ركعت دومينيك أمام تمثال العذراء . قالت كلاماً كثيراً . روت عن أمها وأبيها وعياد وأنطوان والمرض الذى يعذبها .
نذرت للعذراء أن تتنازل عن كل الثياب فى دولابها للفقراء ، إن هى يسرت لها الشفاء من المرض .
حركت شفتيها فى صلاة صامتة ، ورسمت علامة الصليب .
ظلت ـ منذ وفاة أبيها ـ تتردد على الكنيسة كل صباح ، وتعترف للأب يوحنا مرة كل أسبوع . ترتدى زى الحداد . تبدّل ما بين الفستان والتايير ، لكنها تحرص على السواد . ربما ارتدت ثياباً ملونة داخل البيت ، لكنها تحرص على الفستان الأسود ، فى خروجها من البيت . وكانت تطيل الصلاة فى حجرتها ـ قبل أن تتجه إلى النوم ـ أمام أيقونة العذراء ، وصورة أمها وأبيها .
قالت سيلفى :
ـ سأظل معك فى الفيلا حتى ترتبى أمورك ..
قالت دومينيك :
ـ لا تؤجلى زواجك لأجلى ..
ـ ما زلنا نبحث عن شقة ، وعن وظيفة لى ..
واصطنعت ضحكة :
ـ ماهر لن يزعجه غيابى عنه ..
واحتضنتها بنظرة مشفقة :
ـ إن أراد يستطيع زيارتنا .
إذا حلت الأزمة بدومينيك ، فإن سيلفى تعمد إلى إسدال الستائر ، وإغلاق الأبواب والنوافذ . لا يترامى صراخ دومينيك ـ إذا صرخت ـ إلى الطريق . ربما عانت فى الليل من التقلصات العنيفة ، والقيء ، والتوجه إلى دورة المياه .
تستغيث بالعذراء لتنقذها مما تعانيه ، تناديها ، تدعو باسمها ، أو باسم ابنها ، أو باسم الصليب .
يعاودها الدوار والرغبة فى التقيؤ ..
تمسك خصرها بيدها ، وتميل على الأرض . يتناثر القيء على الأرض ..
لا تشعر بالراحة إلا إذا تقيأت ما بجوفها ..
إذا حزنت أو غضبت . غالبت الدوار ، ومالت نفسها إلى الغثيان ، تعود من الحمام بعد أن تفرغ ما بجوفها . ربما طفر القىء من فمها دون أن تقدر على منعه ..
تهمس سيلفى فى إشفاق :
ـ أنت تتقيئين من نسمة الهواء !
تواصل الصراخ ، والصياح ، تمزق ثوبها ، تخمش وجهها ، تشد شعرها ، تضرب الأثاث أو الجدار برأسها ، أو بلكمات متوالية . يعروها ما يذهلها عن الدنيا . تزوغ عيناها . يغلب البياض عليهما ، تعروها ارتعاشات ، وتقلصات عنيفة ، ويتخشب جسدها ، ويتداخل ، ويعوج فمها ، ويسيل الزبد الأبيض على الشفتين والذقن .
يحاذر أنطوان وجان من أن يلامسا جسدها ، وإن رفضا أحاديث الجان والعفاريت .
تظل سيلفى جالسة إلى جانب سرير دومينيك . تحرص أن تظل مستيقظة ، وإن غلبها النوم فى أحيان كثيرة .
تشعر أنها تحب دومينيك كما لا تحب إنساناً فى الدنيا ، تختلف عن كل من فى البيت ، لا تلاحقها بالملاحظات والتعليقات والمؤاخذات والانتقادات والأوامر التى لا تنتهى . تمتلك قدرة ـ بلا حد ـ فى التسامح ، والتماس الأعذار ، وكره الشر ، لا تضمره ـ ولا تعلنه ـ لأحد . تسميها ـ فى مداعباتها ـ سانت دومينيك .
روت سيلفى بواعث ما تعانيه دومينيك : لاحظ الأب يوحنا علاقة حب بينها وبين راهب شاب فى كنيسة اللاتين ، فسعى لنقله .
أزمعت ـ لما حدث ـ أن تظل بلا زواج ، ثم ظهر عياد فى حياتها .
***
لاحظ ماهر ضيق أنطوان بتلميحات عياد إلى ميراث دومينيك من أبيها ، إلى ما يجب أن ترثه من العجوز . أثاره الشعور بعدم الندية الذى بدا أن أنطوان ينظر ـ من خلاله ـ إليه ، وإلى عياد ، وربما إلى إخوته .
قال بجرأة مدفوعة بالانفعال الذى يعرفه فى نفسه :
ـ أريد سيلفى بثيابها .
أضاف دون أن تشغله إمارات الغضب على وجه أنطوان :
ـ لا أريد أى شيء !
ثم وهو يغالب انفعاله :
ـ ترفض دومينيك لعياد ، وترفض سيلفى لى ..
واقتحمه بنظرة غاضبة :
ـ ماذا تريد ؟!