فصل 3

21 0 00

حين عدت الي المنزل كنت أشعر أني مفكك تماما. إنه الأدرينالين الذي امتلأت به عروقي لمدة نصف الساعة هي زمن المعركة. الان انسحب الأدرينالين من عروقي تاركا تفككا غير عادي. دعك من مشهد ذلك الذي اللاعب الذي مات برصاصاتي – لا أعلم اسمه للأسف- و الذي ظل لفترة طويلة يؤرقني و يضغط على أعصابي.

بعدها ببضعة ايام سمعت طرقات عنيفة على باب منزلي. هرعت الي الباب و فتحته. كان القادم هو أكرم. ما أن رأيت النظرة التي تجمع بين الغضب والذهول في عينيه حتى أدركت غرضه من الزيارة. بادرته قائلا:

 

-"أنت رأيت اللعبة".

 

لم أكن قد أخبرته بموضوع مشاركتي في ألعاب الواقع. لم أكن أدري كيف يمكن أن أفاتحه في الأمر أو أشرح له الموضوع. لم تكن لدي أدني قدرة على الشرح أو النقاش بحالتي هذه. ولكني مجبر الآن على خوض هذه المناقشة. دون أن يدخل البيت، بدأ أكرم حديثه الغاضب:

 

-"إذا فهذا صحيح. أنت شاركت في العاب الواقع. في الحقيقة انا لم أري اللعبة – كما تسميها- فميعاد إذاعتها ليس الآن، ثم إني لا أشاهد هذه الألعاب الهمجية. فقط جاء إعلان عنها و للحظة تخيلت أني رأيت وجهك. ثم جاءت لقطة أخري و أدركت أن هذا هو أنت أو شخص يشبهك الي درجة تثير الذهول. في الواقع لقد كنت أحاول أن أقنع نفسي أن هذ شخص سواك. كنت أتمنى أن يكون هذا شخص سواك. لماذا فعلت هذا يا خالد"؟

-"لماذا فعلت هذا؟ يا له من سؤال! أتري أي داعي يمنعني من أن أفعل هذا؟ أتري أني أملك أي حياة أو مستوي مادي أو اجتماعي أو حتى أمل في ما هو قادم غدا يمنعني من أن أخوض لعبة كهذه؟

-".. فقررت أن تغيير حياتك بأن تخاطر بها، فإما أن تفوز بكل شيء أو تفقد حياتك التي مللتها. أليس كذلك".

 

اللعنة على قدرتك على فهم أسلوب تفكيري يا أكرم.

 

-"بلي إن كان هذا سيريحك. هو كذلك".

 

نظر الي مذهولاً و كأنما لم يتوقع أن أرد عليه بهذه الصراحة. في الحقيقة حين أتذكر هذا الآن أجد أنها كانت صفاقة أكثر منها صراحة.

 

-"و ماذا عن الآخرين الذين تقتلهم؟ ماذا عن أبنائهم و أهلهم"؟

-"لقد ارتضوا المخاطرة من البداية".

-"و ماذا عن الهدف الأكبر من كل هذا؟ لا أظنك تجهل أن هذه المعارك الهدف منها هو تحويل نظر الفقراء الي أشياء أخري لإلهائهم عن طلب ما هو أفضل لحياتهم عن طريق إثارة أحط الغرائز البشرية فيهم. يمنحونهم ما يشغلهم و يلهيهم، و في نفس الوقت يتخلصون من بعض منهم ممن يتقدمون للمعارك بطرق قانونية تماما. أتجهل أن... "

-"لا طاقة لدي لهذه المحاورات البيزنطية يا أكرم الآن. هذه حريتي الشخصية و لقد خاطرت بحياتي و ليس بحياتك أنت".

-" ولكني صديقك و أظن أن من واجبي أن أرشدك حين أجدك قد فقدت عقلك. تأكد أني لن أتركك لتهلك نفسك في الدنيا و الآخرة و أقف متفرجا على ك مستمتعاً بألعابك. ماذا عن الدين يا خالد؟ أتجد في الإسلام ما يوافق ما تقوم به الآن؟ أن يقتل الناس بعضهم بعضا للتسلية؟ ".

-"عن إذنك الآن يا أكرم، فانا متعب و أرغب في أن أنال قسطا من الراحة".

 

قلتها و أنا أغلق الباب. في الواقع لم أكن متعبا وإنما كنت أهرب من هذه المناقشة. لم تكن لدي القدرة النفسية على المجادلة الآن مع شخص من ذوي المبادئ مثل أكرم، دعك من أن منطقي مهلهل أصلا لن يستطيع أن يقف أمام أكرم بعقليته الناقدة، أو حتى أي شخص حتى إن كان محدود الذكاء.

 

تكررت هذه المناقشة في الأيام التالية كثيرا. أكرم يحاول إثنائي عن ما يدور بذهني و أنا أجتهد في لي عنق المنطق و التحايل على الأمور لكي أقنعه برأيي – الذي لم أقتنع به أنا نفسي.

 

كانت هذه أول معركة أخوضها في ألعاب الواقع. بعد هذا توالت المعارك و ارتفعت تدريجيا حتى صرت ما أنا عليه الآن، نجما يشار اليه بالبنان.

