فصل رقم (4)

23 0 00

كان الهدوء يسود شوارع الخرطوم في ذلك الوقت المتأخر من الليل .. والصديقان يسيران في الشارع الإسفلتي الخالي إلا من السيارات التي كانت تمر في فترات متقطعة ، كانا يسيران صامتين .. لم يكن هناك داعي للكلام ..فقد استنفذا كل طاقتهما في الرقص ، كما كان لنسائم الليل فعل السحر على إدارة الخمر الذي احتسياه بكثرة في رأسيهما ،حانت من احمد التفاته إلى صديقه الذي كان يمشي متعثرا و لأول مرة يلاحظ الحقيبة الصغيرة المتدلية من يده ،هذه الحقيبة العجيبة التي تحوي جواز السفر و الأوراق الهامة ،كانت الإضاءة خافتة في ذلك الزقاق الذي انعطفا عليه .. فجأة ظهر من على بعد ظلين لرجلين، تسمر الصديقان في مكانهما وأخذا يحملقان في الرجلين اللذين ظهرا في مقدمة الشارع

-من هؤلاء

 قالها حسين بتوجس وهو يقبض حقيبته الصغيرة بشدة

- في غالب الأمر قطاع طرق لقد اعتدت على هذا النوع من اللقاءات.

_ ماذا تقول !!قطاع طرق هيا بنا نهرب .

- نهرب !! لا يا عزيزي.

- أنا اعرف انك شرير و متوحش وليس هناك داعي لتثبت ذلك.. دعنا نرجع

- والله لن تقول العرب رجع

قال احمد ذلك وهو يتجه بإصرار في اتجاه الرجلين و صديقه يحاول إيقافه .

- يا احمد أنت لا تعلم .. أنا لا أخشاهم و لكن في حقيبتي جواز السفر إذا أخذه هؤلاء سيسبب لي متاعب لا حصر لها هناك..

- لا عليك . دعهم لي .. اختبئ خلفي

كان يقول ذلك و المسافة قد بدأت تضيق تدريجيا ، اندفع احمد نحو أطولهم و رفسه في صدره .. طار في الهواء وسقط وهو يتحشرج يبدوا أن إضلاعه تهشمت و كان الرجل الثاني قد اخرج مطواة و اخذ يقترب من حسين وهو ينظر إلى الحقيبة الصغيرة المنتفخة المتدلية من يده .. استدار له احمد و رفسه في ظهره طار الرجل و اصطدم بالحائط و سقط على الأرض وقد تغطى وجهه بالدماء بلا حراك ..يبدو أن دروس الدفاع النفس التي يتلقاها في نادي الخريجين أتت أوكلها.. صرخ حسين في فزع

- ما هذا . قتلته .. قتلته !!.

- دعك منهم هيا بنا نهرب قبل أن تأتي دورية الشرطة

 اندفع الصديقان راجعين من الزقاق المظلم و قد لمحا دورية الشرطة تقترب من الطريق المقابل .. ظل الصديقان يركضان لمسافة طويلة .. وتوقفا أخيرا. يلهثان ... التفت حسين إلى صديقه قائلا

- قتلته اجزم بذلك.


التفت احمد إلى صديقه بحدة ووضع يديه على أكتافه و أداره نحوه وهو يحملق في عيني صديقه بتحدي و قد تلاحقت أنفاسه

- لم اقتلهما بعد.. اسمع يا صديقي أنا اعرف انك إنسان مسالم لكن في معارك كهذه إن لم تقتلهم قتلوك .. قتل قطاع الطرق هؤلاء احد أقاربي منذ أعوام مضت ، يجب أن ننسى العواطف في ظروف كهذه .. الم ترى انه كان يريد ذبحك بالمدية .. وتمتلئ الصحف غدا بنبأ وفاة طالب عراقي في ظروف غامضة الشيء الذي قد يخلف أزمة سياسية بين بلدينا .. أنسى يا صديقي تخيل انك كنت تحلم بكابوس مزعج.


