فصل 9

19 0 00

كثيراً ما تسبب شر رجل واحد في معاناة مدينة بأكملها.

هيسيود – شاعر يوناني قديم

 

في اليوم التالي أيقظني جرس الباب في التاسعة صباحاً. فضلة لديها أكتشف عالماً جديداً، بل أنا أري العالم بعينين جديدتين، عيني طفلة صغيرة. كولاته أو مشاهدة نوع معين من أفلام الكارتون كنت قد نمت في وقت متأخر في الليلة السابقة، إذ فكرت في أن أقرأ في أحد كتب الحديث لبعض الوقت، ثم لم يلبث أن استغرقتني القراءة ولم أنم إلا بعد صلاة الفجر، لذا نهضت متثاقلاً و استغرقت بعض الوقت حتى أدرك أن هناك من يرن جرس الباب بإلحاح. نهضت متثاقلاً و نزلت الي الطابق السفلي و فتحت الباب. لم أكن أنتظر أحداً في هذا الوقت و سارة لا تزال نائمة، لذا أسرعت قليلاً لأري من هذا الطارق و أفتح الباب قبل أن يوقظها رنين الجرس. كان الطارق هو رفاييل. للحظة شعرت بالدهشة، إذ لم تكن من عادة رفاييل أن يزورني بدون موعد سابق، ولكني تغلبت على المفاجأة بسرعة:

 

-"رفاييل. مرحباً بك".

-"ما هذا الكسل؟ أنا أعلم أنك تستيقظ مبكراً في المعتاد. اتصلت بك ولكنك لم ترد على الهاتف".

-"لقد كنت مستغرقاً في نوم عميق، فقد نمت في وقت متأخر بالأمس. هلم ادخل".

 

جلسنا في بهو الاستقبال، و جئت بكوبين من الشاي و جلسنا نتحدث قليلاً. قال لي:

 

-"أعتذر عن هذه الزيارة المبكرة و لكن... ".

 

قاطعته مبتسماً:

 

-"هي ليست مبكرة، انا الذي تأخر في الاستيقاظ". ذا الكسل؟ أنا أعلم أنك تستيقظ مبكراً في المعتاد. وعد سابق، ولكني تغلبت على المفاجأة بسرعة:

 

-"ربما. المهم أن هناك فكرة خطرت ببالي، و فكرت في أن أعرضها عليك. في المرة السابقة تكلمت معك عن تغيير جو المعركة و إضافة بعض الأسلحة الجديدة، و لكن هناك فكرة رائعة خطرت في بالي. هي فكرة مرتبطة بالمعارك الرومانية القديمة التي تكلمنا عنها. أتعلم ما الشيء الذي يميز المعارك الرومانية القديمة عن العاب الواقع؟

 

فكرت قليلاً ثم قلت:

 

-"أن الجمهور كان في نفس مكان المعركة بدلاً من أن يشاهدها عبر التليفزيون"؟

-"هذه نقطة، نقطة جيدة، ولكنها ليست نقطة الاختلاف الوحيدة. المعارك القديمة كانت أكثر دموية. هذا يعود الي طبيعة السلاح في المقام الأول. الأسلحة الجديدة أكثر فتكاً و تأثيراً، حيث يمكنك أن تقتل عدداً من الأشخاص في لحظة واحدة بضغطة على زناد مدفع رشاش أو بتفجير قنبلة، ولكن السيوف و الرماح و الخناجر أكثر دموية. إنها تسمح لك بجرح شخص ما ثم قتله ببطء أمام المتفرجين".

-"مثلما كان المصارعين يفعلون، حين ينتظرون أن يشير الجمهور أو القيصر بإبهامهم الي أسفل لكي ينهي المصارع حياة مصارع جريح".

-"بالضبط. دعك من أن معارك الأسلحة القديمة تسمح بشكل مختلف من أشكال القتال، شكل أكثر إثارة ووحشية".

