فصل رقم (9)

23 0 00

كانت الأيام تمضي رتيبة على الجبهة الشرقية بعد تدمير الهجوم الإيراني الأخير , ظل حسين ورفاقه يجلسون حول خنادق يتبادلون النكات , كان حسين في كل صباح ينظر إلى العلم الذي يقف متحديا في الموقع ويتمنى لو كان احمد صديقه معه ليرى مدى شجاعة صديقه , كان شخصية محبوبة بين الجنود ،ظل يحكي لهم عن السودان وبلغت به الجرأة واخذ يحكي لهم مغامرات وهمية مع الوحوش في غابات إفريقيا والتماسيح في النيل ،ظلت قصصه هذه تجدد روح المعنوية بين الجنود وتخرجهم من دخان القذائف ورطوبة الخنادق الخانقة .


مضى أسبوع على رسالته الأخيرة إلى السودان وهو يتساءل "هل يا ترى ستصل في الوقت المناسب وهل سيتمكن صديقه حضور حفل زواجه؟" , كان يعد الأيام المتبقية عداً حتى جاء ذلك اليوم المشهود، قصفت المدفعية الإيرانية الموقع بشراسة واشتعلت النار في كل المواقع وتوالت القذائف تباعاً تحصد الأرواح والأطراف وصيحات الجنود تصم الأذان اندفع حسين نحو الخندق شعر بجسم يرتضم ببطنه بقوة ،جعل الألم يجتاح كيانه , أنهار على حافة الخندق والدم يملا فمه ودوي القذائف يترامى على إذنه كأنه قادم من واد بعيد ،نظر إلى موقع العلم بعينيه المحتضرتين , وهو لازال صامدا ًيرفرف وسط زوابع الغبار بنجماته الثلاث أنهار وقد اجتاحت الآلام جسده كله، نظر إلى العلم وابتسم وردد في نفسه الراحلة "ألا ليت احمد كان هنا ليرى كيف احمل الابتسامة للموت واني أيضا لا اخشى الموت , سأموت في الدفاع عن تراب وطني , ستحرر روحي و تصعد في الفضاء الرحيب وتذهب حيث تشاء إلى السودان إلى النيل وتشرب منه منه مرات ومرات " كانت هذه الأفكار تدور في ذهنه وهو مسجي على الأرض وقد صمتت المدافع وأغلقت أبواب الجحيم ولازالت تتداعي اليه أهات رفاقه الجرحى , وخيم الظلام على الموقع عندما حضرت سيارات الإسعاف لإجلاء الجرحى والشهداء , كان هناك وجه مألوف يحدق فيه في أسى ، يبدوا انه وجه صديقه عصام،الطبيب في السلاح الطبي العراقي "يا لمحاسن الصدف كان صديقه عصام آخر من شاهده في وداعه الأخير للدنيا الفانية ".