هز حسين رأسه وقد هدأت أنفاسه

- جواز السفر!!

- اعلم ذلك. ضياع جواز سفر مواطن يعيش بلاده حالة حرب مزمنة . سيتهمونك ببيعه على الأقل

- لن اذهب معك إلى أي مكان مرة أخرى !!

- لماذا؟ هل أنت خائف علي إلى هذا الحد ؟ أردت أن اكسر روتين الحياة الرتيب .. المغامرة تعطي الحياة رونق أم انك ترى شيئاً أخراً .

- لن استطيع أن أفهمك إطلاقا ولو أنفقت عمري كله في دراستك أيها الوغد المتوحش

- لا داعي لذلك. إني هين تستخفني بسمة الطفل الغرير قوي أصارع الأجيال .. لننسى كل هذا ونلتمس طريق آخر غير هذا الطريق الذي يقع فيه بيت السفير الأمريكي، انه يثير أعصابي

كان الصديقان قد شارفا بيت السفير الأمريكي عندما قال احمد ذلك و انعطفا إلى شارع النيل الذي يمتد بجوار النيل ويقود إلى مساكن الطلاب .. ظلت خطوات الصديقان تقرعان شارع الإسفلت و هما يبتعدان من بيت السفير وقد استغرق كل منهما في أفكاره الخاصة و هذه عادة يلجأن إليها لدفع الإحساس بالتعب و قتل الوقت .. خاصة أن هذا الطريق قد سلكاه مرارا ... قطع حسين حبل الصمت و التفت إلى صديقه قائلا

- إن وقع خطواتك الواثقة على الأرض يذكرني بخالي حسين التفت احمد إلى صديقه الذي غمره الأسى

- خالك حسين !!.

- عندما كنت اجلس للمذاكرة في القاعة التي تأتي إليها أنت كان وقع خطواتك الواثقة يذكرني بخالي حسين . كان له نفس وقع خطواتك الواثقة .. كنت أتأمل قوامك الفارع و وجهك الشاحب الذي يشبه وجه المسيح .. كنت تشبه خالي تماما حتى في طباعك الساخرة عندما تنكل بي .

نظر احمد إلى صديقه في دهشة للنغمة الحزينة التي غمرت كلامه . كانت تشوبها المرارة . ردد احمد و لا زالت وقع خطواتهم تقرع الأرض ممزقة السكون المخيم على المدينة

- ماذا اعتقد أنها مأساة أخرى

تنهد حسين وردد في أسى و هو ينظر ساهما في الطريق الممتد

-أنها قصة طويلة من تلك الذكريات المؤلمة التي يثقل بها كاهلي حدث ذلك في عيد عاشورا ء منذ عدة أعوام مضت ،نزلنا أنا وأمي إلى مدينتنا النجف كانت تغمرني السعادة

سنلتقي اليوم في بيت جدي بخالي حسين الذي سميت عليه، كنت انظر من نافذة السيارة و هي تشق طرقات النجف الهادئة بفضول طفل من بغداد يزور الضواحي لأول مرة كانت الشوارع تغطيها زينات العيد و الشرائط الحمراء و الصفراء و صور الرئيس .. قيل أن الرئيس سيزور النجف هذا العيد ، في بيت جدي رأيت خالي لأول مرة كان لا يشبهني قط .. طويل القامة بصورة مذهلة له عينان نافدتان و جسد ضامر كالغزال و شعره الأسود الكثيف مرجل بصورة ثائرة تجعله أشبه بالنار المشتعلة .. انف مستقيم شامخ و فم مطبق بإصرار . كان يشبه تصوري للمسيح بن مريم .. تأملني خالي بعينين ساخرتين . و نظر إلى أمي مرددا في استهزاء

- ما هذا الذي جئت به من بغداد؟!.. انه أشبه بكيس الحنطة

نظرت أليه والدتي معاتبة

- لا تجرح مشاعره لقد حضر ليزورك

ابتسم خالي في رفق و ردد

-ابنك يشبه أهل أبيه في بابل و طبق الأصل من أطفال بغداد عبارة عن كتلة من اللحم والشحم . أما كان عليك أن تجعليه انحف قليلا.


