أعلنت المضيفة العراقية في مايكروفون الطائرة للركاب عن وصول الطائرة إلى مطار بغداد الدولي .. فتح احمد عينيه وتثاب واخذ ينظر حوله في دهشة، نسى أين هو الآن ،لقد هبطت الطائرة بسلام وبدا المسافرون في النزول، عند السلم نظر احمد إلى المدنية النائمة على الأفق " إذا هذه بغداد المدينة الأسطورية , لطالما نسج احمد لها في مخيلته صورة غامضة مما قراه عنها خلال دراسته في المدارس الابتدائية وكانوا يرددون" بغداد يا بلد الرشيد ومنارة العهد التليد" وعما كان يحكيه حسين عنها وكان يصورها كمدن ألف ليلة وليلة , حيث بساط الريح والقصور التي تحيط بها الحدائق الغناء , ظلت هذه الأفكار تدور في رأسه على سلم الطائرة , دخل صالة المطار الفخمة والذي كانت أنواره تتلألأ كحبات اللؤلؤ.
انتهت إجراءات المطار وخرج إلى باحة المطار واستغل سيارة أجرة وانطلق إلى المدينة الغامضة , كانت المناظر تتوالى من نافذة العربة لعينه كالأحلام , كأنه يمتطي بساط الريح وان التاريخ قد رجع ألف عام إلى الوراء حيث كانت التماثيل تزين الميادين من كل صوب , قرأ في إحدى المجلات إن كثرة التماثيل في مدينة بغداد جعلت البعض يطلق عليها روما الشرق, المدينة تتثاءب مع خيوط الفجر الأولى وليس هناك اثر للحرب الطاحنة التي تدور في ذلك البلد العجيب انعطفت السيارة في شارع مضاء بصورة مبهرة شارع الملاهي " هذا لابد أن يكون شارع أبو نواس كما كان يقول حسين" , ابتسم في أسى ورجع بذاكرته إلى أيام الدراسة عندما اعتاد هو وحسين وبعض الأصدقاء في عطلة نهاية الأسبوع إقامة جلسة أسموها جلسة التداعي الحر , كانوا يتلفون حول زجاجة خمر من العرق السوداني الممتاز، كان الخمر يلعب برؤوسهم ويلتفت إلى صديقه حسين ويعيره بأنه لا يستطيع مضاجعة نملة !!
انه خجول لا يمكنه التعامل مع الفتيات وأن زوجته ستعاني من ذلك مستقبلا، كان يثور ويغضب غضبا شديداً وينهض صاعدا على المنضدة ويزعق فيهم بخطبه العصماء (( أيها الأوغاد،كبرت كلمة تخرج من فمكم، أنا أشرس فرسان شارع ابن نواس حتى أنهم يلقبوني بالديك لفحولتي الشديدة .. اذهبوا إلى بغداد واسألوا صديقي عصام إذا كنتم لا تصدقوني وان سلاحي هذا " وهو يشير إلى ذلك الجزء العزيز من الجسد ويردد مواصلاً خطبته "قادر على تدمير كل المواقع في شارع أبي نواس في بغداد وشارع الهرم في القاهرة وسبعة بيوت في أم درمان "
كان صياحه يملأ البركس آن ذاك حتى أنهم يضطرون لإسكاته بالقوة حتى لا يسمعه الإخوان المسلمين، أولئك المهووسون اللذين نصبوا أنفسهم حراساً للفضيلة , لكنه يظل يسب ويسخط حتى ينام وعندما يستيقظ في اليوم التالي ينكر كل ما قاله في جلسة التداعي الحر , ويقسم قسماً مغلظا حتى انه لم يسكر معهم , كانت هذه الذكريات تطرق نحو عقل احمد المتوجس , والسيارة تنساب في الشارع التي تنطلق منه الضحكات الماجنة، , أغمض عينيه واستسلام للذكريات , تذكر ذلك الموقف المخزن الذي جعل حسين يخبره بأخطر أسراره , كانا يجلسان سويا ذلك المساء وبينهما الزجاجة والكوب , اخرج احمد لصديقه الذي بدأت الخمرة تلعب برأسه شريط كاسيت كانوا قد سجلوا فيه خلسة خطبة صديقهم العصماء المكرورة , سمع حسين الشريط قليلاً , ثم أنهار ودفن رأسه بين يديه وبكى بكاء شديد وقال في أسى" إنكم على حق أني أعاني من هذا الرهاب الجنسي" لم يكن احمد يتوقع أن رد الفعل سيكون بهذه الصورة , ونظر إلى عينا صديقه التين غطتهما الدموع وقد احمرتا بفعل الخمر ردد حسين في أسى وبدا بتداعي تحت سيطرة اللاشعور المثقل بالآلام " في ذلك الزمن الأغبر وبعد رحيل الأستاذ الكردي رزقار الفاجع وسره معه.
