فصل -13 -

18 0 00

ذات مساء وقفت ايزادورا في شرفتها المطلة على حديقة القصر الخلفية، بعد أن خاصم النوم عينيها الجميلتين وأرقها الفكر وبعاد الحبيب.

كانت الليلة مقمرة والبدر يتجلى في كبد السماء مرسلا أشعته الفضية الحالمة على القصر والحديقة، فبدت الأشجار تتمايل وتتراقص أغصانها مع هبات النسيم الناعمة في هدوء الليل، تذكرت ايزادورا لقاءاتها مع حابي في ضوء القمر وتحت ظلال أشجار الكروم، تحيط بهما أزهار اللوتس، أخزت نفسا عميقا ورنت إلى القمر الحالم، توهج الشوق في قلبها وتساقطت الدموع من عينيها، لمحت على البعد شخصا يقفز من فوق السور ويتخفى بين الأشجار، حتى صار أسفل الشرفة.

لا تدري لماذا لم تفزع من رؤيته، وظل قلبها مطمئنا وكأنها تعرفه، دققت النظر وعرفت أنه حابي، كاد قلبها يقفز من بين ضلوعها، فرحا برؤيته وشوقا إليه ثم خوفا عليه من رؤية حرس القصر له فيردونه قتيلا، أو يمسكون به ويخبرون والدها بحضوره فيفتك به، أصبحت مشاعرها متضاربة بين الفرح به والخوف عليه.

حاول حابي التسلق علي الأشجار والأغصان كي يصل إليها، لكنها.. خاطبته راجيه ألاّ يفعل حتى لا يسقط، ونصحته بمغادرة المكان سريعا والعودة من حيث جاء قبل أن يكتشف أمره فيتعرض للأذى،

لكن حابي المغامر رفض الانصراف وظل واقفا أسفل شرفة الحبيبة، يناجيها بأجمل عبارات الحب، ويبثها حنينه ولواعج قلبه، مصورا عذابه في بعدها:

( لقد مرت أيام كثيرة لم أرى فيها المحبوبة 

وقد هجم عليّ المرض،

وأصبحت كل أعضائي ثقيلة.

وأنيّ مهمل جسمي.

فإذا ما حضر إليّ الأطباء،

فإن قلبي لا يرتاح لعلاجهم،

أمّا السحرة فليس لديهم حيلة،

لأن دائي خفيّ )

رغم سعادة ايزادورا برؤية حابي، وكأنه بحضوره قد أعاد لها الأمل في الحياة، إلاّ أنها ألحت عليه بشدة أن ينصرف قبل اكتشاف مجيئه، فما كان منه أمام إصرارها وإلحاحها ألاّ أن ينصرف، على وعد أن يعود إليها كلما لاحت له فرصة تمكنه من الحضور.

تكرر مجيء حابي ليلا متسللا ومتخفيا والوقوف أسفل شرفة ايزادورا، ليلقي نظرة على محبوبته بعد أن حرم لقائها، وفي كل مرة كانت ايزادورا تنصحه بعدم تكرار الزيارة خوفا عليه، وتحذره إن رآه أحد سوف يهدر دمه، لكن حابي كان بارعا في التخفي، ولم يكن يبالي بما يمكن أن يحدث له، فكل ما يطلبه في الحياة أن ينعم برؤية حبيبة فؤاده ومليكة روحه.

أمست الشرفة الخلفية المطلة على الحديقة هي أغلي الأماكن وأعزها عند ايزادورا فحين ينام الجميع تسهر هي في انتظار مجيء حابي، لا يعرف النوم طريقه إلى جفنيها، إنها على موعد مع فارسها وأمير أحلامها الذي يأتي من مكان بعيد مخاطرا بنفسه في سبيل أن يفوز بنظرة من منها ويملأ عينيه من جمالها الفاتن الباهر، ويمتع أذنيه بصوتها الدافئ الناعم، ويستنشق عطرها البديع الحالم الذي يملأ حواسه ويؤجج أشواقه إليها.

هذا كل ما يحلم أن يناله من وقوفه تحت شرفتها.