لم استاء من اهانة خالي،كنت نفسي اكره جسدي المكتنز الذي كان مثار سخرية كل من يراني . لقد اعتدت ذلك .. على العكس نظرت إلى خالي بإعجاب شديد و فضول لا يقاوم .. انتهى الاستقبال و تعودت على منزل جدي ،ظللت كلما استيقظ في الصباح اندفع نحو حجرة خالي و أطارده طوال اليوم بفضولي الطفولي و هو ينتقل من حجرة إلى أخرى بخطواته الواثقة ،كان يلاحظ ذلك و لم يأبه بي ، استسلم لمطارداتي و لكن بحدود عندما يخرج يوقفني عند الباب و ينهرني بأنه يجب علي أن أعود ، أحيانا عندما أضايقه بمطاردتي يصرخ في وجهي " لا بد انك في المخابرات ".. كانت والدتي تضحك كثيرا و تنظر إلى خالي في سخرية و تجيبه باني عندما أصبح كبيرا ستجعلني اعمل في المخابرات مع زوج عمتي .


في يوم العيد كانت المدينة قد لبست حلة زاهية و استعدت لاستقبال موكب الرئيس ، كنت اجلس أمارس هوايتي المفضلة و هي استخراج صور الرئيس الملونة من المجلات والصحف القديمة و الاحتفاظ بها لأعلقها في حجرتي .. خرج خالي بسرعة لم ألفها فيه من قبل كان بادي التوتر ثم حضر ومعه حقيبة و دخل غرفته الخاصة ووضعها هناك و خرج مرة أخري ، كان وجهه متصلب أكثر مما يجب كأنه عازم على أمر جلل ،عدت مرة أخرى العب معه لعبتي المفضلة المطاردة .. لمحته يحمل المنشفة و عرفت انه سيذهب إلى الحمام و عندما حمل الحقيبة عرفت أن الأمر لا يعدو الاستحمام ،دخلت الحمام خلسة و اختبأت في كومة الملابس المتسخة المعدة للغسيل .. و صرت أرى بأذني فقط سمعت خطواته الواثقة تقترب من الحمام و دخل وأغلق الباب بإحكام .


أزحت الملابس عن عين واحدة و نظرت، عرى خالي نصفه الأعلى و بانت عضلاته المفتولة و صدره العاري و اخذ يحمل أشياء غريبة من الحقيبة و يربطها على جسده .. كانت أجهزة غريبة، ظل يقوم بعمله ببطء و حذر انتهى من عمله و نظر إلى نفسه في المرآة و تنفس الصعداء ارتدى ملابسه بحذر وانصرف .. خرجت بعد مدة كافية خلفه كانت أمي تجهز طعام الإفطار تنوه خالي على الإفطار، جلست على المائدة و باشرت في تقطيع و تجميع صور الرئيس ارجع خالي الحقيبة إلى حجرته.. علا صوت هتافات الجماهير في الشارع .. وصل موكب الرئيس .. خرج خالي من حجرته و اندفع بخطوات واسعة نحو الباب الخروج ،نادته أمي من المطبخ

- يجب أن تعود سريعا ..الإفطار جاهز .

أجابها وهو في الخارج بأعلى صوته حتى يطغى على هتافات الجماهير

- كلا لن أعود ثانيتاً .