جلس والدي يكتب رسالة بصرامة ثم ناولني لها ونزلت معه إلى السيارة وفي الطريق نصحني بنصائحه الكثيرة ان أكون غلام طيب في بيت عمتي وأنها امرأة عصبية لانها لم تنجب أطفال ولا تحب الفوضى , وهناك عند بيت عمتي استقبلوني استقبال الابطال وحياني زوجها بفتور وجلست عمتي تثرثر مع والدي الذي نهض منصرفاً، كأنه بصقني هناك وجلس زوج عمتي يتأملني عن كثب في غير اكتراث , أخذتني عمتي إلى الحجرة التي سوف أقيم فيها في قصرهم المنيف , لقد كانوا من أثرياء الدولة ولكن من غير أبناء , كانت الحجرة مجهزة تماماً كأنها خلقت لي الملابس الأنيقة الكتب الملونة التي أحبها كثيرا وأدوات الرسم, تنفست الصعداء وأنا أدير بصري في تلك الرياش الفاخرة يبدوا أني سأنعم ببعض الهدوء بعيداً عن الزوابع الذي يثيرها والدي وفي الصباح حملت رسالة والدي وذهبت إلى المدرسة الجديدة وبدأت اتاقلم على الوضع الجديد ومضت الأيام رتيبة حتى جاء ذلك اليوم ،عندما انصرفت عمتي إلى السوق وتركتنا في المنزل , كان زوج عمتي مستلقي على الأريكة وهو يدخن سجائره البغيضة، كأنه ينتظر شخص ما .
وبعد لحظات سمعت طرقا خفيفاً على الباب ،نهضت وفتحت الباب , كانت هناك امرأة في مقتبل العمر تقف خلف الباب ،كان لها جمال غجري وجسدها متفجر بصورة خرافية تحت ملابسها السوداء , تبدوا كأنها أرملة أحد ضحايا الحرب اللذين تعج بهم البلاد , سألتني إذا كانت عمتي موجودة، أخبرتها بان عمتي في السوق ونظرت من فوق كتفي إلى زوج عمتي المستلقي على الأريكة يطالع إحدى الصحف المليئة بصور الرئيس وانقضت علي المرأة وأوسعتني تقبيلاً كأني أحرزت هدفا في كاس العالم وأزاحتني جانباً ودخلت وحينئذ استوي زوج عمتي جالساً وذلك البريق المستعر يشع من عينية الماجنتين كان ينتظرها , يبدوا أنها تلك الأمور التي تحدث عادتاً بين الكبار ولا يحبون ان يطلع عليها الصغار ،قذف لي زوج عمتي ببعض النقود وطلب مني ان اشتري له موس حلاقة وعلبة دخان وتسللت خارجاً وأنا اركض في الشارع وعدت سريعاً إلى البيت ولكن للأسف إن زوج عمتي لا يجيد تقدير الزمن، حيث استغرقت رحلة الذهاب والإياب من البقالة إلى البيت خمس دقائق وهي لا تكفي لمضاجعة امرأة , بل أنها لا تكفي حتى للتعري التام , وللأسف الشديد عدت إلى البيت لأجد أبشع منظر رايته في حياتي , زوج عمتي جاثم على المرأة وهو يخور كالثور وقفت في مكاني وشعرت في جسدي رعدة لبشاعة المنظر , انتزع زوج عمتي جسده المشتعل من حضن المرأة ونهض مبهور الأنفاس واتجه نحوي , حيث كان يعاني من التوتر الأخير ملوثا كل شي المناضد والسجاد الفاخر وجلس جواري عاريا وهزني بعنف صائحاً " اياك ان تفعل هذا مع امرأة سوف يحرقونك بالنار .. مفهوم !!" أومأت موافقاً وأنا ارتجف رعباً ،ابتسم لي متشجعا وعيناه الماجنتين تمسحان وجهي البريء " الأطفال الطيبون لا يثرثرون مع عماتهم أو مع أي احد عن هذه الأشياء وإلا سيقطعون ألسنتهم .. مفهوم!!" ولم ادر إلى من يرجع الضمير هم الله وملائكته ام الحكومة، دفعني خارجاً واستدار يرتدي ملابسه كانت المرأة قد ارتدت ملابسها وانصرفت وهي ترمقني بنظرات حانقة ،عادت عمتي الطيبة عند الغروب وهي محملة بالأكياس واللفافات ،نادت علي بصوتها الحاد وناولتني قطع من الفاكهة الطازجة وهي تقلب محتويات الأكياس على الطاولة.