 

و كأنما الأمر اختيار أصناف الأكل أو أشكال الثياب. هذا الرجل يحاول أن يتفنن في طرق القتل. و كأنما لا يكفيه ان يموت الناس، بل لابد أن يعانوا قبل الموت. على قدر علمي هو أول من يفكر بهذه الطريقة على مر التاريخ... لا ليس أول من يفعل. أذكر أني قرأت أن الإسرائيليين فعلوا هذا حين كانت عصاباتهم تجتاح القري الفلسطينية في أربعينيات القرن العشرين. كانوا يستخدمون السونكي ضد الأهالي العزل لأنه أكثر ترويعاً و تأثيراً في النفس.

 

بعد لحظات من الصمت قلت في شيء من التردد:

 

-"رفاييل... أنا لن أستطيع القتال في هذه المعارك".

-"أنا لم أقل لك أنها معارك، فقط أنا أعرض الفكرة. بالطبع أنا أعلم أنك تدربت على استخدام الأسلحة الحديثة وليس السيوف و الخناجر. أنا فقط أعرض على ك الفكرة. الموضوع يحتاج الي الكثير من الترتيبات و الدعاية بالطبع، و هذا سيستغرق وقتاً أكثر من كافي لتتدرب على الأسلحة الجديدة. هذه العروض الجديدة ستكون قنبلة الموسم، ربما أكثر من المعركة المقبلة في تلك الجزيرة الاستوائية التي حدثتك عنها".

-"كلا أنت لا تفهمني. أنا لن أستطيع... ".

 

بترت عبارتي لأني سمعت صوت خطوات في الطابق العلوي. لقد استيقظت سارة على ما يبدو. يا إلهي، لا أريدها أن تنزل الآن. لا أريد ان يراها رفاييل. لا أعلم لماذا، ولكني لا أريدها أن تقابل أحداً من هذا الوسط القذر أو أن يراها أحد العاملين فيه.

تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. سمعت صوت خطواتها على السلم ثم لم يلبث أن رأيتها أمامي. تفحصها رفاييل بنظره، بينما وقفت هي تنظر له في فضول ممزوج بحيائها المعتاد من الغرباء. التفت الي رفاييل و قال في لهجة ذات مغزى:

 

-"على قدر علمي ليس لديك أولاد و لست متزوجاً".

-" إصعدي الي غرفتك يا سارة".

 

لم تعارض أو تسأل أسئلتها الفضولية المعتادة و قد شعرت من لهجتي المتوترة و نظرتي القلقة أن شيئاً ما ليس على ما يرام. فقط استدارت و صعدت الي غرفتها.

التفت الي رفاييل فارتطمت عيني بنظرته المتفحصةً. بصعوبة تمالكت أعصابي و قلت:

 

-"هي ابنة أحد أصدقائي، و لقد تركها في رعايتي لبضعة أيام ريثما يسافر لبعض أغراض العمل و يعود".

 

بالطبع لهجتي لا تنجح في إقناع طفل مصاب بالتخلف العقلي. رأيت رفاييل ينظر الي في شك و قد تيقن من أني أداري شيئاً ما. بعد لحظة من الصمت قال لي:

 

-"ليس هذا موضوعنا على كل حال. أريدك أن تستعد للسفر في خلال بضعة أيام لتصوير تلك المعركة التي حدثتك عنها في تلك الجزيرة الاستوائية، فلقد أقنعت وائل الحديدي بالأمر و قمنا بعمل الدعاية و الترتيبات اللازمة للأمر. أوراق السفر ستكون جاهزة اليوم أو غداً و سنسافر في خلال هذا الأسبوع و في خلال هذه الفترة فكر في ما كلمتك عنه، و سأنتظر رأيك حين نعود. والآن استأذنك في الانصراف".

