فصل 14

20 0 00

في يوم السابق للمعركة، ذهبت الي ذلك القصير حيث استلمت منه القنابل و نقدته باقي المبلغ الذي اتفقنا عليه، ثم ذهبت الي بيت أكرم. ضغطت زر الجرس ففتح لي أكرم الباب.

-"مرحباً بك يا خالد. تفضل بالدخول".

 

دلفت الي منزله، و بعد أن جلست، قال أكرم:

 

-"لحظة واحدة سأذهب ل.... "

-"لا داعي لأي شيء تنوي أن تقدمه، فأنا سأنصرف في خلال لحظات. فقط أريد أن أطلب منك شيئاً".

 

جلس دون أدني اعتراض. قلت له و أنا أحاول أن أتجاهل نظرات الشفقة التي بدت على وجهه:

 

-"هذا مفتاح إحدى سياراتي و هذا مفتاح المرآب. أنت أخبرتني أنك تجيد قيادة السيارات من قبل اليس كذلك؟"

-"بلي".

-"عظيم. أريدك أن تأتي الي الفيلا غداً في الصباح و تستقل السيارة و تنتظرني فيها أمام البوابة الرئيسية لشركة الألعاب في تمام الساعة العاشرة و الربع. أنت تعلم أين تقع شركة الألعاب، اليس كذلك"؟

-"بلي ولكن لماذا"؟

-"لكي تنقلني أنا و سارة– إن نجحت في تحريرها- بعد انتهاء المعركة لأني لا أضمن أن أكون في حالة تسمح لي بقيادة السيارة".

 

بدت على وجهه علامات الانزعاج.

 

-"هل يمكنني أن أعتمد على ك في هذا"؟

-"بالتأكيد".

-"حسناً. سأنصرف الآن. وداعاً".

 

قلتها و قمت لكي أنصرف. قال أكرم في تأثر:

 

-"خالد. أنا.... ".

 

ثم انفجر في البكاء و احتضنني بشدة. ربت على كتفه و لم أقل شيئاً. لا يوجد ما يمكن أن يقال في مثل هذا الموقف.

 

في اليوم التالي استيقظت مبكراً، صليت ثم إرتديت ثوباً رمادي اللون و إرتديت تحته السترة المضادة للرصاصات. قمت بتثبيت خنجر صغير في جراب صغير حول ساقي اليسرى، و ثبت مسدساً في جراب آخر حول ساقي اليمني. ركبت سيارتي و انطلقت بها. لم أذهب بها الي مبني الألعاب مباشرة، بل ذهبت تلك الشقة التي استأجرتها و التي تطل على مبني الألعاب.

أخذت البندقية من حقيبة السيارة، و أخذت منظاراً مقرباً، و صعدت الي الشقة. لحسن الحظ لم أقابل أحداً من سكان المبني في طريقي الي الشقة. الساعة الآن الثامنة صباحاً. هذا يعني أن أمامي ساعتين قبل أن يبدأ القتال.

أخذت أراقب الاستعدادات التي كانت تجري في المكان باستخدام المنظار المقرب. بالطبع في هذا اليوم تم إخلاء المبني من العاملين جميعاً. فقط المشاهدين، اللاعبين، و رفاييل و مساعديه. لاحظت أن المشاهدين قد بدأوا بالفعل في التوافد الي المبني بأعداد كبيرة على الرغم من أن الوقت ما زال مبكراً. بالطبع كانت تلك تعلى مات لهم، لكي يمكن أخذ كل مشاهد الي كرسيه و لكي يتفرغوا لاستعدادات القتال.

الصفة المشتركة بين كل هؤلاء المشاهدين هو أنهم يثيرون في النفس شعوراً بعدم الارتياح. بالطبع هم أثرياء، يمكن ملاحظة هذا من ثيابهم- و التي لم تكن كلها جيدة الذوق ولكنها غالية الثمن- و من السيارات التي جاءوا بها، و لكن بالإضافة الي ثرائهم، هم يتعاملون مع الأمر بحماس ممزوج بشيء من التوتر. الأمر بالنسبة لهم ليست مجرد معركة عادية، بل هي شيء يتحدد على أساسه شيء مصيري بالنسبة لهم.

 

حين تخسر أنت هذه المعركة – وهذا ما سيحدث لا محالة- فإن كل منهم سيشعر بأنه راهن على فشلك، و قد فشلت بالفعل. أي رهان – مهما كانت قيمته- يثير في النفس الخوف و التوتر و الترقب. عندما تنهزم أنت يزول هذا التوتر و يحل محله شعور بالقوة و الانتصار، و هذا الانتصار سيكون مقرونا بهزيمتك. هذا سيشعرهم أنهم هم الذين فازوا على ك

 

