فصل (18)

18 0 00

ركعت دومينيك أمام تمثال العذراء . قالت كلاماً كثيراً . روت عن أمها وأبيها وعياد وأنطوان والمرض الذى يعذبها .

نذرت للعذراء أن تتنازل عن كل الثياب فى دولابها للفقراء ، إن هى يسرت لها الشفاء من المرض .

حركت شفتيها فى صلاة صامتة ، ورسمت علامة الصليب .

ظلت ـ منذ وفاة أبيها ـ تتردد على الكنيسة كل صباح ، وتعترف للأب يوحنا مرة كل أسبوع . ترتدى زى الحداد . تبدّل ما بين الفستان والتايير ، لكنها تحرص على السواد . ربما ارتدت ثياباً ملونة داخل البيت ، لكنها تحرص على الفستان الأسود ، فى خروجها من البيت . وكانت تطيل الصلاة فى حجرتها ـ قبل أن تتجه إلى النوم ـ أمام أيقونة العذراء ، وصورة أمها وأبيها .

قالت سيلفى :

ـ سأظل معك فى الفيلا حتى ترتبى أمورك ..

قالت دومينيك :

ـ لا تؤجلى زواجك لأجلى ..

ـ ما زلنا نبحث عن شقة ، وعن وظيفة لى ..

واصطنعت ضحكة :

ـ ماهر لن يزعجه غيابى عنه ..

واحتضنتها بنظرة مشفقة :

ـ إن أراد يستطيع زيارتنا .

إذا حلت الأزمة بدومينيك ، فإن سيلفى تعمد إلى إسدال الستائر ، وإغلاق الأبواب والنوافذ . لا يترامى صراخ دومينيك ـ إذا صرخت ـ إلى الطريق . ربما عانت فى الليل من التقلصات العنيفة ، والقيء ، والتوجه إلى دورة المياه .

تستغيث بالعذراء لتنقذها مما تعانيه ، تناديها ، تدعو باسمها ، أو باسم ابنها ، أو باسم الصليب .

يعاودها الدوار والرغبة فى التقيؤ ..

تمسك خصرها بيدها ، وتميل على الأرض . يتناثر القيء على الأرض ..

لا تشعر بالراحة إلا إذا تقيأت ما بجوفها ..

إذا حزنت أو غضبت . غالبت الدوار ، ومالت نفسها إلى الغثيان ، تعود من الحمام بعد أن تفرغ ما بجوفها . ربما طفر القىء من فمها دون أن تقدر على منعه ..

تهمس سيلفى فى إشفاق :

ـ أنت تتقيئين من نسمة الهواء !

تواصل الصراخ ، والصياح ، تمزق ثوبها ، تخمش وجهها ، تشد شعرها ، تضرب الأثاث أو الجدار برأسها ، أو بلكمات متوالية . يعروها ما يذهلها عن الدنيا . تزوغ عيناها . يغلب البياض عليهما ، تعروها ارتعاشات ، وتقلصات عنيفة ، ويتخشب جسدها ، ويتداخل ، ويعوج فمها ، ويسيل الزبد الأبيض على الشفتين والذقن .

يحاذر أنطوان وجان من أن يلامسا جسدها ، وإن رفضا أحاديث الجان والعفاريت .

تظل سيلفى جالسة إلى جانب سرير دومينيك . تحرص أن تظل مستيقظة ، وإن غلبها النوم فى أحيان كثيرة .

تشعر أنها تحب دومينيك كما لا تحب إنساناً فى الدنيا ، تختلف عن كل من فى البيت ، لا تلاحقها بالملاحظات والتعليقات والمؤاخذات والانتقادات والأوامر التى لا تنتهى . تمتلك قدرة ـ بلا حد ـ فى التسامح ، والتماس الأعذار ، وكره الشر ، لا تضمره ـ ولا تعلنه ـ لأحد . تسميها ـ فى مداعباتها ـ سانت دومينيك .

روت سيلفى بواعث ما تعانيه دومينيك : لاحظ الأب يوحنا علاقة حب بينها وبين راهب شاب فى كنيسة اللاتين ، فسعى لنقله .

أزمعت ـ لما حدث ـ أن تظل بلا زواج ، ثم ظهر عياد فى حياتها .

***

لاحظ ماهر ضيق أنطوان بتلميحات عياد إلى ميراث دومينيك من أبيها ، إلى ما يجب أن ترثه من العجوز . أثاره الشعور بعدم الندية الذى بدا أن أنطوان ينظر ـ من خلاله ـ إليه ، وإلى عياد ، وربما إلى إخوته .

قال بجرأة مدفوعة بالانفعال الذى يعرفه فى نفسه :

ـ أريد سيلفى بثيابها .

أضاف دون أن تشغله إمارات الغضب على وجه أنطوان :

ـ لا أريد أى شيء !

ثم وهو يغالب انفعاله :

ـ ترفض دومينيك لعياد ، وترفض سيلفى لى ..

واقتحمه بنظرة غاضبة :

ـ ماذا تريد ؟!