نحن نسرق الموتى وهذه هي مهنتنا!
لا.. لا نسرق كنوزهم كما كانوا يفعلون مع الفراعنة.. لا أحد يأخذ شيئًا في كفنه هذه الأيام إلا لو كان أحمق أو يريد حرمان أقاربه مما أخذ.. لكن على أية حالة أنا لم أقصد أننا نسرق ما معهم..
بل نسرقهم هم..
نسرق جثث الأموات..
نعم.. يمكنك أن تمتعض وأن تتظاهر بأنك صُدِمت مما نفعله وكأنك لم تسمع عن مهنتنا هذه من قبل.. كأن كل الجثث التي تمتلئ بها مشارح كليات الطب نبتت من فراغ أو كأنهم يولدون موتى في مختلف المراحل العمرية، فقط ليتعلم طلبة الطب التشريح على أجسادهم..
عزيزي.. يجب أن تكون مدينًا لنا بالفضل!
لولانا لما وجد الطلبة ما يتعلمون عليه، ليغدوا أطباء قادرين على علاجِك أنت لو أصابك مرضٌ ما طيلة الفترة التي تقضيها حيًا.. فقط بعد أن تموت نأخذ نحن جثتك التي ساعدنا في توفير الصحة والعلاج لها؛ لنبيعها لطلبة جدد سيتعلمون عليها ليساعدوا أحياء آخرين..
أي أننا -في الواقع- نقدّم لكم خدمة جليلة لا نطلب عليها شكرًا ولا إحسانا.. فقط بعض المال مقابل الجثة التي نتجشم عناء إحضارها إليك دون أسئلة أو جدال..
من حقك أن تكرهنا أو تحتقرنا فنحن لا نُبالي بهذه التُّرهات، لكن تذكَّر في كل مرة تذهب فيها للطبيب لكي يعالجك أو يعالج من تحب من مرض ما، أننا نحن من ساعدناه على علاجك، وأنه لولا الجثث التي انتزعناها من قبورها، لهلكت أنت بمرضك لا محالة.. بل دعني أسألك بصورة مباشرة أكثر:
لو كنت أبًا ورأيت طفلك يحتضر من مرض ما علاجه في قبر أحدهم.. داخل جثته بالتحديد..
هل كنت ستترد في إحضارها له؟.. هل ستقف جوار فراش ابنك تردد عليه مواعظ حُرمة الميت وتدنيس القبور؟؟.. هيا كُن صريحًا مع نفسك واعترف..
ما الفارق بيننا إذن؟.. نحن فقط أكثر صراحة منك!
على الأقل نحن نعترف أننا نفعل هذا من أجل المال أيضًا، وهذا في حد ذاته يجب أن يطمئنك.. أنت تعرف أن هناك من يسرقون جثث الموتى لبيعها لطلبة الطب، أفضل بكثير من أن تعرف أن هناك من يسرقها فحسب..
تخيّل أن تقرأ في الصحف عن لصوص يسرقون أجساد الموتى بلا مبرر.. تخيل كم الشائعات التي ستولد والتي سيرددها الكل كالببغاوات.. سيقولون إنهم يأكلون جثث الموتى ويمارسون الجنس معها ويصنعون منها علب طعام من النوعية التي يفضلها أطفالك وأنه مخطط إسرائيلي لتلويث نهر النيل.. بل سيأتي من يقول بأنها الأطباق الطائرة.. الفضائيون يسرقون جثثنا لفحصها تمهيدًا لغزو الأرض!!
مرة أخرى نحن نزيح عنك هذا كله ونجيب على سؤالك ونوفر لك الراحة والأمان.. نحن -فقط- نسرق الجثث لنبيعها لنحصل على المال الذي نستحقه لا أكثر .
مهنتنا يا عزيزي ليست هيِّنة بل على العكس تمامًا، فنبش القبور يحتاج لخبرة واحترافية تمامًا كأي مهنة من المهن.. دعك من مخاطر عملنا التي لا تنتهي..
نحن نكون هناك منذ البداية.. وقت الدفن بالتحديد..
