقاءات مع حابي، كما كانت تفعل نفرت من قبل، فلا أحد يعرف إلى أين تذهبان معا بمفردهما ثم تعودان، وكأن شيئا لم يكن.

علق كريتياس بهدوء: اتركي الأمر لي، واذهبي أنت لشئونك، بدأ كريتياس في مراقبة ايزادورا وارسنوي بنفسه فرأى الفتاتان تهبطان إلى الحديقة وتتجولان قليلا ثم تجلسان في أحد المواضع المعدة للجلوس يتحادثان، ظل يتابعهما عن بعد حتى عادتا إلى القصر.

وقف الحاكم وأشار إلى عدد من العمال والحرس، وسألهم عن خروج الفتاتين فأكدوا جميعا له إنهما لم يغادرا حديقة القصر مطلقا، ولم يقتربا من أبواب السور.

عاد إلى زوجه بلوتينا يسألها: كيف سمحت لايزادورا بالنزول إلى الحديقة رغم تحذيره لها بعدم مغادرة القصر؟ ثارت الزوجة في وجهه قائلة: إنها لم تتجاوز حديقة القصر مع صديقتها ابنة مستشارك الأمين وموضع ثقتك

أما ترى أن صحتها بدأت في التحسن، بعد الذبول الذي أصابها ؟

هدأ كريتياس وعلم أنها فرية وأكذوبة من مفتريات وأكاذيب رودجين، الماهرة في اختراع الأكاذيب وتلفيق التهم لمن لا يروق لها، فأمر بإلقائها في السجن جزاء ادعاءاتها الباطلة ومؤامراتها التي لا تتوقف، والتي دائما ما تسبب له المشاكل وتجلب عليه المتاعب، وتوقع بينه وبين أعز الناس وأقربهم إليه.

دخلت رودجين محبسها بجوار نفرت، التي عنفتها على سوء سلوكها وخبث طباعها قائلة: أنت الآن تذوقين من نفس الكأس التي سقيتني منها ظلما وعدوانا، فجاء الجزاء من جنس العمل، غدا سوف تظهر الحقيقة وتعلن براءتي وأستعيد حريتي، وتبقين أنت هنا أيتها الحاقدة الشريرة.

صمتت رودجين ولم تنطق بكلمة واحدة، ولم تجد ما تدافع به عن نفسها بعدما انكشف كذبها وافترائها وأصبح كل من بالقصر يلعنها ويقارن بينها وبين نفرت الطيبة الوفية، حتى بلوتبنا التي اعتادت حمايتها من غضب كريتياس لم تستطع هذه المرة أن تجد لها عذرا وتخلت عنها، خصوصا بعد ما اتهمها زوجها بأنها هي التي أطمعت هذه الجارية بكثرة مساندتها لها والدفاع عنها مما أوصلها إلى اختراع الأكاذيب والتجني على الآخرين وتسببت في إيذاء الكثير من زملائها حقدا وحسدا ليس إلاّ، بدافع من نفسها الشريرة وهوايتها في تدبير المكائد.