 

قالها و اتجه الي الباب. لم أعرض عليه أن يبقي لبعض الوقت، على الرغم من أنها كانت زيارة قصيرة. في الواقع أنا أنتظر انصرافه هذا بفارغ الصبر.

توقف رفاييل لدي الباب و دون أن يلتفت الي قال:

 

-"أنت لا تجيد الكذب يا خالد. على الأقل لم تجده اليوم".

 

ثم فتح الباب و خرج دون أن ينتظر مني تعقيباً.

اللعنة. لا يمكن خداع هذا الرجل. لا أدري ما الذي قد يكون قد استنتجه بشأن سارة، و لكني لا أشعر بالراحة.

بعد لحظات نزلت سارة من غرفتها و قد سمعت باب الفيلا يغلق، فأدركت أن رفاييل قد انصرف. اقتربت مني و سألتني:

 

-"من هذا الرجل يا عم خالد؟ الرجل الذي كان يجلس معك".

-" إنه صديقي يا سارة".

 

نظرت اليّ و على وجهها تعبير غريب. ربما هو نوع من عدم الرضا أو الامتعاض. غريزة الأطفال لا تخطيْ أبداً، ربما لأن براءتهم لم تفسد بما في هذا العالم من قذارة. إذا أضفنا الي هذه الغريزة ذكاء سارة الفطري لوجدنا أن على الرغم من أنها لم تره إلا لبضع ثوان، إلا أنه من المنطقي أنها لن تشعر بالراحة تجاهه.

بعد أن قمنا بطقوس الصباح المعتادة من اغتسال و إفطار، قمت بصب كوبين من العصير لي و لسارة و جلست أفكر في هذه المعركة المقبلة بينما جلست هي الي جواري تلتهم الشكولاتة و تلعب بالدراجة الصغيرة ثلاثية العجلات التي اشتريتها لها.

 

كان تفكيري مشوشاً و الأفكار تتضارب في رأسي. أشعر بصعوبة شديدة في مجرد أن أستعد للسفر هذه المرة. لا أريد أن أقتل أحداً بعد الآن. الفكرة نفسها تبدو الآن مرعبة. أشعر أن الله قد عوضني عن الكثير من مما كان ينقصني و لا أستطيع الآن أن أفعل ما كنت أفعله......

 

 

من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله يوم القيامة مكتوب على جبهته آيس من رحمة الله.

حديث شريف

 

القتل شيء مريع. و كأني أكتشف هذا الأمر الآن لأول مرة. في الماضي كنت أعاني كثيراً بعد كل معركة، و لهذا كنت أحاول قدر الإمكان أن لا أطيل النظر الي ضحاياي، و لكن الآن أشعر أن كل ما مررت به كان مجرد قشور. الأمر يشبه أن تنظر الي حمام السباحة و تري عمقه بسيطاً، ثم تقفز فيه لتكتشف أن هذا العمق البسيط كان انكسارا للضوء عبر الماء، و أن العمق أكبر كثيراً مما كنت تظن. لا أستطيع أن أفعل هذا بعد أن فتح الله عيني عن ما كنت أجهله.. . لا، لم أكن أجهله، فقط أنا لم أكن أقدر حجم الجريمة التي كنت أرتكبها. تري أيغفر لي الله ما فعلته من قبل؟ و لكن كيف يغفر لي و أنا على وشك الذهاب مرة أخري لأقتل المزيد من البشر

 

﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما﴾

سورة النساء- الآية 93

 

أنا فعلاً لا أريد ان أقتل أحداً بعد اليوم و لكن هذا ليس بالقرار السهل. بأي حجة سأبرر هذا لرفاييل و لشركة العاب الواقع؟ ماذا سيكتب عني الإعلام؟ هل سيكتبون أن خالد حسني خائف من المواجهة القادمة؟ المشكلة أني بالفعل خائف. في الماضي كنت أخاف الموت، و لكن هذا الخوف أضعفته الحياة التي كنت أحياها. في البداية كانت حياة صعبة فقيرة بلا أمل في ما هو أفضل، و بعد أن صرت شهيراً غنياً، صارت الحياة خاوية من كل ما يثير الاحترام أو أي نوع من المشاعر الجميلة. في الحالتين لم تكن الحياة شيئاً يستحق أن يحافظ المرء عليه، فقط هي غريزة البقاء التي كانت تثور في نفسي من حين لآخر.

