أسرعت فى خطواتى . قفزت درجات السلم ، لأبلغ فيصل مصيلحى بالنبأ الذى نشرته الصحف : حسن البنا قتل فى أثناء خروجه من مبنى جمعية الشبان المسلمين .
اكتفى بالقول وهو يتطلع من الشرفة المطلة على شارع التتويج :
ـ أعرف ..
هل كان يتوقع ما حدث ؟
قال :
ـ ما يحيرنى أن الأستاذ البنا أصدر بياناً هاجم فيه قاتل النقراشى ..
حدجنى بنظرة جانبية :
ـ لماذا دفعوه إذن إلى إصدار البيان ماداموا قرروا قتله ..
قلت :
ـ قتله الإخوان عندما وضعوا حقيبة المتفجرات فى مبنى محكمة الاستئناف ..
وهو يهز رأسه :
ـ أضعف إبراهيم عبد الهادى الإخوان المسلمين لصالح الوفد .
قلت :
ـ الحمد لله أنك أفلت من الاعتقال
ـ أنا واحد من نصف مليون عضو فى الإخوان ..
وعلا حاجباه فى تساؤل مستغرب :
ـ من الصعب أن يقتلوا كل هذا العدد !
ثم بصوت خفيض :
ـ لا تنس أنى استقلت من الإخوان منذ مقتل النقراشى !
أذهلتنى البساطة التى تحدث بها عن استقالته ، كأنه لم يكن ذلك العضو الذى يطبع المنشورات ، ويحتفظ بها ، ويخفى ما يفعل .
كان يتابع حملات الاعتقال ، والمصادرات . تتبدل ملامحه بتوالى متابعتنا للأخبار . يحاول كتم ما يعانيه من خوف . يجرى بلسانه على شفتيه ـ بعفوية ـ كمن يتذوق العطش . يعلو صوته ليقضى ـ هذا ما أتصوره ـ على القلق فى داخله ..