علم حابي بموت حبيبته غرقا في النيل أثناء عودتها بعد لقائهما الأخير، فحضر إلى المقبرة باكيا ملتاعا منتحبا وظل مقيما إلى جوارها عدة أيام، لا ينام ولا يأكل ولا يشرب، بل جلس منزويا في أحد الأركان وعيناه على تابوت ايزادورا والدموع تسح منهما بغزارة، إلى أن نهره الحراس وقاموا بإخراجه وإبعاده عنوة، فما كان منه إلاّ أن حضر في اليوم التالي وفي يده شعلة وضعها في المسرجة الموجودة في كوة داخل أحد جدران المقبرة كي تنير لها بيتها الأبدي طوال الليل وتؤنس وحشتها.
اعتاد حابي أن يأتي كل يوم إلى المقبرة قبيل الغروب فيشعل المسرجة ويجلس بجوار السرير الجنائزي حيث ترقد حبيبته يناجيها وينشدها أشعاره الممزوجة بالدموع والأسى.
أيتها الجميلة النبيلة النائمة في حضن ايزيس
أيتها الطاهرة الوديعة كالملاك الحنون
يا من أدميت الفؤاد الذي احبك برحيلك
لن أنساك حتى نلتقي وتتعانق روحانا
ثم ينصرف على أن يعود في اليوم التالي قاطعا مسافة طويلة ومسيرة شاقة سيرا على قدميه كي يشعل المسرجة التي تنير المقبرة.
ظل حابي وفيا لحبه طوال حياته، مبقيا على ذكرى ايزادورا الحبيبة التي فقدها، ففقد كل سعادة وطمأنينة وحنان وكل شيء جميل كان يحلم به في مستقبل حياته ’
لم يعد يعنيه من أمر الدنيا شيئا، ولم يعد في حياته ما يشغله سوى هذه السويعات التي يقضيها بجوار حبيبته التي تنام في رحاب الأبدية، لكنه يشعر أن روحها تحس به وتأنس لوجوده لذا لم يتخلف عن الحضور وإضاءة المقبرة تخليدا لهذا الحب النبيل حتى وفاته.
وتحولت قصته مع ايزادورا إلى أسطورة حب خالدة يحفظها التاريخ ويرددها العالم، بعد أن كانت حديث مدينة انطونيو بولس.
( تمت بحمد الله )