بعد ما يقرب من النصف ساعة كان جميع المشاهدين قد دخلوا المبني و بدأت الاستعدادات النهائية للقتال. جاء رفاييل و معه وائل الحديدي، و دلفوا مباشرة الي المبني، ثم جاء أيمن مختار في تمام الساعة التاسعة. أخذ أيمن يعطي تعلى ماته للمقاتلين في الساحة المواجهة لمدخل المبني. أحصيت عددهم فوجدتهم خمسة و عشرين مقاتلا، يحمل كل منهم مدفعاً رشاشاً و حزاماً في مسدسهً. تفقدت وجوههم بالمنظار المقرب. علامات الإنصات و التركيز الشديد تبدو واضحة على وجوههم. هم يثقون بأيمن الي أقصي درجة. توقعت هذا. هم على وشك مواجهة خالد حسني، الملك الغير متوج لعالم ألعاب الوقع. على الرغم من كثرة عددهم إلا أن سمعتي و شهرتي تثير في نفوسهم قدراً لا بأس به من الرهبة. كل منهم يفكر في أنه سيواجه خالد حسني. هو لا يهتم بأن يقتل خالد حسني قدر اهتمامه بأن لا يقتله خالد حسني. لن يكسب أحدهم شيئاً إن قتلته أنا ثم هزمني باقي الفريق.

أيمن يمثل لهم درعاً نفسياً لا بأس به. إن كان خالد حسني شهيراً معروفا بمهارتهً، فلدينا من يقاربه شهرة و مهارة. هذا يعطيهم قدر لا بأس به من الثقة. لا شك أن رفاييل يعلم هذا و لهذا اختار أيمن مختار بالذات ليقودهم. هذه إحدى النقاط التي أخطط لأن أستغلها.

مشكلة الاعتماد الشديد على شخص واحد هي أن فقدانه يمثل خسارة كبيرة للفريق. أيمن لا يستخدم مساعد له في هذه المعركة لحسن الحظ. هو يدلي بتعليماته للمقاتلين و كلهم يصغون اليه دون أدني سؤال أو اعتراض. هذا يعني أن كل منهم قد توقف عن استخدام عقله و اكتفي بعقل أيمن. هذا يعني أنه إن أمكن إزالة أيمن فإن هذا يعني قتال مجموعة من الناس المهشمة نفسياً و عقلياً.

المشكلة هي كيف يمكن الوصول الي أيمن؟ أيمن ليس أبلهاً، بالتأكيد هو يعلم أهميته في مثل هذه المعركة، و بالتالي فلن أجده واقفا على بوابة المبني حين أدخله، فأطلق عليه بعض الرصاصات و ينتهي الأمر. بالتأكيد سيبتعد عن أماكن القتال المباشر، غالباً سيقود المعركة من إحدى الغرف التي لا حصر لها في المبني، و سيتابع القتال من خلال نظام الكاميرات الذي تم تركيبه في المبني في الأيام السابقة من أجل بث المعركة للمشاهدين في الطابقين العلويين، وعلى الهواء.

 

بعد أن أعطي أيمن تعلى ماته لهم قام أحدهم بتوزيع أدوات اتصال عليهم قاموا بتثبيتها خلف رؤوسهم. كانت أداة الاتصال عبارة عن جهاز لاسلكي صغير تخرج منه سماعة توضع في الأذن، ويتصل بها ميكروفون صغير يثبت أمام فم كل منهم. هذه إذاً هي الوسيلة التي ينوي أيمن أن يستخدمها لينقل لهم تعلى ماته.

بعد أن تأكدوا من سلامة أجهزة الاتصال بدأوا جميعاً في الانتشار في المبني، و انتشر بعضهم في الساحات و الحدائق المحيطة بالمبني، و بعد لحظات شاهدت أيمن واقفاً أمام إحدى النوافذ في الطابع السابع التي تطل على البوابة الرئيسية للمبني. هذا ما كنت أتمناه، أن يراقب البوابة الرئيسية منتظراً لحظة مجيئي أمام النافذة.

تفقدت باقي نوافذ المبني بالمنظار، فوجدت إثنين من المقاتلين كل منهم يقف أمام إحدى نوافذ المبني و كل منهم ينظر الي البوابة في ترقب. أحدهم كان في الطابق الخامس و الآخر كان في الطابق الرابع.

 

أخذت أراقب المبني حتى جاءت الساعة العاشرة تماماً. المفروض أن المعركة بدأت الآن.

وضعت المنظار المقرب جانباً و أمسكت بالبندقية و ركبت بها كاتم الصوت ثم وضعتها على كتفي. نظرت من خلال منظار البندقية فوجدت أيمن مازال واقفاً أمام النافذة دون حراك. لم يكن هناك أحد معه في الغرفة. قمت بتسديد البندقية بحيث صارت نقطة تقاطع الخطين الأحمرين في منظار البندقية على عنق أيمن. المسافة بعيدة لذا لابد من وضع هذه النقطة في الاعتبار عند تقدير نسبة الخطأ التي ستنتج عن ارتداد البندقية، خاصة أن قوة ارتداد هذه البندقية أكبر من سواها من البنادق ذات التصميم الجيد. و بهدوء شديد ضغطت الزناد.

أصابت الرصاصة أيمن في منتصف جبهته تماماً. لقد فقد الفريق نصف قوته تقريباً. القتال سيكون أشبه بقتال عصابات الشوارع بدلاً من أن يكون قتال خبراء معارك. على أن أتحرك بسرعة قبل أن يكتشف أحدهم مقتل أيمن. دون أن أنتظر وجهت البندقية الي اللاعب الواقف أمام النافذة التي في الطابق الخامس. قتلته سريعاً هو الآخر ثم قتلت اللاعب الواقف أمام النافذة التي في الطابق الرابع.

