نحن لسنا وحوشًا صدقني, لكننا أدركنا أن من رأيناه في تلك الليلة لم يكن الحاج (متولي)..
نحن لا نبالغ ومن يمتهنون مهنتنا, يعرفون أن الموت هو أقصى درجات المبالغة فلا داعيَ لها.. نحن فقط نعرف أنَّ من رأيناه في هذه الليلة المشئومة, لم يكن الحاج (متولي) بأي صورة من الصور.. إنه فقط يبدو مثله.. نسخة طبق الأصل منه لا أكثر..
تريد أدلة؟.. كأننا مطالبون بإرضائك!..
الحاج (متولي) لم يكن بهذا الطول أبدًا, ولم يملك في حياته القوة الجسدية الكافية لينبش قبرًا بيديه العاريتين ولا لحمل جثة لا يقدر على حملها إلا ثلاثة منّا.. والأهم من هذا كله..
الحاج (متولي) لم يحمل جسده كل هذا الكم من الحروق التي رأيناها عليه تلك الليلة.. حروق كافية لإبراز عظامه!
لماذا دفناه حيًا؟.. لأننا حين حاولنا إيقافه مرة ثانية, بدأ يصرخ بصوت لم نسمعه يخرج من حلق آدمي قط..
صوت كفيل بإيقاظ الموتى وجلب الأحياء ليقبضوا علينا..
هكذا تجد أن الخيار كان إما هو أو نحن..
كان القبر الذي نبشه أمامنا.. كنا على وشك أن نفقد عقولنا.. الأحداث تجري بسرعة لو أمكنك أن تتخيلها.. فقط تكفينا قناعتنا بأنه لم يكن الحاج (متولي) الذي استقر في القبر ليلتها..
الذي رأيناه في تلك الليلة كان -وببساطة- شيء ما يشبه الحاج (متولي) أو.. أو..
أو يحرّكه..
الواقع أننا نحتاج لبعض الوقت لنفكر ولنحاول أن نفهم..
أرجوك.. اعذرنا وسنعود لك قريبًا!
بعد يوم كامل من النقاش المستمر, توصَّلنا إلى أقرب تفسير يصلح لهذا كله..
لكن خروج الحاج (متولي) من قبره أثبت لنا خطأ هذا التفسير!!
إنه ليس الحاج (متولي) وكل ما حدث أثبت لنا هذه الحقيقة.. إنه جسده -أو جثته- لكنه ليس هو على الإطلاق..
شيء ما يتحكم في جسد الحاج (متولي) الذي مات مرتين حتى الآن, ومن الواضح أن المرة الأولى لها علاقة بتلك الحروق التي رأيناها على جسده..
المرة الثانية كان حين دفنَّاه, لكنها لم تُبقِه في قبره طويلاً, فلم يكد يوم يمر حتى فوجئنا به يخرج من قبره, كما يحدث في أفلام الرعب التي نشاهدها لنضحك.. لكننا هذه المرة لم نبتسم حتى.. انتفضت قلوبنا رعبًا ونحن نرى الحاج (يخرج) من تحت التراب حاملاً جثة جديدة كانت في قبر مجاور له!
مرة أخرى يستبد بنا الذعر, ومرة أخرى نكاد ننقضُّ عليه لنعيده حيث كان, لولا أن اقترح أحدنا أن نتركه لنرى ماذا سيفعل..
خيار خطير فعلاً, لكنَّ إجابة هذا السؤال تستحق المخاطرة..
هكذا تركناه يحمل جثته ويرحل, لنتتبعه مستترين بالظلام والحذر, محاولين تجاهل أن خطواته أسرع بكثير من خطوات أي شخص عرفناه في حياتنا.. لا أحد يتحرك بهذه الخفة والسرعة..
مرت ساعة كاملة قضيناها في تلك المطاردة, لنجد أنفسنا في النهاية في آخر مكان تخيلنا أن نصل إليه.. عند المخزن الذي نترك فيه الجثث!
هناك توقف الحاج (متولي) لحظة, قبل أن يشير بيده للقفل على باب المخزن, لينفتح القفل مستسلمًا لإشارة الحاج, الذي دخل المخزن ليغيب فيه لحظة, قبل أن يخرج منه تاركًا الجثة التي كان يحملها..
و أمام أعينا الذاهلة عاد أدراجه في اتجاه المقابر قرب مقرنا..
حينها.. حينها فقط..
أدركنا أننا مقدمين على أيام سوداء بلا نهاية!
هذه المرة دفنا الحاج (متولي) ثم صببنا بعض الأسمنت على جثته, لنضمن أنه لن يعود لينافسنا في عملنا مرة أخرى!
وعند النقطة الأخيرة توقفنا طويلاً طويلاً, ثم أيقنا في النهاية أننا نحمل كلنا ذات الشعور في أعماقنا..
ما حدث له علاقة بالمشترين الغامضين..
الحاج (متولي) كان يجمع الجثث لهم, ولابد أنه في مقابر ما يحفر الموشوم الأعمى الآن بأظافره ليمدهم بالمزيد من الجثث.. هذا يفسر الجثث الإضافية التي عثرنا عليها في المخزن والتي نثق أننا لسنا المسئولين عنها..
الصورة تتضح رغمًا عنا وإجابات أسئلة تظهر, لتلد لنا أسئلة جديدة..
ما يحدث له علاقة بهؤلاء الذين يدفعون كثيرًا ليحصلوا على الجثث.. نحن نتثق في هذا, لكن ما هي العلاقة بالضبط؟؟
هل يعيد هؤلاء المشترون الموتى إلى الحياة ليجمعوا لهم المزيد من الجثث؟
كيف؟؟
ولماذا؟!
ما هو السبيل لنعرف إجابات هذه الأسئلة, فنحن لن نسألهم ولن ننتظر منهم أن يجيبوا أسئلتنا بصدق؟
ما هو الحل إذن؟؟
توصلنا إلى الحل أخيرًا ولهذا ترانا نرقد وسط الموتى!
نعم.. نحن الآن في ذلك المخزن الذي نترك فيه الجثث, نرقد وسطها نتظاهر بأننا منهم ومثلهم, لكننا لنا قلوب تنبض خوفًا وترقب..
وسط الموتى نرقد في انتظار أن يأخذونا من هنا.. أن يأتي المشترون وأن ينقلونا إلى حيث نقلوا الجثث السابقة..
حينها سنعرف ما الذي يحدث بالضبط.. سنرى بأنفسنا ونحن لا نثق إلا بأنفسنا..
لكن.. هل سننجو لنخبرك؟