توالت الأيام تباعا وجاء اليوم الموعود، لم تتمالك حنان نفسها من البكاء وهي تراه يصعد سلم الطائرة العراقية الرابطة كاسر على مدرج مطار الخرطوم ، كان احمد يقف جوارها في صمت كئيب .
في هذه اللحظات التي لا يجدي فيها الكلام .. لوح لهم حسين وهو على الدرجة الأخيرة واندفع إلى داخل الطائرة، ابتعدت عربة السلم , بدأت الطائرة تتحرك لتغيب في أخر المدرج وتعود مندفعة كالسهم تشق عباب الفضاء , ظل يلوحان للطائرة حتى غابت في الأفق الغارب , كانت حنان تنظر في ذهول في الفراغ الممتد أمامها ورددت
- كأن الأمر كان حلماً ..
- أحياناً في لحظات الفراق تلبس الحقيقية بالخيال , وأنا أيضاً لا استطيع التعبير عما يدور في نفسي الآن ، لكن تعودت على ذلك , ودعت الكثير من الأصدقاء المحليون والأجانب آخرهم كان قبل سنوات يدعى مارك نيومان، انجليزي الجنسية ، أتى كطالب تبادل بين الجامعات، صداقة الأجانب حلوة ومرة في نفس الوقت ، تطور وعي وسلوك الإنسان وقد تمكنه من التعايش مع الناس في هذا العالم..العزلة غير المجيدة والانغلاق على أبناء الوطن أو القبلية أو المنطقة تورث التطرف والجهل أحياناً..
- ارجوا أن لا ينسانا فقد ألف المعيشة بيننا..
ظل الصديقان يتحاوران على الدرج حتى غادرا الصالة إلى فناء المطار واطرق احمد قليلاً ثم التفت إلى حنان
- حنان اعلم أن الوقت غير مناسب لكني عازم على الزواج بأسرع فرصة ،ترك رحيل حسين فجوة لابد من ملؤها وكان هو الوقود الذي أجج نار حبنا
- نعم أنا أؤمن بذلك , ولكن هل أنت مستعد للزواج ولم يمض على تخرجك سوى أيام معدودة
- لا تظني باني اعتمد على الشهادة الجامعية كي اشق مستقبلي , لي خالي ثري وهو سوف يؤمن لي العمل في إحدى وكالات السفر التي يمتلكها ..
قال ذلك وفتح باب السيارة لحنان وركبا وتحركت العربة لتغادر المطار وغرق كل منهما في شرود عميق , اندفعت العربة تشق شوارع الخرطوم التي بدت حزينة وشاردة , توقفت العربة جوار بيت حنان ونزلت وودعت صديقها بابتسامة ساحرة ، جسد فيها احمد كل مستقبله وأدرك أن السعادة قد تعهدته بصورة مذهلة وانطلقت العربة تشق الطريق واحمد ساهم في شرود عميق وأصداء صوت صديقه لازالت تتردد في مخيلته وهو يسرد مآسي بغداد التي بناها أبو العباس السفاح ،طيلة سنوات الدراسة الطويلة....
اثر المرور في الشوارع التي كانت يرتاداها في أيام الجامعة الجميلة , وأثناء شروده كاد أن يدهس مواطن بالسيارة فضغط على الفرامل بقوة وتذكر خلالها حادثة شبيهة لهذه جعلته يبستم عندما كان يسير مع صديقه على الطريق و وتعثر حسين واندفع إلى داخل الطريق كادت تدهسه السيارة فما كان من السائق الا انه سب صديقه زاعقاً "ابتعد عن الطريق يا حبلى!! " تذكر احمد كيف اكفهر وجه صديقه واخذ يسب ويلعن بصورة أدهشت احمد ولكنه بعد أن هدأ عرف كلمة حلبي في العراق كلمة بشعة تحوي الكثير من الازلال عندهم في العراق, ضحك احمد وانفق الساعات الطوال يشرح لصديقه الغاضب أنها لا تعني في السودان سوى كلمة عادية تدل على لون الشخص. ومع ذلك ظل حسين يرغي ويزبد يسب حتى وصلا إلى البركس .