تجدهم ينزلون الميت إلى قبره فتجدنا ممن يحيطون بقبره ويرددون الأدعية وعبارات المواساة، فلا يسأل أيٌّ من أقارب الميت السؤال المنطقي.. من نحن؟
لا أحد يسأل هذا السؤال لأنه –وببساطة- نحن نسعد حين نعرف أن قريبنا الذي مات كان محبوبًا وأن هناك عددا لا بأس به تجشموا عناء توديعه إلى الأبد.. حتى في الموت تنتصر أهمية الشعبية والشهرة على أي شيء آخر..
نحن نمنحكم هذه الرفاهية وحين ترحلون تاركين فقيدكم، نظل في مكاننا ننتظر أن نصير بمفردنا في صبر لا حد له.. من المهم ألاّ يشعر بنا أحد وإلا فهي نهايتنا نحن..
يأتي الليل ومعه الهدوء والعزلة، فنتحرك بسرعة وتنظيم.. نحفر القبر بحذر كيلا نصيب الجثة، ثم نخرجها ليتولّى بعضنا مهمة نقلها إلى حيث سيتم إعدادها لما هو قادم.. وفي ذات الوقت يعكف جزء منا على إعادة القبر إلى صورته الأولى، وهو مجهود ذو فائدة مزدوجة، فنحن بهذا نبعد الشبهات عنا بحيث لا يعرف أحد ما حدث أصلاً.. وفي ذات الوقت نحن نمنحك وهمًا تحتاجه بأن قريبك لا يزال في قبره لو أردت زيارته في أي وقت..
الجثة يتم نقلها إلى غرفة أُعِدَّت خصيصًا لاستقبال الجثث، ولا يمكنني أن أخبرك بمكانك هنا سامحنا.. فقط اعرف أننا نجيد التعامل معها بالصورة التي تستحقها وأكثر.. نعيد تنظيفها ونحدد عمر الجثة وحجمها ووزنها، ثم نقوم بصنع ملف خاص بها ليسهُل علينا الوصول لها عند الحاجة ومرة أخرى لا تقلق.. نحن نجيد تخزين الجثث لتظل طازجة عند الحاجة لبيعها..
يمكنني هنا أن أكون قاسيًا وأن أحكي لك عن مراحل إفراغ الجثة من الدماء وحقنها بالفورمالين وبعض الخطوات (التشريحية) المبدئية التي تمر بها جثة من تُحب قبل بيعها، لكن لا ضرورة لهذا كله.. فقط اعرف أننا محترفون وأننا نجيد ما نفعله إجادة تامة..
بعد الانتهاء من الإعداد تأتي مرحلة التسعير.. أي منح كل جثة السعر الذي سيتم بيعها به، وهي مرحلة شديدة الأهمية وأهم قاعدة فيها هي أن السعر الذي يتم تحديده غير قابل للجدل أو المساومة على الإطلاق.. قد لا تصدق هذا، لكن هناك من يساومون في سعر الجثة التي يريدون شراءها كأنهم يبتاعون نوعًا من الفاكهة..
السعر يختلف باختلاف المرحلة العمرية لكل جثة ووفقًا لحالتها ونوعها.. جثة الأنثى أغلى من الذكر -حتى في هذا يتفوقون علينا!، وجثة الشاب أغلى من جثة العجوز، وجثث الأطفال تباع بأسعار خاصة لنُدرتها، ولو كانت الوفاة بسبب حادث أو جريمة فإن هذا يقلل من سعر الجثة وفقًا لدرجة الضرر الذي تعرضت له الجثة، وفي المقابل لو كانت الوفاة لمرض نادر.. حينها نكون كمن عثروا على قبر ملك فرعوني!
لن ألومك لو شعرت بالامتعاض من هذا النظام، لكنني لست واضعُه ولا مَن معي، بل مَن سبقونا هم الذي تركوا لنا كل شيء بقوانينه.. مهنتنا كأي مهنة قديمة الأزل وتوّرث من جيل لجيل، ومن بعدنا سيأتي آخرون ليواصلوا نشر الصحة والسعادة للأحياء..
أنت الآن تعرف من نحن وما تعرفه يكفيك..
ما حدث لنا هو المهم..
وهذا ما سأحكيه..