 

وجهت البندقية الي الحديقة بهدف اصطياد أحد اللاعبين المنتشرين بها، إلا أني لاحظت أن حالة من التخبط و الذعر بدأت في الانتشار بين اللاعبين المنتشرين في الحديقة، و بدأوا جميعاً في التحرك في توتر باتجاه مبني الألعاب. كيف استطاعوا أن يعرفوا بالأمر؟ آه إنه رفاييل. لم أضع هذا في اعتباري. لابد أن إحدى الغرف التي قتل بها أيمن أو أحد اللاعبين بها كاميرا نقلت الأمر الي رفاييل. لابد أنه يستطيع الاتصال باللاعبين بشكل ما.

حاولت اصطياد أحد اللاعبين إلا أن الرصاصة لم تصب رأسه بسبب حركته، بل أصابت كتفه من الخلف. سقط أرضاً و صرخ ثم قام واقفاً و أخذ يعدو بقدر المستطاع باتجاه المبني. عندها تحولت الحركة المتوترة بين اللاعبين الي عدو صريح باتجاه المبني.

بدأت تحركي في الحال، فالوقت له أهمية قصوى هنا. ألقيت البندقية جانباً، فلم يعد لها نفع الآن. كل ما كنت آمله هو أن أقتل أيمن بها فإذا بي أقتله و أقتل لاعبين آخرين و أصيب لاعب ثالث.

نزلت السلالم بسرعة و أنا أفكر. تبقي الآن واحد وعشرون مقاتلاً. لا بأس بسير المعركة حتى الآن. بالإضافة الي الذعر و التخبط الذي سببه اكتشاف مقتل أيمن، فإني أحدثت لديهم ذعراً باستخدامي لسلاح لم يتوقعوه. الآن هم يمضغون أعصابهم بكل ما في الكلمة من معني.

ركبت سيارتي و انطلقت بها مسرعاً. بالإضافة الي الذعر و التوتر الذي أصاب اللاعبين، فلقد ابتعدوا عن الحديقة و النوافذ. لا أريد أن أدخل من البوابة الرئيسية لأجد ما يزيد عن العشر مقاتلين، كل منهم قد اتخذ موقعا متميزاً ووجه سلاحه الي الجهة التي يتوقع مجيئي منها. الآن كل منهم يتخذ وضعاً عشوائياً داخل المبني دون أدني تخطيط أو تنظيم.

توجهت بالسيارة الي الجانب الشرقي من السور. على الرغم من أنهم جميعاً تركوا الحديقة و النوافذ، إلا أني لا اريد أن أخاطر بالدخول من البوابة الرئيسية حيث يتوقع الجميع.

نزلت من السيارة و أخرجت من الحقيبة الخلفية المدفع الرشاش الذي قمت بحشوه بالرصاصات و القنابل و ركبت كاتم الصوت له. علقته على كتفي ووضعت حول جسدي حزام به الرصاصات والقنابل. بالمدفع الرشاش و حزام الرصاصات و الخنجر حول ساقي اليسرى و المسدس حول ساقي اليمني، لابد مظهري يبدو مثل أبطال أفلام الحركة أو.... يبدو مثل نجوم ألعاب الواقع.

 

أخرجت من حقيبة السيارة حبلاً به عقد على امتداده، و في أخره خطاف. ألقيت الحبل على السور و جذبته لأتأكد أنه قد ثبت جيداً في مكانه، ثم استخدمته لأتجاوز السور الذي كان ارتفاعه لا يزيد عن أربعة أمتار لحسن الحظ. الآن انا في الحديقة المحيطة بالمبني. على الآن أن أعرف في أي مكان بالمبني توجد سارة. نظرت الي ساعتي فوجدت الساعة الآن العاشرة و خمس دقائق. لا بأس، مازال أمامي بعض الوقت. أمسكت بالمنظار المقرب و تفحصت المكان. لا توجد كاميرات مراقبة. المفترض طبقاً لقوانين الألعاب أن هذه الكاميرات تستخدم فقط لنقل المعركة للجمهور دون أن يتدخل المخرج لصالح أي من الاعبين، ولكن لا يمكن الاعتماد على هذه النقطة. بالتأكيد رفاييل سيخبر المقاتلين بمكاني. الغش هو اسم اللعبة اليوم.

 

 

-"لابد من أن تخسر هذه المعركة مهما كان الثمن ومهما كانت المخاطرة. لو كنت أستطيع أنا أن أقاتلك لاشتركت بنفسي في القتال"

 

 

انبطحت ارضاً و اقتربت زاحفاً من المبني. توجد بوابة في الجانب الشرقي من المبني تقود الي الردهة الرئيسية الموجودة في الطابق الأرضي. يمكنني أن أري خمسة من اللاعبين و قد تجمعوا في وسط الردهة. بالتأكيد هم يحاولون الابتعاد عن النوافذ قدر الإمكان.

