قال أنطوان :
ـ التقيت الأب يوحنا اليوم فى الكنيسة ..
لم يجب ..
أضاف أنطوان وهو يتفحصه :
ـ سألنى عنك ..
ظل صامتاً ..
عرف أن الأب يوحنا تدهورت صحته ، فلم يعد يغادر الكنيسة لزيارة أبنائها . لم يعد هو يتردد على الكنيسة للصلاة ، ولا للاعتراف ، ولا لحضور حفلات عقد القران ، أو القداس ، أو الصلاة فى الجنازات .
كان الأب قد رفع يده فى الهواء بعلامة الصليب :
ـ جعل المسيح رسله أساقفة ، والأساقفة أقاموا قسساً وشمامسة ..
ودارى قلقه بابتسامة فاترة :
ـ نحن نحيا لخدمة الجماعة المسيحية ..
ثم فى لهجة مثقلة بالحزن :
ـ دعه لا يفعل مثل الذين يصفهم الإنجيل بأنهم يحبون الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم شريرة .
داخلت صوته نبرة إشفاق :
ـ أنا الذى قمت بتعميده ، ويجب أن يظل فى مستوى حسن ظنى ..
قال جان :
ـ لم يسألنى أحد قبل التعميد إن كنت سأقبل التعميد أم لا..
قال الأب فى حزن ظاهر :
ـ يقول سانت نيبوليتس : " إنى أنكر خالق السماوات والأرض ، وأتنكر لتعميدى ، وأتنصل من عبادتى السابقة التى قدمتها للرب ، إننى أتعلق بك يا إبليس ، وبك أومن " .
وهو يظهر الحيرة :
ـ عندما عمدّت لم أكن أعرف معنى الحرام والحلال . لم أكن واعياً .
وانتزع ابتسامة باهتة :
ـ يجب أن يكون التعميد بعد البلوغ !
قال أنطوان :
ـ لاحظ أنك لم تعد تتردد على الكنيسة ..
رمقه بنظرة مستريبة :
ـ هل يخضعون زائرى الكنيسة للمراقبة ؟
وافتعل ابتسامة تهويناً للأمر :
ـ أنا أتردد على كنيسة أخرى ..
ـ هذه هى الكنيسة الوحيدة للكاثوليك فى الزيتون ..
صرخ :
ـ أنت تحاكمنى !
وأخلى وجهه لتمازج السخط والغضب :
ـ أنت تأمل فى جائزة لإيمانك ، وأنا لا يشغلنى جزاء عدم إيمانى .
ـ الإيمان ليس جائزة ، إنه ضرورة !
ـ أنا لم أعد أعتقد فى كل ما تعلمته . أظن أنى نسيته !
وتداخلت فى صوته بحة :
ـ أحب أن تصدر تصرفاتى عن إرادتى الحرة !
وأشار بيده ناحية الكنيسة :
ـ هذا الرجل الذى يكره نفسه ، هل هو من تعترف أمامه بخطاياك ؟!
وخنق التأثر صوته :
ـ ما أعرفه أن المسيحية دين .. وهذا الرجل جعل من المسيحية مهنة يتكسب منها !
ولوح بيده فى عصبية واضحة :
ـ الكنيسة مسئولة عن الدعوة لتعاليم الإنجيل ، لا شأن لها بحياة الناس الخاصة .
ثم بلهجة مهونة :
ـ لماذا لا نحيا حياتنا ، ونؤجل الاختلاف إلى ما بعد ذلك ؟
ـ ماذا تعنى ؟
ـ سنعرف بعد الموت إن كان هناك حساب أم أنه مجرد وهم !
تحركت يدا أنطوان بالحركة السريعة من الجبهة إلى جانبى الصدر :
ـ أنت تكفر !
واجهه بنظرة مستخفة :
ـ بالعكس .. أعرف أن الله هو الأب ..
وعلا صوته :
ـ أليس عذاب جهنم والنار الأبدية غريباً عن طبيعة الله ؟
وشاب لهجته عناد :
ـ هل يؤذى الأب أبناءه ؟
قال أنطوان :
ـ هل امتناعك عن دفع أجر الجناينى جزء من حالة الرفض التى تعيشها ؟
وهو يرفع كتفيه :
ـ أنا أساعد فى البيت بقدر ظروفى !