كان زوجها يجلس عن كثب ولا يطيق النظر إلى ناحيتي , جلست عمتي في نفس المكان الذي كانا يتضاجعا فيه ولم تلحظ آثار المعركة التي تلوث المكان وبعد فترة من الزمن نهضت وهربت من نظرات زوج عمتي المتوعدة ودخلت حجرتي واستلقيت هناك على الفراش وأنا استرجع لحظات التوتر المخزي التي انقضت منذ لحظات , تملكني القرف ،ان للخيانة طعمها المر، تلك الأرملة لم تحترم ذكرى زوجها الذي مزقه الرصاص في ميادين الشرف , وهذا الرجل المرموق لم يحترم غياب زوجته لحظة , سمعت خطواته الثقيلة تقترب من حجرتي , دخل الحجرة وجلس جواري على الفراش وظل يحدق في بعينه التي يشع منهم بريق القسوة , كانت له عيناه قاتل محترف واقترب بيده الضخمة وعبث في شعري بود زائف ،تلك اليد الضخمة الدينصورية الشكل كم من الأرواح أزهقتها في السجون والمعتقلات ،تمتم بصوت متوعد وبنبرة تهديد واضحة " كل يوم سأحضر لك الكتب الملونة التي تحبها .. عليك أن لا تثرثر كثيراً مع عمتك " نظرت إليه في احتقار , انه يخشى الفضيحة ليس احتراماً لعمتي فقط بالإضافة إلى خوفه على مركزه الحساس , طمأنته باني لن أتحدث عن هذا الأمر حتى مع نفسي , تنفس الصعداء وانصرف
عادت الحياة إلى رتابتها حيث تذهب العمة إلى السوق وتأتي الأرملة اللعوب ويمارسان اللذة المحرمة بعد أن اخرج وأهيم على وجهي في الشوارع وكنت أفكر في وجه الشبه والاختلاف بين خالي النقي الراحل حسين وزوج عمتي الملوث، كانت المقارنة شبة مستحيلة ،أشبه ما تكون بين المعارضة والنظام الجاثم في صدر البلاد حقباً وأظل انفق الساعات الطوال أدور بين الفيلات الفارهة لأشبع مخيلتي الإبداعية في رسم الزهور والطيور, كنت اتقي أن اجلس أنا الخيانة تحت سقف واحد , وعندما أعود أجد كل شي قد انتهى وعاد الأمر إلى طبيعته ماعدا الإرهاق الممزوج بشعور الذنب الذي يكسو وجهه , ليت الأمر استمر على هذا المنوال ولكن بعد ان اختفت الأرملة اللعوب فجأة من دون أي سبب وهذا سبب له التوتر وتعكر مزاجه , كان يأتي من العمل ويستلقي على الأريكة ويقرا صحفه المجللة بصور الرئيس ويدخن بعصبية ولا حياة لمن تنادي ثم مرضت عمتي فجأة ولزمت الفراش كنا أنا وهو نقوم بأعباء المنزل , رفضت عمتي وجود خادمة تساعدنا في المنزل وذلك لسوابق زوجها الكثيرة مع الخادمات وفي اليوم الخامس لمرض عمتي.
في ذلك الصباح المشئوم، كنت اغسل وجهي في مغسلة الحمام سمعت خطواته خلفي لم اعرها الأمر اهتماماً، التصق بي بجسده المحموم ،صعقتني بالدهشة " هذا الرجل مريض حقاً، كيف يجرؤ على ذلك " استدرت مذعوراً ركع جواري واحتضنني بقوة وغمر وجهي بقبلاته المسعورة ،حينها أيقنت إني هالك لا محالة , انه لا يتورع عن عمل أي شي , حاولت دفعه بعيداً ولكن مقاومتي الضعيفة لا تفعل شي حيال قوته العارمة وأنقذتني العناية الإلهية ،سمعت دبيب خطوات عمتي المريضة تقترب من الحمام منادية باسمي ،حينها دفعني بعيداً عنه وانتصب واقفاً وقد تلاحقت أنفاسه وانتظر حتى هدأت أحواله وتسلل خارجاً، دخلت عمتي الحمام وجدتني اجلس مذعوراً ربتت على راسي وقالت لي " أين كنت أيها العاق ؟!!..ناديتك بكل ما أوتيت من قوة لتحضر لي فرشاة والمعجون وأنت قابع كالفار المذعور هنا " نهضت وناولتها الفرشاة والمعجون،سوكت اسنانها وانصرفنا سويا إلى القاعة الكبري.