خرج خالي وأنا انظر إليه من خلال النافذة .. اندس وسط المواطنين . كان الخروج لاستقبال الرئيس عبء رسمي واجب على كل فرد و يعفى من ذلك كبار السن و الأطفال و المرضى ، كان المواطنون يرددون الهتافات التي لا روح فيها و يوزعون ابتسامتهم الصفراء الجنائزية على موكب الرئيس، شاهدت خالي يندس بين الجموع و اختفى عن ناظري و عدت إلى صور الرئيس

لعلع صوت الرصاص .. ثم دوى انفجار هائل اهتز له المنزل . و تحطم زجاج النوافذ و استمر إطلاق نار متقطع وعم الصراخ و الهرج في الخارج .. خرجت والدتي من المطبخ و مسحت الحجرة بعينيها المذعورتين بحثا عن خالي .. انفتح الباب الخارجي بقوة و دخل احد الصبية من أبناء الجيران و قد تقطعت أنفاسه و وجهه المرعوب مغطى بالغبار نظر إلى أمي و صاح

- لقد فجر حسين نفسه!


انهارت أمي باكية و أخذت تصرخ وتولول لم افهم ماذا قال الصبي لأول وهلة و لكن أيقنت أن خالي هو سبب الانفجار الذي دوى في الخارج ..جلست والدتي تندب كل من مات من أهلنا الشيعة منذ موقعه الجمل .. و منذ وعيت على الدنيا لم أرى والدتي من غير دموع .. كانت دائما تبكي .. و أنا انظر إلى أمي التعسة سمعت الخطوات الواثقة تقترب من الحجرة التفت ناحية الباب .. لمحت خالي حسين بجسده الأثيري المغطى بالدماء .. جلس جواري وأنا أحدق فيه كالمشدوه .. وانظر إلى أمي التي كانت تردد أنه لن يعود أبدا . وأنا أراه جالسا في كرسيه جواري و لازال طعام الإفطار أمامنا لم يمس ،تنهد خالي ونظر إلى أمي "أنها لن تراني .. لا يرى الشهداء ألا الأطفال اللذين لم يتلوثوا بالجنس بعد.."


نظرت إلى خالي المضرج بالدماء في دهشة و أردف

-لا تندهش .. طلبت من السماء الانتظار حتى أودعك و اعتذر لك عن ما بدر مني في يوم لقاؤنا الأول..

ابتسمت وأنا أتأمله بجسده الذي تغطيه الدماء وهو يحدق في بعينيه النافذتين .. نظر إلى قصاصات الصور بين يدي و اكتسى وجهه بالغضب الشديد و ردد

-لماذا تجمع صور الرئيس؟

أجبته في فخر

- أنا أحب الرئيس ... والدي يحب الرئيس .. كل الناس تحب الرئيس و يقضون الساعات الطوال في جمع صوره و تعليقها على جدران منازلهم .

بان الامتعاض على وجه خالي و تفرس في بحدة

-هل تحبني أنا أيضا؟

قلت بانبهار

-احبك أكثر من نفسي يا خالي العزيز.

ابتسم بصعوبة وردد

- إذا اسمع رأيي في الرئيس .. أنا امقته كما امقت الشيطان نفسه.

صدمني قراره المفاجئ .. و أنا اعرف أن الموتى دائما على حق .. كان خالي الشخص الوحيد الذي صادفني خلال حياتي المحدودة الذي قد اقر بكراهيته للرئيس علنا .. حفرت كلماته في نفسي أخاديد لا تمحي .. ثم أردف

- انظر إلى الدماء التي تغطي جسدي .. قتلني رجال الرئيس بالرصاص .. بعد كل هذا .. هل تحب الرئيس؟


انتابني شعور بالغضب المدمر عندما عرفت أن الرئيس هو الذي تسبب في موت خالي و في ثورة الغضب مزقت كل الصور أمامي، اندفعت أمي نحوي في خوف شديد و جمعت القصاصات الممزقة وهي تنظر إلى الباب حتى لا يدخل زائر غير مرغوب فيه ويرى صور الرئيس الممزقة. ابتسم خالي في ظفر و أشار بيده الدامية نحو الصورة الفخمة التي تزين جوار قاعة الطعام ذات الإطار المذهب ويبدو فيها الرئيس في أوج زينته ،نهضت و حملت طبق الطعام وهويت به على الصورة ..