هنا لاحظت خطئاً لا بأس به. كانوا جميعاً ينظرون عبر الباب الشمالي للمبني، والذي يواجه البوابة الرئيسية. بالطبع أي طفل يتابع أفلام الحركة يعلم أن المقاتلين يتجمعون في دائرة دوماً و قد ألصق كل منهم ظهره بالآخر لتغطية جميع الجبهات، و لكن الذعر بلغ بهم مبلغاً كبيراً لم أتوقعه. الآن هم يتصرفون بالغرائز فقط دون أدني استخدام للعقل. الآن يمكنني أن أرفع قامتي قليلاً من الأرض و أستخدم أسلحتي بحرية أكبر.

أحكمت تصويب قاذف القنابل الملحق بالمدفع الرشاش ثم جذبت زناد الإطلاق. هبطت القنبلة امامهم تماماً و انفجرت. كان الانفجاري صغيراً طبعاً، في النهاية هي مجرد قنبلة صغيرة، إلا أن تجمعهم في مكان واحد سمح لي بإصابتهم جميعاً بقنبلة واحدة. لا أعلم إن كان الانفجاري قد قتلهم أم أنه أصابهم فقط. لا يهمني إن قتلهم الانفجاري أو لم يقتلهم، فقط أريد أن أبعدهم عن طريقي، أن أجعلهم غير قادرين على القتال. في عالم القتال تستخدم كلمة لوصف هذا الغرض هي (تحييد العدوEnemy Neutralizing). تبقي الآن ستة عشر مقاتلاً.

بعد أن انقشع الدخان الناجم عن الانفجار دخلت الي الردهة الرئيسية في حذر. كان المقاتلين الخمسة منطرحين أرضاً دون حراك. درت بعيني في المكان فرأيت ثلاث كاميرات إحداها كانت قريبة من مكان الانفجار فتحطمت. أري رفاييل بعين الخيال يخبر المقاتلين أن خالد حسني يحمل أيضاً قاذف قنابل. لابد أنهم على وشك الإصابة بانهيار عصبي بعد هذا ال....

سمعت صوت خطوات يأتي من أحد الممرات التي تقود الي الردهة. اختبأت بجوار الممر. بعد ثوان رأيت أحد اللاعبين و قد اندفع خارجاً من الممر. لابد أن صوت الانفجار أطار صوابه، فهم لم يتوقعوا أن يصل الأمر الي استخدام القنابل. لم ينتبه الي وجودي.

باغته من الخلف و أسقطته أرضاً ثم ركلت المدفع من يده فطار بعيداً، ثم صوبت اليه مدفعي الرشاش. نظر الي في توتر و هو ساقط على الأرض. لا تخف يا هذا، أنا أريدك حيا.

 

-"أين الفتاة. حاول أن تجعل الموضوع سهلاً بالنسبة لنفسك بدلاً من أن يكون هناك الكثير من الألم".

 

لم ينطق و ظل على صمته. لا بأس. حولت المدفع الرشاش الي نظام الإطلاق الذي يطلق الرصاصات منفردة بدلاً من الإطلاق المتتالي- ثم أطلقت رصاصة الي قدمه. صرخ من شدة الألم. عسى أن يستمتع جمهورك العزيز يا رفاييل.

 

-"والآن أين الفتاة"؟

 

قال وسط تأوهاته:

 

-"لن أخبرك".

 

لم أتصور أن يبلغ تمسكهم بالمكافأة المالية الي هذه الدرجة. في البداية ظننت أنه يعتمد على ما نقل عني في الأخبار من أني صرت أكره العنف، ولكن الآن بعد أن أثبت له أني لن أتواني عن أن أحرر سارة بأي ثمن، فإن المبرر الوحيد الذي أراه هو التمسك الشديد بهزيمتي لكي يفوز بالمكافأة المالية.

 

-"الرصاصة القادمة ستكون في فخذك. كسر في عظمة الفخذ قد يسبب صدمة عصبية قاتلة، بمعني أن الألم قد يقتلك هذه المرة".

-"اذهب الي الجحيم".

 

صوبت المدفع الرشاش الي فخذه و أطلقت النار. هذه المرة كاد صراخه أن يصم الآذان.

 

-"أنا لن أتواني عن أن أمزقك إرباً أنت و جميع اللاعبين من أجل تحرير هذه الفتاة. أنا لست بطلاً ولا أريد أن أكون بطلاً. كل ما أريده هو تلك الفتاة الصغيرة".

 

قال و الدموع تسيل من عينيه:

 

-"الفتاة في الطابق السابع في غرفة في نهاية الممر الشرقي".

-"وأين غرفة رفاييل"؟

-"في الطابق الثامن، و معه وائل الحديدي في نفس الغرفة، و المشاهدين في الطابقين التاسع و العاشر".

 

نظرت في ساعتي. الساعة الآن العاشرة و عشر دقائق. الوقت يمر سريعاً. استدرت و إبتعدت عنه. ما أن سرت لخطوات قليلة حتى شعرت بألم شديد في ظهري مقروناً بصوت عال. استدرت الي فوجدت في يده مسدساً...

