فصل -2 -

19 0 00

جربت بلوتينا كل ما أعده الأطباء من أدوية وكل ما نصح به العرافون من وصفات، فهي تدرك مدى حزن زوجها لعدم الإنجاب وتعلم مدى شوقه للأطفال، وقد مضت سنوات على زواجهما دون أن يرزقا بطفل، لذا خيم الحزن والقلق على حياتهما.

في أحد الأيام جلست واجمة حزينة وقد بدا عليها اليأس، وحولها بعض الجواري، فتقدمت منها جاريتها المصرية المخلصة نفرت وأرادت أن تخفف عنها ما بها من همّ قائلة: سيدتي أنا أعرف سبب حزنك فاسمحي لي أن أشور عليك باللجوء إلى ربة الربات ايزيس، وأنصحك بأن تزوري معبدها وتطلبين منها أن تهب لك طفلا جميلا تسعدين به أنتِ وزوجك

أصغت بلوتينا لحديث نفرت باهتمام بالغ، وأخذته مأخذ الجد وكأ نها وجدت فيه طوق النجاة، وقررت إبلاغ زوجها بما عزمت عليه حين حضوره .

 بعد سويعات قليلة أقبل كريتياس فاستقبلته بوجه تغطي قسماته بوادر الأمل، وقصت عليه نصيحة جاريتها المقربة نفرت، نظر إليها متعجبا وأخبرها أن مستشاره برديكاس نصحه بنفس النصيحة ثم علق قائلا: يا محاسن الصدف، كيف نتلقى نصيحة واحدة في نفس الوقت ! فتجبه بلوتينا وقد غمرها أحساس بالرضا والأمل لا بد أنها بركات ايزيس، ليتنا يا زوجي العزيز نذهب إلى معبدها صباحا ونكثر من الدعاء، علها ترفق بحالنا وتستجيب لدعائنا، فقد عرفت من نفرت مدى قوة ايزيس وعظمتها وبهائها إنها ( أم الطبيعة ومنشأها وسيدة جميع العناصر، ومنشأ الزمن وأصله والربة العليا ) وتقول: أيضا أن قوتها السحرية لا تبارى ولا تجارى ولا سيما في العناية بالأطفال.

يصغي كريتياس إلى حديث بلوتينا ويضيف معقبا: أعرف أنها أشهر الربات وأقدرهن وأن سلطانها على مريديها قد تعدى حدود مصر إلى 

 

بلدان كثيرة مثل روما وأثيوبيا واليونان، ولذا أرجو أن تعدي نفسك للذهاب غدا إلى معبد الربة ايزيس .

تجدد الأمل الذي خبا في نفس الضابط وزوجته فقضيا الليل والأحلام تساورهما بتحقيق تلك الأمنية الغالية، ثم يعاودهما الشك واليأس والخوف من المستقبل الغامض، فالأيام لا تعطي للمرء كل ما يتمناه.

ـ آآه يا بلوتينا لو تحقق هذا الحلم البديع وأصير أبا بعد أن فقدت الأمل في الإنجاب أو كدت أن أفقده،  

ـ وأنا لكم أتوق لآن أصبح أمّا، إنه حلم حياتي، وهو حلم كل امرأة في الوجود، لقد مرت سنوات منذ زواجنا، وكلما تمر الأيام ازداد خوفا وقلقا ويتملكني اليأس، ثم يصحو الأمل في داخلي وأشعر أن انتظاري لن يطول وأن الحلم سوف يتحقق قبل فوات الأوان.

مع اشراقة يوم جديد نهضت بلوتينا مبكرا، وارتدت ملابسها الرسمية التي اعتادت أن تظهر بها في المناسبات العامة، وأيقظت زوجها، وأمرت الجواري بتجهيز الهدايا التي ستحمل إلى المعبد وتقدم قربانا للربة ايزيس.

أمر الجنرال كريتياس بعض العبيد بإحضار العربة التي تقله مع زوجته وبعض الحرس واتجه الركب صوب المعبد.

أمام تمثال ايزيس وقف الزوجان خلف الكاهن الأكبر في خشوع ووقار يؤدون طقوس العبادة، بعدها تفرغا للدعاء والمناجاة بصوت خافت.

ايزيس ياربة الوفاء والنبل والعطاء

أيتها الكاهنة العظيمة  

والطبيبة الحكيمة

والساحرة العليمة

أيتها المعبودة المقدسة

المعطاءة الخالدة

هبي لنا عطية من عطاياك

وهبة من هباتك

امنحينا ابنا أو ابنة

حققي لنا تلك الأمنية 

ياربة الربات وسيدة الآلهة 

كانت دعوات الزوجين تصدر عن قلب مفعم بالرجاء، بعد ذلك خرجا من المعبد وركبا العربة وعادا إلى قصرهما وهما يشعران بالسرور والبهجة.

شهور قليلة مرت، وشعرت بلوتينا بأعراض الحمل، وأكد الأطباء أنها ستصبح أما بعد شهور معدودة.

كادت بلوتينا وزجها يطيران فرحا وأغدق الجنرال كريتياس بالمنح والهدايا والحلوى على العاملين بالقصر، ابتهاجا بالمولود القادم دون أن يعرف إن كان ولدا أو بنتا، هذا لا يهم، المهم أنه سينجب طفلا ويتحقق حلمه بعد طول انتظار، وبعد يأس وقنوط، قريبا سوف يصير أبا، يا لها من أمنية غالية عزيزة الإدراك، شكرا يا ايزيس لقد جعلت المستحيل ممكنا.