ولكن الوضع الآن اختلف. الآن لدي بالفعل حياة جميلة أرغب في أن أعيش كل لحظة منها. لدي هدف أسعى لأن أحققه، و على أن أقضي ما بقي من عمري في طلب المغفرة من الله لكل ما ارتكبت في من جرائم. الآن صارت كل لحظة في الحياة غالية. فكرة أن أموت في المعركة القادمة تبدو الآن فكرة مرعبة، حتى لو كان احتمال موتي في المعركة القادمة احتمالا ضئيلاً للغاية.

 

أسمع صوت أكرم الصارم في عقلي:

 

-"أتخشي ما سيقوله عنك رجال الإعلام أو رجال شركة الألعاب أكثر مما تخشي الله؟ هل مواجهة بعض الكلمات من بعض الناس أصعب من مواجهة الموت؟ بل والأدهى، أصعب من مواجهة غضب الله؟ ماذا ستقول لسارة حين تكبر قليلاً و تسألك ما عملك؟ هل تظن أنها ستحترمك حين تعرف مهنتك، أم أنك ستربيها على أن القتل شيء لا بأس به"؟

 

نظرت الي سارة التي تركت الدراجة و جلست تتابع الكارتون باهتمام، غير شاعرة بالمعركة الدائرة في عقلي الآن. أكرم- أو صوته الذي يتردد في ذهني- على حق في هذه النقطة، ولكن الأمر ليس سهلاً. لقد صار أكرم ضميراً ثانياً لي، ولكن هذا الضمير لا يقبل بأنصاف الحلول و لا الحجج الواهية. حسناً الأمر لن يكون سهلاً، و لكن على أن أواجهه. لن أبدأ بمواجهة رفاييل. أخشى أن يثنيني عن قراري. أنا الآن هش نفسياً ليس لدي القدرة على مواجهة شيطان متمرس مثل رفاييل. المشكلة أن أكرم لن يكون دعماً لي. أنا بحاجة الي شخص متفهم، يتفهم ضعفي و يساعدني على تجاوزه. أكرم طيب القلب و أنا أعرف أنه يحبني فعلاً، و لكنه انفعالي مندفع لا يمكن الاعتماد عليه في شيء مثل هذا. إذا أردنا الدقة فأنا بحاجة الي زوجة تتفهم ما أنا مقبل عليه و تعينني على نفسي بالحسني، ولكن للأسف هذه الزوجة غير موجودة. ما أنوي أن أفعله لن يساعدني فيه سوي الله.

 

بصوت خافت قلت:

"اللهم أعني على أن أرضيك و أبعدني عن ما يغضبك".

 

قمت فاتصلت بإحدى المجلات الكبري التي تهتم بمتابعة أخبار مشاهير المجتمع. تحدثت مع رئيس تحريرها و أخبرته أن لدي تصريحاً خاصاً لمجلته. بالطبع لم يصدق الرجل أذنيه، فأنا بطبعي لا أكثر من التصريحات و الحوارات مع هذه المجلات البلهاء، و فجأة يجدني أعرض عليه انفرادا صحفياً. طلبت منه أن يرسل أحد المحررين ليجري معي الحوار فأخبرني أنه سيجريه بنفسه، و أن هذا شرف له و إضافة الي رصيده الصحفي، الي آخر هذا الهراء. أخبرته أني سأنتظره اليوم في الساعة الواحدة.