سقطت على الأرض تناثر الزجاج و تلوثت بالطبيخ صرخت والدتي رعبا و هي تركض خلفي من حجرة إلى حجرة و أنا اهوي على صور الرئيس تكسيرا و تمزيقا . و لأول مرة خلال تاريخها الطويل صفعتني أمي بقوة ناجمة عن الرعب الذي طغى عليها من تصرفاتي الغريبة

- لماذا تمزق صور الرئيس ؟؟

رددت بنفسي نغمة خالي المتشفية .

- لأني امقته كما امقت الشيطان نفسه..

انهارت والدتي على الأرض باكيه و عدت اجلس مع خالي .. رمقني خالي بإعجاب و ردد

-حسنا فعلت .. إني منصرف الآن .. تعال لزيارتي في عاشوراء من كل عام

رددت في أسى

-سأفعل يا خالي

نهض و سار بخطواته الواثقة وعند الباب التفت ألي ونظر إلى أمي في إشفاق

-اذهب وواسي أمك .. اخبرها انه لا داعي للحزن .. يجب عليها أن تتعود على ذلك .. رحل نصف أهلنا بهذه الطريقة.


ومنذ ذلك اليوم كنت أعود إلى النجف في يوم عاشوراء كان خالي يستقبلني بجسده الاثيري المخضب بالدماء ونظل نمرح سويا و والدتي تنظر ألي كالمعتوه حتى جاء ذلك اليوم الأغبر بعد أربع سنوات . كان الحلم مشوشا قبيحا حلمت بالأرملة اللعوب مستلقية عارية على أريكة في بيت عمتي كان زوج عمتي يقف جوارها منتصبا كما رايتهما المرة السابقة .. دخلت إلى المطبخ وحملت سكينا حادا وعدت لأجد حجمي تضاعف حتى غدوت بحجم زوج عمتي والسكين في يدي .


واشتبكنا في معركة شرسة .. كانت المرأة تضحك في جزل إذ كان هناك رجلين يقتتلان من اجلها .. طعنت زوج عمتي في قلبه أرديته قتيلا سقط على الأرض و هو يخور كالثور و همد جسده إلى الأبد واتجهت نحوها و هي تنظر ألي في لهفة أغمضت عيني وهويت بالسكين أمزق جسدها و هي تضحك ضحكاتها المجنونة حتى نفقت تماما وكان لذلك لذة مميتة جعلني استيقظ واجد نفسي مبللا و في حاله يرثى لها و لأول مرة في حياتي و كان ذلك أبشع يوم يمر علي .. حين تعلم انه عند الشيعة بحكم تربيتنا الدينية الملتزمة نخاف من النجاسة كما نخاف من الأسد .. لن أرى خالي بعد اليوم تلوثت بالجنس المحرم . و قد كان ذلك فعلا ..


عندما سافرت إلى النجف يوم عاشوراء في العام الذي شهد حضوري إلى السودان لم أراه ،سمعت صوته كأنه قادم من وادي سحيق .. و وقع خطواته الواثقة لا هنا ولا هناك يبدو بعيدا كأنه راحل صوب السماء .. كنت أغلق جميع نوافذ البيت حتى لا يأتي الضجيج من الخارج و اسمعه بوضوح .. صرخت لخالي بأعلى صوتي باني ذاهب إلى السودان .. ترامى صوته من مكانه البعيد " اذهب ببركة الله ..السودان والعراق انعكاس مرآة..فقط اتبع إحداثيات التاريخ.. وداعا . جئت لأودعك . انتهت المهلة لتي أمهلتني لها السماء"..