منذ البداية وضعت لنفسي مجموعة من القواعد لأسير عليها و لا أخالفها. هذه القواعد هي الوسيلة التي يمكن بها أن أتفوق في مجال مثل هذا. دائماَ ما يصنع التنظيم فارقاً ضخماًَ في أي مجال. الشيء الذي جعل المافيا أكثر من مجرد عصابة تقليدية من اللصوص و القتلة هو القواعد التي وضعوها و نفذوها بحذافيرها.

 

القاعدة الأولي: التدريب البدني هام للغاية، و التدريب العقلي أكثر أهمية.

 

القاعدة الثانية: لا تصادق أي من اللاعبين، فقد تقابله في معركة ما، فإما أن تقتله أو يقتلك هو، و عندها إما أن تكون قد قتلت صديقاً أو قُتلت على يد صديق.

 

القاعدة الثالثة: المعرفة بمكان أو سلاح إحدى المعارك يصنع فارقا ضخماً.

 

القاعدة الرابعة: لا تثق بأي شخص له أدني علاقة بألعاب الواقع. حين يشارك المرء في عمل مثل هذا فهو إما غبي أو عديم الضمير أو مزيج من هذا و ذاك

 

القاعدة الخامسة: لا تطيل النظر الي ضحيتك. العاب الواقع صعبة على النفس فلا تزيدها صعوبة.

 

في نفس الوقت كنت أتحسس أخبار أكرم بكل سبيل ممكن. لقد علم البرمجة لنفسه بنفسه، ثم لم يلبث أن انتبه إليه أحد العاملين بالشركة و تم تعيينه كمبرمج بمرتب ضخم. في الواقع لقد كان مرتبا ضخما مقارنة بما كان يحصل عليه في منصبه القديم كمسئول صيانة، إلا أنه أقل بقليل من الكثيرين الذين هم أقل منه كفاءة، فقط هم من طبقة الأثرياء. لابد لمن هم من طبقة الأثرياء من مرتب أعلى من الفقراء حتى لو قاموا بنفس العمل. في هذا المجتمع يفكر الأثرياء في أنفسهم على أنهم نوعية من البشر تختلف عن الفقراء، حتى إني لا أستبعد أن يكون بعض الأثرياء يتمنون لو تختلف الصفات التشريحية للأثرياء عن الفقراء، كأن يكون لهم مثلا ثلاث رئات و للفقراء رئة واحدة.

ثم لم يلبث أن عرفت أن أكرم قد فقد عمله. لقد طُلب منه أن يشارك في برمجة موقع عملاق مخصص لأحدى المطربات، لصالح مجموعة من عشاق هذه المطربة. بالطبع الموقع سيمتلئ بصور المطربة المذكورة و التي لن تكون آية في الاحتشام كما يمكن لأي معاق ذهنيا رأي المطربة المذكورة و لو مرة واحدة أن يستنتج. بالطبع اعترض أكرم على هذا – لا أستبعد أن يكون قد قام بإلقاء مديره من النافذة حين طلب منه العمل في هذا الموقع. النتيجة هي أنه قد تم رفده.

تكررت هذه الحادثة مع شركات أخري، لأسباب مختلفة يمكن تلخيصها في كلمة (مبادئ أكرم)”. هذا شيء لا أستغربه، ففي هذا المجتمع يصبح ذوي المبادئ أشبه بمرضي الجذام، مطاردين من المجتمع، و لا مكان لهم سوي الجانب الفقير من المدينة حيث يذوون في الظلام.

الآن يعمل أكرم بصورة متقطعة مع بعض الشركات التي تستغل حاجته و تعطيه أجرا لا يذكر.

 

في هذه الفترة طرأ على تغير هام، فقد توقفت عن الصلاة لأول مرة في حياتي منذ أن بدأت الصلاة بانتظام و أنا طفل. كنت و قد اخترت مهنتي الجديدة أشعر انها تتناقض بشدة مع الصلاة و كل ما يمت للدين بصلة. دعك من أني صرت أشعر أني أُثقل نفسيا بالصلاة الي درجة رهيبة. صارت الصلاة أصعب مما يمكن لأي شخص أن يتخيل.

كانت هذه هي البداية، بعدها توالت الألعاب و صرت أرتفع من مستوي الي ما أنا عليه، ملك الألعاب غير المتوج. شعبيتي خارقة و ثروتي لا تحصي و.

 

خرجت من شرودي و ذكرياتي على صوت جرس الهاتف. انتفضت حتى أني كدت أقفز من مكاني، فلقد كنت مستغرقا بعمق في أفكاري.

 

قفزت الي الهاتف و رفعت السماعة:

 

-"من المتحدث"؟

-"إنه أنا رفاييل. كيف حالك يا خالد؟

 

تنهدت بعمق و قلت:

 

-"أنا بخير حال".

-"لا تبدو لي بخير على الإطلاق. هل أنت مريض؟

-"كلا. فقط أنا... لم أحظي بكفايتي من النوم".

-"كنت أريد أن أقابلك لأرتب معك للمعركة القادمة".

 

تردد قليلا ثم أضاف:

 

-"إن كنت متعبا فيمكننا أن... "

-"لا لست متعبا. يمكنني ان القاك اليوم في المساء".

-"حسنا، سأنتظرك في مكتبي في الثامنة".

-"كلا، فليكن اللقاء في أي مكان بعيدا عن المكتب. أريد أن أبتعد عن كل ما له علاقة بالعمل و الرسميات".

-"لا بأس، فلنجعله في منزلي إذا".

-"حسنا، سأمر على ك في الثامنة مساء. الي اللقاء".

 

لكم أتمنى أن ينتهي هذا اليوم...