في تمام الساعة الواحدة كان رئيس التحرير يطرق جرس الباب. كان متأنقاً في أواخر الأربعينات من العمر، و يبدو موحياً بالثقة. لم أتوقع أن يكون هذا مظهره. توقعت أن يكون رئيس تحرير مجلة كهذه شخصاً تبدو عليه مثل هذه الجدية، ولكن يبدو أنهم يأخذون موضوع صناعة التفاهة بجدية.

استقبلته و جلسنا في ردهة الاستقبال. أخبرته بأني سأسجل الحوار من أوله، لأمنع أي تلاعب أو تغيير في كلماتي، فوافق بدون جدال أو مناقشة. بالطبع هو أيضاً كان يقوم بتسجيل الحوار لكي ينقله فيما بعد على الورق. ثم بدأت ما أنا بصدده.

 

-"في الواقع التصريح الذي لدي، هو أني قررت أن أعتزل العاب الواقع الي الأبد".

 

نظر الي في ذهول، إذ أنه لم يتوقع شيئاً مثل هذا، ثم لم يلبث أن تمالك نفسه بعد ثوان وقال:

 

-"و ما السبب؟ هل تعرضت لإصابة في المعركة الأخيرة أم أنها مشاكل بينك و بين إدارة شركة العاب الواقع؟"

-"ليس هذا و لا ذاك. كل ما هنالك أن الله هداني لما لم أهتدي له من قبل. القتل محرم في كل الأديان. أنا أعلم أني قتلت كثيراً، و لكن حان الوقت لكي يتوقف نهر الدم هذا. القتل شيء بغيض. لا شيء في الدنيا يساوي أن يفقد المرء حياتي من أجله، و لا أن يقتل الآخرين من أجله".

-"ولكن ألا تري أن.... ".

-"دعني أكمل كلامي من فضلك. شركة الألعاب تحاول أن تثير أحقر الغرائز البشرية في المتفرجين و تستغل هذا لكي تلهيهم عن مشاكلهم الحقيقية، مثل التفرقة الطبقية الحادة المنتشرة في المجتمع، و الفساد السياسي و الإداري المنتشر في المجتمع. تلهيهم عن طلب ما هو أفضل لأنفسهم، على الصعيد المادي و الديني و الدنيوي. تلهيهم بإثارة غرائز العنف الي أقصاها في النفس البشرية، و تجميل العنف و تغليفه بهيئة تجعله مقبولاً بل و مطلوباً لدي الناس- دعك بالطبع من تحقيق مكاسب خرافية من خلال هذا. أنا لا أريد أن أكون جزءاً في هذه المنظومة. أنا أريد أن أكون إنساناً يرضي عنه الله و يرضي عن نفسه. طيلة هذه السنوات لم أشعر للحظة باحترام لذاتي أو لما أفعله، و الآن جاء الوقت الذي أتخذ فيه قراراً تأخر منذ زمن طويل.

-"ولكن الا تري أنه من الغريب أن تتخذ مثل هذا القرار و أنت في ذروة نجاحك؟ أعني أنك تتخلي عن نجاحك و شهرتك لأسباب دينية؟ هل تري هذه الأسباب الدينية كافية لكي تترك كل ما حققته من شهرة ونجاح"؟

-"بالنسبة للكثيرين تصير الأسباب الدينية هي الأخيرة في قائمة الأولويات. بالطبع شركة الألعاب ليست هي السبب في هذا، ولكن شركة الألعاب ساعدت على ترسيخ هذا التفكير في عقول الناس بسياستها الإعلامية الموجهة. أنا كنت أفكر بنفس الأسلوب يوماً ما، و لكن كل ما يمكنني أن أقوله لك هو أن الله هداني. لا تفسير آخر لدي. الآن أنا أري أن الأسباب الدينية أكثر من كافية لأترك مجال العاب الواقع".