 

أحصيت عددهم فوجدتهم خمسة و عشرين مقاتلا، يحمل كل منهم مدفعاً رشاشاً و حزاماً في مسدسهً.

 

يا لتسرعي. في غمرة اندفاعي لكي أنقذ سارة قبل فوات الوقت لم أنتبه الي أن الوغد ما زال لديه مسدسه. لحسن الحظ أني ارتدي السترة المضادة للرصاصات و إلا كنت ميتاً الآن. صوبت اليه المدفع الرشاش بعد أن حولت نظام الإطلاق الي الإطلاق المتتالي للرصاصات و قتلته.

خطرت ببالي فكرة. توجهت الي جثته و أخذت جهاز الاتصال من خلف رأسه ووضعته خلف رأسي، ووضعت السماعة داخل أذني. ما أن فعلت هذا حتى سمعت صوت رفاييل الغاضب:

 

-"ليس مسموحاً باستخدام السترات المضادة للرصاصات يا خالد و أنت تعلم هذا. أيضاً لم نتفق على استخدام القنابل و بنادق القناصة".

 

كيف عرف أني إرتديت الجهاز الآن. نظرت حولي فوجدت إحدى كاميرات المراقبة. لقد نسيتها. بالطبع كنت محقاً في أنه يساعد اللاعبين بما يراه عبر الكاميرات.

لم أرد عليه و أخذت أفكر. لابد من أن أفقده نقطة تميزه هذه أو على الأقل أنال مثلها، و لكن كيف؟

خطرت ببالي فكرة جيدة بدأت تنفيذها في الحال. توجهت الي غرفة الأمن الخاصة بالمبني، والتي تقع في نهاية أحد الممرات التي تتفرع من الردهة التي أقف فيها. في غرفة الأمن بالتأكيد يمكن متابعة كل ما تنقله كاميرات المراقبة في المبني.

وجدت غرفة الأمن دون عناء كبير. قمت بتشغيل شاشات المراقبة و أخذت أري ما تنقله. معظم اللاعبين كانوا متجمعين في الطابق الأول قرب السلم، بينما باقي الطوابق بها عدد محدود من اللاعبين. الطابق السابع لم يكن به أي لاعب إطلاقاً، على الرغم من أن هذا الطابق الذي توجد به سارة. بالتأكيد هم ينتظرون صعودي لهم في الطابق الأول و كل منهم يريد ان يقتلني لكي يفوز هو بالمكافأة الإضافية. هذه نقطة أخطأ فيها رفاييل. لقد جعل مكافأة خاصة لمن يقتلني، و بالتالي كل منهم يريد أن يقتلني هو بدلاً من أن يتعاونوا لقتلي. بالطبع تسبب غياب أيمن مختار في زيادة الطين بلة. الآن يمكنني أن...

هنا خطرت ببالي فكرة رائعة. يمكن في مبني الألعاب عزل أي قطاع من المبني بأبواب من الزجاج المضاد للرصاصات. لقد سمعت بهذا الأمر يوما ما. الفكرة أن شركة الألعاب أرباحها خرافية، بمعني أن كمية السيولة النقدية التي يتم جمعها في شركة الألعاب من المشتركين و من الإعلانات و باقي مصادر الكسب مهولة. هذه السيولة النقدية يتم تحويلها الي البنوك يومياً، و لكن وجود مثل هذه السيولة النقدية يجعل الشركة عرضة للسرقة. لهذا تم وضع نظام أمان يسمح بعزل أي قطاع من المبني بأبواب من الزجاج المضاد للرصاصات من أجل منع أي لص من الهرب إن تم اكتشافه.

بحثت قليلاً في كمبيوتر الأمن حتى وجدت الوسيلة التي أفعل بها ما أردت. كل طابق في المبني عبارة عن ممر شرقي و آخر غربي، يلتقي كل منهما عن السلم الرئيسي للمبني. عند عزل الطوابق، تهبط أبواب من الزجاج المضاد للرصاصات لعزل الجانب الشرقي و الغربي من كل طابق، بينما السلم يمكن رجال الأمن من الصعود الي الطوابق الغير معزولة.

عزلت جميع الطوابق ما عدا الطابق السابع. حتى الطابق الثامن الذي به رفاييل و وائل الحديدي و الطوابق العلوية التي بها المشاهدين عزلتها، ثم صعدت الي الطابق السابع. في الطابق الأول رأيت المقاتلين و قد تجمعوا لدي الأبواب الزجاجية و قد أخذوا يطرقوها بشدة بأيديهم و يصيحون، و قد بلغ بهم الغضب مبلغه. حاول أحدهم أن يطلق النار على الباب و لكن الرصاصة ارتدت لتصيب لاعباً آخر. سقط هذا الأخير بينما أكملت صعودي دون أن التفت إليهم.

