كنا نطل ـ من وقفتنا داخل الحجرة ـ على صدام المتظاهرين والجنود . اصطف العساكر على مفارق الطرق . حاصروا المظاهرة ، وتقدموا فى اتجاهها . انقضوا بالعصى والسيور الجلدية . اختلطت الهتافات والضربات والبروق والصواعق والبراكين والصرخات الوحشية ..
صرخت نورا بما أخافنى . كأنها تواجه الموت ..
لم ألحظ كيف سقط الشاب ، لكن العسكرى أهمل الأنين والحركات المتشنجة . واصل الضرب بدبشك البندقية حتى هدأت حركة الشاب تماماً ، كأنه مات . أدارت نحوى ملامح مستغيثة .. قهرها الخوف ، تصورت موت الشاب قد انتقل إليها . احتضنتنى . دست رأسها فى صدرى ، كأنها تريد أن تدخل جسمى . أحسست صدرها وهو يتنفس فى صدرى . مسدت أصابعى شعرها وعنقها وكتفيها وذراعيها . اقتربت شفتاى من شفتيها . تظاهرت بالرفض ، وإن بدا القبول فى إغماض عينيها ..
قالت ـ فى صوت مرتعش ـ إنها أحست بتكسر عظامها ، والعسكرى ينهال على الشاب بدبشك البندقية ..
تخليت عن قرارى فى أن أرجئ مصارحتى بمشاعرى قبل أن أتأكد من أنها تبادلنى المشاعر نفسها . حلقنا فى أفق المينا الشرقية . شيدنا القصور على السحب . سرنا فوق الماء كما المتصوفة . راقصنا عرائس البحر فى الأعماق البعيدة . انتشينا بالسحر والأسطورة . بدت الجنة متاحة فى الدنيا .
سرقتنا اللحظة . لم ألحظ متى تراخت ذراعاها ، ولا كيف تغيرت ملامحها ، وغلب الشرود على نظرتها ، كأنها لا ترى ما تتجه إليه عيناها ..
غلبنى شعور بالارتباك :
ـ كنت أظن أنك لا تعنين بفكرة الخطيئة ؟
أدركت سخف ما قلت ، فتمنيت أن أعتذر ..
أحيا معها بمشاعر موزعة بين العاطفة والرغبة . لا أدرى متى ، ولا كيف تحل اللحظة التى تجتذبنى . أحلق معها فى سماوات لانهائية الآفاق ، تتناغم فيها أصوات الشفافية والسحر . أشعر ـ فى لحظات تفاجئنى ـ أن ما أطلبه هو جسدها ، لا شأن لى بآرائها ، ولا رسالتها الجامعية ، ولا حتى بالدكتور جارو والخواجة أندريا . الجسد هو المطلب الذى أتوق لملامسته وعناقه . أركز فى الجسد الذى تخفيه ثيابها . أتصور علاقة تبرق فيها الرعود ، وتشتعل النيران ..
مشطت شعرها بأصابعها ، وعدلت الجونلة ، وواجهتنى بنظرة متسائلة :
ـ هل تظننى مومساً ؟
ـ بل أثق أنك محبة ..
ـ لا أحب أن تنظر لى نظرة الذكر إلى الأنثى ..
ـ لكننا كذلك بالفعل ..
مدت يدها تدير خصلة الشعر :
ـ نحن أصدقاء . هذا يكفى !
أخذت حقيبتها القماشية من على الكرسى . طوحت بها فى الهواء . نقلتها من يد إلى الأخرى . ألقت بها على كتفها . همست بالسلام ، واتجهت ناحية الباب ..