-"دعني أسألك سؤالاً. هناك شائعات تقول إنك تعتني بفتاة صغيرة السن؟ هل هذا صحيح؟ وهل لهذا دخل بقرارك باعتزال العاب الواقع؟"

 

كيف عرف بهذا الأمر؟ اللعنة على الشهرة و ما تجذبه من فضول الفضوليين. كنت أريد أن تظل سارة بعيدة عن هذا ولكن يبدو أني فشلت في هذا. على أن أتجاوز هذا السؤال بدون الدخول في أي تفاصيل.

 

-"الفتاة التي أعتني بها هي فتاة صغيرة فقيرة أحاول أن أقدم لها ما أستطيع من الرعاية. أما عن علاقة هذا باعتزالي الألعاب، فأنا لا أدري حقاً. ربما كان فقط توافقاً زمنياً، كل ما أعرفه هو أن حياتي تغيرت منذ أن دخلتها هذه الفتاة الصغيرة".

-"ولكن ماذا عن الذين قتلتهم من قبل؟ على حد قولك فإن القتل شيء بغيض و محرم دينياً. ما جدوى الاعتزال بعد أن قتلت من قتلت؟"

-"هذا منطق معكوس. هل الحل أن أستمر في القتل ما دمت قد قتلت من قبل؟ القتل شيء بغيض و هذا أدعي لأن أتوقف عنه لا أن أستمر فيه. أنا أعلم أني أذنبت كثيراً، ذنوباً ليست بسيطة، و لكني أطمع في مغفرة الله سبحانه و تعالي و رحمته".

-"وما هي الخطوة التالية التي تنوي أن تقوم بها؟ أعني ما المهنة التي تنوي أن تمارسها أو ما هي خططك للمستقبل"؟

 

صمت للحظات ثم أجبت:

-"هذا شيء لم أفكر فيه بعد. لم أضع خططاً في الوقت الحالي. كل ما أعلمه هو أني لن أمارس القتل مرة أخري".

 

استمر الحوار لمدة ساعة نقلت فيها رأيي كاملاً، و لكني أعتقد أن نصف هذا الكلام سيتم حذفه. على الأقل بتسجيلي للحوار أضمن عدم تغيير تصريحاتي الي شيء آخر. بعد أن انصرف رئيس التحرير، صرت أشعر أني أقوي ولو قليلاً. بعد أن اتخذت مثل هذه الخطوة صارت الأمور أسهل قليلاً. أشعر الآن أني أكثر قدرة على مواجهة هذا الأمر. ولكني بالطبع مازلت أخشى المواجهات القادمة. مواجهة الإعلام، مواجهة المجتمع و...

رفاييل. الغريب في الأمر أني أخشى مواجهة هذا الرجل أكثر من أي شيء آخر. على الرغم من أنه لا يملك على أي سلطات مباشرة أو وسيلة يضغط بها علي، إلا أني أخشى مواجهته. حين تواجه من يملك قدرات جسدية أو سلطات إدارية و قانونية، يغدو الأمر سهلاً، أما مواجهة رفاييل فهي تخلفت. حين تواجه رفاييل أهارون فأنت تواجه عقلية تقدر على الإيذاء النفسي و تتفنن فيه. هذا رجل يعرف كيف يقود النفس البشرية الي المهالك دون أن تطرف له عين. دعك بالطبع من نطاق الضرر الذي يسببه. الشخص الذي يقتل أو يسرق أو يؤذي غيره ضرره محدود بعدد من يمكن أن يؤذيهم، أما رفاييل فإنه يؤذي و يدمر على نطاق شمولي. رفاييل يخطط لتدمير مجتمعاً بأكمله تدميراًً نفسياً و عقلياً، بنفس الحماسة التي تخطط بها أنت لقضاء عطلتك السنوية. هذا الشر الصافي هو الذي تصعب مواجهته. يمكنك أن تنظر الي رفاييل على أنه قنبلة نووية نفسية.

فليعينني الله على ما أنا مقبل عليه.