فصل -10 -

17 0 00

تكررت اللقاءات بين حابي وايزادورا، وأصبح النيل وشاطئيه مسرح حبهما، ومكانهما المفضل، وتسترت نفرت على هذا الحب وتلك اللقاءات حبا في ايزادورا وتعاطفا مع حابي، الذي أصبح بطلا في نظر الشعب بعد أن تمكن من إخماد الفتنة وتحقيق مطالب الثوار وانحيازه لأبناء وطنه.

ثلاث سنوات مضت هي أجمل ما في حياة حابي وايزادورا جمعت كل ما في عمريهما من سعادة، فبعد عدة مقابلات في القارب، تعلمت إيزا دورا كيف تقود القارب بمفردها وأن تتقن التجديف، بفضل تدريبات حابي وحسن إرشاده، وأيضا بفضل ذكاء ايزادورا ورغبتها في التعلم، وأصبح بإمكانها أن تبحر بالقارب إلى الضفة الأخرى للنهر دون مساعدة، غير أن حابي كان يجلس إلى جوارها ويوجهها وهما يتبادلان الحديث حتى يصلا إلى الشاطئ الآخر ثم يعودان، وأحيانا يجلسان في موضع ما فينشد حابي أشعاره في وصف حبيبته مترنما بصوته العذب:

حسناء ُحالمة ٌهفهافة الشَعرِ

هيفاءُ فـارعةٌ فتّانةُ الـثغرِ      

والنجم ُ يرقبها في ثوبها الزهري

يصغي إذا هزجت أنشودة البدر ِ

من صوتها نسجت، أقصوصة تسري

والموج ُيعـزفها ضوّاعة العطرِ

يصمت حابي قليلا وينظر إلى ايزادورا متسائلا بصوت مغلف بالحزن: أخشى أن يعرف أباك بحبنا ولقاءاتنا فيقضي علينا، لن يقبل أن ترتبط ابنته بشاب من عامة الشعب، فقد عرف عنه اعتزازه الشديد بأصوله الإغريقية وعائلته الحاكمة، لكم أتمني أن يرضى بي زوجا لابنته، وأعيش على هذا

الحلم وذاك الأمل عسى أن يتحقق في يوم ما، ولكن يبدو لي أنه مستحيل. آآه.. يا حبيبتي لو تعرفين كم أخشى الفراق والبعاد.  

ـ لا تخف يا حابي، سوف أستعين بأمي ومربيتي في إقناع أبي بالموافقة على زواجنا، لا تنسى أنه يثق بك كثيرا وإلاّ ما أوكل إليك أمر حراستي وحمايتي دون جميع الحرس، وهذا ما سهل علينا اللقاء والانفراد، كما أن مربيتي نفرت تعاملنا كأبنائها، وتخاطر بحياتها من أجل سعادتنا، إنها كاتمة أسرارنا، أنت لا تعرف ماذا يمكن أن يحدث لها لو أن والدي اكتشف مخالفتها لتعليماته المشددة بشأني.

ـ وإلى أن يقتنع أبوك الحاكم بأمر زواجنا، ماذا ستفعلين يا حبيبتي ؟

ـ سأكتب أسمكَ بين جفوني 

وأعمـد ُ ألاّ يراه ّأحـد ْ

وأنقش رسمكَ بين ضلوعي

وأخفيه عن هاويات الحسدْ

فشوقي يعانق روح الوجودِ

وفوق التراب وفوق الجسدْ 

يبتسم حابي ويقبل يدها قائلا: ها قد أصبحت شاعرة يا حبة الفؤاد لقد أسرني حسنك الفائق والآن يأسرني صوتك الساحر وحلو حديثك،

 تصغي نفرت إلى أحاديث الحبيبين في سعادة بالغة وكأنها تعيش معهما قصة حب رائعة طالما حلمت بها منذ أن كانت صبية صغيرة.

نظرات الشوق والإعجاب إشارات تسبق الكلمات قبل أن ينطق بها حابي ويصف ايزا دورا بالملاك الحنون الذي ألهمه الشعر.

ملاك ٌحنون ٌ، بديعُ الكيان ِ

صرفتُ إليكِ، جميعَ الأماني

فحين أراكِ تزول شجوني 

تهونُ أمامي صروف الزمانِ

فمن راحتيكِ يضوع ُ العبيرُ

وفي ناظريكِ بليغُ المعاني

تمد ايزادورا يديها لحابي وتهتف بانفعال، ها أنت من علمني الشعر    

تعال نغنّي فتحلو الحياة ُ

نحاكي ربيعا خصيبَ المغاني

نناجي نسيما يرف عـلينا 

ويزكي شذاه ُ ربوع َالمكانِ

نراقب شمسا فترنو إلينا

وتهدي شعاعا يزف التهاني

حابي - ( مقبّلا يديها )

نعيش هوانا وكل صبانا

تحيط اللحونُ بنا والأغاني

تعالِ نعانقُ زهرَ الروابي

فعمر الزهورِ قصير الثواني

وهذا الربيعُ البديعُ تجلّي

إلام البعاد ُ!! إلام التواني !!

يصمت حابي ثم يقف ويمسك بيد ايزادورا ويعودان إلي القارب ويبحران للجانب الآخر، وعندما يرسو القارب على الشاطئ تنضم إليهم نفرت، ويعود حابي إلى بلدته وتصحب نفرت ايزادورا إلى القصر.

صارت نفرت تحفظ أشعار حابي وتستعيدها كلما خلت بنفسها، وكأنها صاحبة قصة هذا الحب الأسطوري الفريد الذي ملأ كيان حابي وايزادورا منذ أن رأى كل منهم صاحبه، يا لها من فتاة رقيقة يانعة كأزهار الربيع، ويا له من شاب حالم وشاعر رقيق، إن كلاهما يليق بالآخر، ولكن من يدري ماذا تخبئ لهما الأيام والليالي !!