 

في الطابق الرابع رأيت أحد المقاتلين. لم يكن معزولاً خلف الأبواب الزجاجية. لابد أن الأبواب هبطت بينما هو على السلم. رفعت مدفعي الرشاش و أطلقت عليه النار و فعل هو المثل أيضاً. أصابته رصاصاتي بينما تلقت السترة المضادة للرصاصات التي أرتديها رصاصاته. بالطبع شعرت بالألم الناجم عن ارتطام الرصاصات بالسترة الملاصقة لجسدي، إلا أن هذا الألم أفضل من أن تخترق الرصاصات جسدي بالتأكيد. نظرت في ساعتي. الساعة الآن العاشرة و الربع. لا بأس على الإطلاق.

جاءني صوت رفاييل من خلال جهاز الاتصال. كانت السعادة تشوب صوته مما أشعرني بالقلق:

 

-"خالد. كلامي الذي أقوله الآن يبث للمشاهدين هنا في المبني و على الهواء. لقد انتهي الوقت".

-"أي وقت هذا الذي انتهي؟ لا يزال امامي ربع ساعة كاملة".

-"الوقت الذي أخبرتك به هو نصف ساعة، هذا صحيح. ولكننا قررنا أن نجعل الوقت ربع ساعة فقط، و ألا يعلم أحد بهذا سوي مشاهدينا.... ".

 

الآن كل منهم يتمني لك الفشل، و يا حبذا لو كان هذا الفشل مقروناً بموت الفتاة التي حاولت أنت أن تحميها و ترعاها. هذا يمثل بالنسبة لهم نوعاً من العقاب المزدوج لك لأنك حاولت أن ترتقي عليهم.

 

أخذت أصعد درجات السلم كالمجنون بينما رفاييل يتابع حديثه البغيض:

 

-".. . بينما كنت تخطط أنت واضعاً في حسابك أن الوقت نصف ساعة، كان الجميع على علم بأن الوقت ربع ساعة. و الآن الرتاج الأوتوماتيكي للغرفة التي بها سارة على وشك أن يفتح و هناك لاعب على وشك أن يقتلها. أنت لم تنتبه اليه لأنه كان في إحدى الغرف التي لم يكن بها كاميرا مراقبة".

 

وصلت الي الطابق السابع. توجهت الي الممر الشرقي و شعرت أن الأمر يتخذ طابعاً كابوسياً مرعباً. الممر طويل، طوله لا يقل عن الأربعين متراً، في آخره غرفة بدأ بابها يفتح بصورة أوتوماتيكية و على بابها أحد اللاعبين مستعداً لدخولها. أطلقت عليه النار و أنا أعدو باتجاهه فصرخ و أمسك ذراعه الأيمن. انفتح الباب فرأيت سارة جالسة على الأرض في غرفة جرداء عارية من الأثاث، مرتدية نفس الثوب الذي كانت ترتديه حين أخذها أبيها من بيتي. ما أن رأتني حتى هتفت:

 

-"عم خالد... ".

 

سارة تبتر عبارتها حين تري الوغد الواقف لدي الباب بذراعه المصابة. الدموع تسيل على وجهي من فرط الانفعال و أنا أعدو باتجاهها، بينما الوغد يحاول أن يرفع مدفعه الرشاش و يطلق النار تجاهها. الرصاصات تطيش. فوهة المدفع الرشاش لم ترتفع عن الأرض أصلاً. لابد أن عضلاته ذراعه قد تمزقت.

أدرك الوغد أنه لن يمكنه إطلاق الرصاص بذراع مصابة بأكثر من رصاصة فألقي المدفع و أستل بيده اليسرى مدية من جيبه. هنا صرخت بشدة و رفت مدفعي تجاهه و أطلقت النار بينما سارة تصرخ بشدة. أصابته الرصاصات في أماكن متفرقة من ظهره و ألقته عبر الغرفة بجوار سارة. تحامل الوغد على نفسه و رفع المدية الي أعلى. صرخت سارة في رعب بينما أنا على باب الغرفة. هوي الوغد بالمدية على سارة. في الواقع هو لم يهو بها، بل سقطت يده بالمدية بعد أن فقد قدرته أصلا على رفع ذراعه لتصيب سارة في جانبها الأيسر.

الدماء تتفجر من جسد سارة بينما أنا ألقى المدفع من يدي وأصرخ كالمجنون و أحتضن جسد سارة. صراخ المشاهدين يصم الآذان بينما صوت رفاييل البغيض يقول في سعادة:

 

-" و الآن أعزاءي المشاهدين ينتهي القتال بمقتل الرهينة و هزيمة خالد حسني و فوز فريق شركة الألعاب. تهنئتي لجميع المشاهدين الذين راهنوا على هذه النتيجة التي..... ".

تفحصت الجرح في جسد سارة بيد مرتجفة. الجرح في جانبها الأيسر. لم أستطع أن أحدد هل هو جرح خطير أم لا، هل عميق أم لا. كنت أشعر أني تحت تأثير عقار الهلوسة. لابد أن هذا ليس حقيقياً. لا يمكن أن تصل القسوة الي هذه الدرجة. لا يمكن أن تصل بهم السعادة الي هذه الدرجة التي تجعل صوتهم كهدير الشلالات لأن طفلة رقيقة في الرابعة من العمر قد أصيبت. لا يمكن أن يصل الطمع بشخص أن يكون الشيء الوحيد الذي يستميت للقيام به و هو يحتضر هو قتل طفلة صغيرة. هناك شيء غير آدمي خارق للطبيعة في هذا.

