فصل ـ 17 ـ

18 0 00

 واصل تقليب جواز السفر ، كأنه يتأكد من أنه حصل عليه . غمغم بكلمات غير واضحة ولا مترابطة ، وإن عكست الفرحة فى داخله ..

قلت :

ـ هل هذه هى المرة الأولى التى تحصل فيها على وثيقة سفر ؟

 ـ عندما قدمت إلى مصر اكتفيت بتجديد الإقامة ..

لاحظ دهشتى من أنه استخرج الجواز للمرة الأولى . ألم يغادر مصر طيلة تلك السنوات ؟

 حدثنى عن رحلته الوحيدة خارج مصر ، بعد ثلاثة أعوام من استقراره بالإسكندرية . سافر إلى الشام ليلتقى بأفراد من رحلة النفى . أعياه النبش بأصابعه فى كومة القش . تحدد الموطن فى الإسكندرية ، لا يغادرها .

شرد بنظره إلى نقطة غير مرئية :

ـ لم أفكر فى أنى قد أعود إلى أرمينية ..

ثم وهو يدنى فنجان القهوة من فمه :

ـ أريد أن أحتسى هذا الفنجان هناك ..

قلت :

ـ هل نسيت المذابح ؟

 ـ إذا استعدت الماضى فأنا أخلصه من كل الذكريات السيئة !

حدثنى عن رسالة من أرمينية . جميل أن أجد ـ بعد هذا العمر ـ من يراسلنى . عد إلى الوطن لتقضى فيه ما بقى من حياة ..

يسلمه الشرود إلى الحياة فى أرمينية ، إلى البنايات والشوارع الضيقة المغطاة بالأسقف والكاتدرائيات والكنائس وجبال القوقاز ، والبحر الأسود وبحر قزوين ونهر أراكس وبحيرة سيفان وجبل أرارات ، سقف العالم ..

ـ هو إذن يعرف أنى فى لحظات النهاية ..

ـ لك طول العمر . أثق أنهم يحنّون إليك مثلما تحنّ إليهم ..

قال :

ـ أفكر فى العودة إلى أرمينية ..

ـ لماذا ؟

 ـ هذا أفضل ..

ـ كنت ترفض العودة إلى الحكم الشيوعى بعد انضمام أرمينية إلى الاتحاد السوفييتى فى 1922

ورمقته بنظرة مستفهمة :

ـ ما أعرفه أن الأمور لم تتغير ..

ـ ليس صحيحاً . آلاف من المهاجرين عادوا إلى أرمينية فى السنوات الأخيرة ..

ـ لماذا ؟

 وهو يشيح بيده :

ـ لماذا .. لماذا .. ربما لأن الأوضاع تغيرت ..

ثم فيما يشبه الضيق :

ـ أنا أرمنى ، ولست سوفييتياً !