من وجهة نظر لمى
— كفاكِ بكاءً يا لمى... مرّ أسبوعان على هذه القصة!
دخل أخي سامي غرفتي المبعثرة، يتجاوز أكوام المناديل الورقية وعلب الشوكولاتة الفارغة، ونظر إليّ بنظرة حاسمة.
— وماذا تريدني أن أفعل؟ أحتفل مثلاً لأنّ حبيبي، الذي قضيت معه ثلاث سنوات، خانني مع أعز صديقة لي منذ الطفولة؟!
شهقت وأنا أمسح أنفي بالمزيد من المناديل، وقد احمرّ وجهي من البكاء.
اقترب مني، جلس على طرف السرير، وربّت على شعري:
— لمى... أنا أعرف كم كان الأمر موجعًا. لكنك قوية. وأنت الوحيدة القادرة على إنقاذ نفسها من هذا المستنقع. قومي، اشتغلي، عيشي، وخلّيهم وراء ظهرك.
صمتي طال قليلًا، قبل أن أنظر إليه بعينين دامعتين، ثم تنهّدت:
— أتعلم؟ معك حق. درستُ لأجل وظيفة محترمة، مش عشان أكون ظل رجل مجنون يغار من كل شيء. آن الأوان أبدأ من جديد.
ابتسم سامي بارتياح، وسحب اللابتوب الوردي الخاص بي من على الطاولة:
— هذا هو الكلام. خذي، دَوّري على وظيفة تليق فيكِ.
— كيف طلعت محظوظة فيك لهالدرجة؟
— بصراحة؟ أنتِ محظوظة فعلًا. ماما وبابا لقوكِ مرمية جنب حاوية الزبالة وتبنّوكِ.
ضحك بصوت عالٍ، بينما صرخت فيه:
— سامي!!!
مرّت لحظات من المزاح حتى هدأت الأجواء. جلست بجانبه وأخذت أتصفح إعلانات الوظائف.
— شو رأيك بهي؟ سألت وأنا أُشير إلى إعلان ملفت.
— اقري بصوت عالي، عم آكل فشار وما بقدر أقوم.
— مش معقول! بطّل تاكل شوي وركّز!
— أنا عم باكل بثمي، مو بأذني، احكي!
تنهدت وبدأت أقرأ: — مطلوب: مساعد شخصي لمدير تنفيذي في شركة ملابس عالمية. على المتقدمة أن تكون واثقة، حاصلة على شهادة في إدارة الأعمال، ذات مهارات ناعمة ولياقة جيدة. المكان: شركة ويلسون، دبي. الموعد: غدًا الساعة التاسعة صباحًا.
سامي رفع حاجبه: — مش حاسس إن الوقت متأخر؟
— اليوم الأحد، المقابلة بكرا. شو المشكلة؟
— المشكلة إنو المقر الرئيسي بدبي.
— شو؟! شهقت وأنا أحدّق فيه.
— أكيد يا لمى. هاي شركة ضخمة، مستحيل ما سمعتي عنها قبل.
وقفت بسرعة، بدأت أبحث عن أقرب رحلة إلى دبي.
— لازم أروح. هلأ. فورًا!
دقائق وكنت أصرخ من الحماس:
— لقيت رحلة خلال أربع ساعات! لازم أجهز الشنطة!
فتحت الخزانة كأنها ساحة معركة، رميت كل ما يقع تحت يدي.
— ليش كل ملابسي تافهة؟ وين الأناقة؟"
بعد قليل، وجدت بدلة أنيقة كافية لتترك انطباعًا محترفًا، وبدأت أحضّر مساحيق التجميل وبعض الضروريات.
— سام؟ ممكن تمرّ على سيرتي الذاتية؟
اقترب مني، عينيه تحملان شيئًا من القلق:
— ما كان فيك تلاقي وظيفة محترمة هون؟ ليش لازم تسافري؟
وضعت يدي على ذراعه بلطف:
— سامي، دبي حلمي من زمان. تعرف هالشي. الشغل هناك مش بس فرصة، هو بداية جديدة لحياتي كلها.
— بس... رح تروحي، وأنا رح أبقى هون لحالي...
— رح أرجع أزورك، وانت تعال لعندي. رح نكون بخير.
بعد وفاة والدينا، بقينا نحن الاثنان فقط. كنا سندًا لبعض في كل شيء.
حاول أن يقول شيئًا، فقاطعته وأنا أضع الورقة أمامه: — سامي منصور. شوف السيرة الذاتية فورًا. عندي طيارة ألحقها!
— تمام، يا آنسة.
.........
في المطار، عانقني أخي بقوة: — موفقة. خلي بالك من حالك.
— شكرًا... على كل شيء، سام.
— انقلعي! ورجعيلي بوظيفة محترمة. ضحك وهو يبعثر شعري.
.........
بعد إنهاء الإجراءات، جلست في مقعدي على متن الطائرة. كانت يداي ترتجفان قليلًا، فـ متوترة لا تكفي لوصف شعوري.
وصلتني رسالة من الفندق تؤكد الحجز.
غدًا، في التاسعة صباحًا، سأواجه أول اختبار حقيقي بعد الانكسار.
حين أقلعت الطائرة، نظرت من النافذة وهمست:
— دبي... ها أنا قادمة.