أغلقت جهاز الاتصال لكي لا أستمع الي صوت رفاييل البغيض، وحملت سارة على كتفي الأيسر و نزلت بها السلالم مسرعاً. بينما أنا في الطابق الأرضي فوجئت بأحد الاعبين أمامي. لم أدر من أين جاء هذا. لابد أنه كان في إحدى الغرف في الطابق الأرضي، فأنا لم أقم بتفتيش الغرف. كان جالساً على الأرض و قد وضع مدفعه الرشاش على مسافة لا بأس بها و ثبت السماعة جيداً على أذنه لكي يستمع لما يذيعه رفاييل وسط ضجيج الجماهير. إنه يتأكد من أن الفتاة قد ماتت و أنه الآن يستحق نصيباً من الجائزة. ما أن رآني حتى قام مسرعاً باتجاهي. كان المدفع بعيداً عنه، لذا استل مدية مشابهة لتلك التي أصابت سارة و اتجه بها الي، و طوح بمديته محاولاً أن يصيب سارة. لابد أن يتأكد من أنها قتلت، ربما جعل له هذا نصيباً في المكافأة.

استدرت بجسدي لكي أتلقي أنا الطعنة بدلاً من سارة. لم يكن في يدي سلاح، فلقد تركت المدفع الرشاش في الغرفة التي في الطابق السابع.

أصابتني المدية أسفل إبطي الأيمن. تفجر الدم غزيراً بينما استللت مسدسي بيدي اليمني و أطلقت عليه ثلاث رصاصات.

 

سقط الوغد قتيلاً بينما نظرت انا الي ذراعي. كانت الدماء تسيل كالشلال. لقد قطع الوغد الشريان العضدي Brachial artery. هذا الشريان يعتبر أحد شرايين الجسد الرئيسية. هذا النزيف يمكنه أن يقتلني في خلال ثلاث دقائق. لم أبالي و حملت سارة و اتجهت الي البوابة الرئيسية لشركة الألعاب. كان أكرم هناك واقفاً و على وجهه توتر رهيب. ما أن رآني و رأي سارة و الدماء تغرقنا حتى شهق و جري باتجاهي. أعطيته سارة و قلت له:

 

-"توجه بها الي المستشفى حالا".

-"و أنت".

-"لن يمكن إسعافي في هذا الوقت. أسرع بالتحرك يا أكرم ولا تناقشني. فقط عدني أن تراعي أنت سارة من بعدي".

 

حاول أن يتكلم ولكن صوته اختنق بالدموع. حمل سارة و وضعها في السيارة ثم انطلق بها.

نزعت أنا الجزء العلوي من ثيابي و ربطت به ذراعي. لم يوقف النزيف، فهذا الرباط البائس لا يمكنه أن يوقف نزيف شريان مثل هذا، ولكنه سيقلله بعض الشيء. سيعطيني بضع دقائق إضافية.

 

الآن فكرة واحدة تسيطر على كياني. لابد من أن يموت كل من ساهم في هذا. لابد أن يموت رفاييل ووائل الحديدي و أولئك المشاهدين واللاعبين. أن تقتل فتاة صغيرة دون ذنب جنته فهذا يجعلك سفاحاً، أما أن تنظم أنت كل هذا و تدفع المال و تضع الترتيبات لضمان قتلها، فهذا يجعل منك شيئاً خارقاً للطبيعة يتضاءل بجواره كل ما أنتجته قرائح أدباء الرعب.

هؤلاء المشاهدين صرخوا في حماس عندما أصابت تلك المدية سارة. صرخوا و كأنما نال كل منهم كل ما كان يتمناه منذ سنين، دون أن يتوقفوا لحظة واحدة ليفكروا أن تلك التي أصيبت هي مجرد فتاة رقيقة في الرابعة من العمر اجتمع عليها سوء رعاية الوالدين و الفقر و المجتمع الذي أثار شيطان آدمي أحط غرائزه فصار كالحيوانات التي تهيجها رائحة الدماء.

الرؤية بدأت تتشوش أمامي و بدأت أترنح. على أن أعمل سريعاً. اتجهت الي المرآب الذي يقع أسفل المبني. المرآب من طابقين، و به الكثير من السيارات، معظمها سيارات فاخرة. إنها سيارات المشاهدين بالطبع. انتزعت القنابل الصغيرة التي تستخدم في قاذف القنابل ثم القيتها بدون اكتراث في أنحاء المرآب، كطفل يلقي بالأحجار في النهر، و كذلك فعلت بالقنابل التي تنفجر بجهاز تفجير عن بعد. لم أستخدم هذه الأخيرة كما كنت أنوي اليوم. لا بأس، سأستخدمها الآن.

 

صعدت الي الطابق الأرضي من المبني و خرجت الي الحديقة المحيطة بالمبني ثم ضغطت زر جهاز التفجير عن بعد. هز انفجار مدو المبني ثم تبعته سلسلة طويلة من الانفجارات. إن القنابل تنفجر و معها تنفجر خزانات الوقود في السيارات.