كان الوغد جالس كأن شي لم يكن، يقلب صفحات صحفه المملة وهو ينظر إلي بعينيه الداعرتين من فوق الجريدة ،التصقت بعمتي من الرعب , ومنذ ذلك اليوم أصبحت لا ابرحها لحظة , وفي الليل ظللت أغلق حجرتي بالمفتاح كنت اسمع خطاه تجوس في الردهة أمام الباب ، أحياناً يدير المقبض فارتجف رعباً في الداخل وفي إحدى مؤامراته الدنيئة وأنا ممد على الفراش أحملق في القمر المطل من النافذة , سمعت صوت ارتطام جسم صلب بحافة الشرفة، تسللت من الفراش بهدوء وفتحت الباب المؤدي إلى الشرفة ،كانت حجرتي في الطابق الأول ،وجدته يقف عند منتصف سلم الحديقة , كانت ساعة انتقامي ،دفعت السلم بكل ما اتيت من قوة واندفع السلم في الاتجاه المضاد بسرعة رهيبة ، سمعت صوت ارتطام جسده الثقيل بالأرض وأطلق انه خافته واخذ يسب ويلعن ويتوعدني بالويل والثبور وحينها أطلقت ضحكة مجلجلة كادت تجعله ينفجر غيظاً ونهض يحجل وقد اعتصره الألم المبرح الناجم عن التواء كاحله .
في الصباح لم تندهش عمتي لإصابة زوجها أو ملابسه المتسخة بالوحل الملقاة في الردهة، كانت عمتي لا تعرف الدهشة فهي امرأة طيبة والأناس الطبيون يفقدون الإحساس بالدهشة "إذا كان المرء طيباً ذهب نصف ذكاؤه "..هكذا يا صديقي عشت تلك الفترة الرهيبة في بيت عمتي ،أتفادى زوجها المنحرف وأتعجل انتهاء الامتحانات والعودة إلى البيت , أن والدي كان ارحم وبعد ان شفيت عمتي تماماً عادت الاستلام مهامها في البيت بجد ونشاط وبدا يحيك نوع آخر من المؤامرات كان يطلب من عمتي أن احمل له قهوة الصباح في غرفته وفعلاً أعطتني عمتي الصباح صينية القهوة وطلبت مني رفعها له , صعدت الدرج ارتجف ،عند الباب تسمرت في مكاني، كان يجلس متحفزاً ينظر إلي بعينيه اللتين يطل منهما بريق القسوة في استعطاف ، وضعت القهوة على الأرض واستدرت هارباً وأنا أتخيل وقع خطواته الثقيل خلفي على الدرج , أسفل الدرج أصدمت بعمتي التي نظرت إلي مبهورة ،أخبرتها بان مواعيد المدرسة قد حانت وفي المرات التالية مع إصرار عمتي أن احمل له الأشياء إلى الأعلى، وأحيانا يتعمد نسيان صحفه القذرة أو علبة الدخان أو نظارته التي يستخدمها في القراءة , وينادي علي لإحضارها كنت أختبئ حتى تحضر عمتي وتدفعها له وفي مرة طلبت مني عمتي أن ارفع له طعام الإفطار ،كان لابد من التخلص من هذا العبء الثقيل، تعمدت التعثر على السجاد الفاخر في الردهة وسقطت صينية الإفطار من يدي وتلوث كل شيء بالطعام السجاد والأرضية اللامعة ومنذ ذلك اليوم رفضت عمتي رفضاً باتا أن احمل أي شي ثقيل , وانقضت أيام الامتحان المدرسي بسلام ، كنت اخرج مع خروج عمتي إلى السوق ولا أعود إلا مع عودتها الشيء الذي أصابه بالإحباط فهو لا يستطيع ممارسة قذارته في الخارج خوفا على مركزه الحساس , ويفضل الصيد في الماء العكر .