أردفت لخالي باني لم اخبره في الماضي إني قد قمت بتمزيق جميع صور الرئيس في غرفتي في بغداد ، ضحك خالي وترددت ضحكته في الأبدية" حسناً فعلت " .


وكما ترى اليوم أني أسير معك في هذا الطريق المقفر ولا اعرف إذا ما عدت إلى النجف يوم عاشورا ساجد خالي أم لا.

كما أحيطك علماً بالظروف والملابسات لموت خالي كما عرفتها لاحقا كان يتقدم بين الجموع المحتشدة بإصرار نحو موكب الرئيس حتى غدا قاب قوسين أو أدنى , كانت هناك ثلاث أمتار حاسمة , فضحه الإصرار الذي كان يكسوا وجهه ممزوجاً بالغضب المتراكم في داخله , أطلق عليه الحراس النار تفجر خالي وتناثر في الفضاء ..قتل معه زهاء ثلاثون شخص من أهل النجف عمت الفوضى المكان واستمر إطلاق النار على جموع الموجودة هناك سقط خمسون آخرون , وانتهى العيد في ذلك اليوم بكارثة وغرقت المآتم المدينة وانصرف موكب الرئيس تاركاً المدينة غارقة في الأحزان , أحزان الشيعة التي لا تنتهي .


ولج الصديقان من بداية البركس وقد استغرقهما الصمت مرة أخرى وعند أسفل المسكن التفت حسين إلى صديقه

- مأساة خالي أنستني موضوع هام كنت أود محادثتك فيه

نظر احمد إلى صديقه في دهشة

- انه بخصوص صديقتك حنان , أنها توجه لي اهتمام غير عادي لم استطع لم استطع!!

- لم تستمع ماذا ؟ ... تحدث أنا منصت

- لم استطع أن اخبرها بأنه لظروف كثيرة لا يمكني أن أحبها فالحب ليس تضيع وقت , كما أنا اعرف انك تحبها .

- فهمت يا حسين

قالها في الم شديد , ثم واصل صديقه وقد اعتصره الألم

- لاحظت ذلك من قبل أن تقوله لي , كنت اشعر أنها في الآونة الأخيرة تجاملني فقط وتحبك أنت

أغرقت عينا حسين بالدموع وهو يحدث في صديقه ورد في حسرة

- علاقة مثل هذه سببت لي خسائر كبيرة في الماضي

- ماذا؟!

- تمزق قلبي , وامتلاء جسدي بالرضوض والدماء من جراء ذلك وأنا لا أريد تكرار التجربة..

وضع احمد يده على كتف صديقه في ود , بينما كان حسين يحملق في احمد لمساندته


- لا عليك , لننصرف الآن , وغدا سوف أقابلها واشرح لها كل شي , وسأقضي على نفسي وعلى حلمها الجميل كان هذا آخر الكلام وافتراق الصديقان كلا إلى حجرته وبدون وداع , كانا يرزحان تحت وطأة الأفكار التي تتزاحم في رأسيهما وفي تلك الليلة ظل احمد مستيقظاً يحملق في سقف الحجرة "هل كان لابد أن يخبرني حسين بشيء كنت اعرفه أم انه شعر بالآلام التي أعانيها , إن حسين هذا شخص يخيفني , كيف يقرا أفكاري وحنان التي أحببتها طوال هذه السنين , انطفأ هذا الحب أم أنها تحت تأثير السحر والغموض اللذان يشعان من صديقه ".. أخبرته جدته في الماضي , ان الغموض يستهوي النساء , ويجعل الرجل أكثر جاذبية ،شرط أن لا يكون مفتعلاً , حسين الغامض المثقل بالإحزان , وقصة خاله الغريبة والمؤثرة كل هذه الأشياء تبعث على الحيرة ، "غداً سوف اخبر حنان بان حسين لا يحبها وليكن ما يكون , ظلت هذه الأفكار المتضاربة تدور في رأسه حتى تعالى آذان الفجر ".