هنا انتهت قدرتي على الوقوف على ساقي. الرؤية شبه منعدمة أمام عيني أيضاً. فتحت جهاز الاتصال بيد مرتجفة و بصوت خافت متقطع قلت:

 

-"رفاييل... هل تسمعني"؟

-"نعم أسمعك. ما الذي قمت به في المرآب؟ هل قمت بتفجير السيارات؟ هذا لن يجعلك تفوز. أنت خسرت المعركة التي..... ".

-"الخرسانة.... ".

-"أي خرسانة؟ ما الذي تتحدث عنه؟"

-"الخرسانة لا تحتمل الحرارة..... أعمدة المبني في المرآب... ".

 

لم أستطع أن أكمل عباراتي و لكنه فهم ما أقصده. صرخ في اضطراب:

 

-"مستحيل. أنت لا يمكنك أن .... إن هذا غير.. ".

 

أغلقت جهاز الاتصال. صوت صراخ المشاهدين من الطوابق العلوية يتعالى بينما الانفجارات مازالت تتوالى. لابد أن رفاييل قد نسي أن يوقف بث الحديث لهم. أو لعله تعمد أن يجعلهم يسمعون كلامي على أمل أن يجدوا فيه نبرة من الحزن و الأسي. هذا سيزيد من شعبية الألعاب و من شعور المشاهدين بانتصارهم علي. الآن هم لا يجدون الموت شيئاً مبهجاً حين يتعلق بهم.

 

تري هل ينجح أكرم في انقاذ سارة؟ هل تلاقي سارة على يدي أكرم و زوجته الحنان والعطف التي هي جديرة بهما الي أقصي حد؟ هل تنسي القسوة والوحشية التي تعرضت؟ هل تنسي أن أباها و أمها و المجتمع كله قد أجمع يوماً ما على قتلها فقط ليرضوا العنف المتأًصل في نفوسهم؟ تري هل يأتي اليوم الذي تصير في شابة ناضجة ناجحة تثير إعجاب كل من يعرفها؟ لكم تمنيت أن أري هذا اليوم، و لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. حسبي أني قد حاولت قدر استطاعتي أن أجعل هذا الحلم قابلاً للتحقيق.

تري هل تذكرني سارة حين تكبر؟ هل تذكر أن هناك رجلاً حاول يوماً ما أن يراعيها و يحنو عليها و يعطيها الحنان الذي تستحقه و الذي اتحد المجتمع كله لحرمانها منه؟ هل تذكر أنها عاشت في بيت هذا الرجل شهراً كان أجمل أيام حياته؟ هل تصير في يوماً ما أماً رائعة تحكي لأبنائها عن الرجل الذي دخلت حياته فلم تعد حياته مثلما كانت؟

وعيي يتسرب مني تدريجياً و على الرغم من هذا لا تتوقف الأفكار في رأسي.

تري هل تتوقف الألعاب؟ هل يتوقف تيار الدم هذا بقتل صاحب شركة الألعاب و قتل أولئك المشاهدين و قتل رفاييل؟ أتمنى أن يثير الأمر تفكير الناس قليلاً، حين يروا أن المشاهدين قد صاروا أيضا ضحية للألعاب. بالتأكيد لن تقوم الألعاب بسهولة من جديد، و حتى إن قامت فلن يكون هذا قبل وقت طويل. ربما بهذا الوقت أمنح فرصة لسارة و من هم مثلها كي يعيشوا الحياة التي يستحقونها. كل يوم لا توجد فيه الألعاب هو يوم يضاف الي حياة إنسان.

و رفاييل. إن قتل رفاييل لهو شيء لا يستهان به. أنت لا تجد شخصاً يجمع كل هذا الكم من العلم و الذكاء و الشر الصافي الخالص كل يوم. حتى إن قامت الألعاب فلن تجد شخصاً مثل رفاييل بسهولة.

تري هل يغفر لي الله ما قمت به؟ هل يتجاوز عن القتل الذي قمت به و الدور الذي ساهمت به في الألعاب؟ هل يتقبل الله مني رعايتي لهذه الطفلة الصغيرة و تضحيتي بحياتي من أجلها؟

الدنيا تظلم من حولي تماماً ووعيي يغيييييييب......

 

الآن صار لي هدف أتخيله و أسعى اليه، هو أن أري سارة و قد صارت فتاة ناضجة متميزة. متميزة على الصعيد الشخصي، الديني، الخلقي و العقلي أيضاً. هي صورة مبهمة ليست محددة الملامح، و لكنه صار هدفاً يملأني بشدة.

 

الآن لدي بالفعل حياة جميلة أرغب في أن أعيش كل لحظة منها. لدي هدف أسعى لأن أحققه، و على أن أقضي ما بقي من عمري في طلب المغفرة من الله لكل ما ارتكبت في من جرائم. الآن صارت كل لحظة في الحياة غالية. فكرة أن أموت في المعركة القادمة تبدو الآن فكرة مرعبة، حتى لو كان احتمال موتي في المعركة القادمة احتمالا ضئيلاً للغاية.