الفصل السابع — "حين التقينا في الظل"

27 0 00

من وجهة نظر لمى

انهيت لتوي إعداد العشاء... كرات اللحم مع نودلز خفيفة.

ليست مثالية، لكن لأول مرة أطبخها، أظنني نجحت.

سامي كان يتولى الطهي في بيتنا القديم بولاية كاليفورنيا، فهو طاهٍ محترف بحق.

أما أنا؟ لم أكن أُطيق دخول المطبخ.

أمي كانت توبخني دومًا:

— يا بنتي، تعلّمي تطبخي لو شي بسيط!

وكنت أضحك:

— بعدين ماما... مش مستعجلة.

واليوم... أفتقد توبيخها. أفتقد صوتها، أكلها، لمستها، وحتى غضبها.

لا دموع الآن يا لمى، ليس الليلة.

لم أشعر برغبة في النوم. ولا المسلسلات تهمني الليلة.

فكرت أن أخرج في نزهة ليلية قصيرة. كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف... متأخرة قليلًا، لكن هذه المدينة لا تنام.

خرجت أسير في شوارع دبي المضيئة.

المطاعم مزدحمة، المحال تُغلق ببطء.

انسجمت مع الليل، حتى نسيت الطريق...

أين أنا؟ هذا الشارع مهجور... لا أذكر أنني مررت من هنا.

تماسكت. أخرجت هاتفي.

GPS، نعم... أدخلت عنواني وبدأت أتبع الاتجاهات.

الشوارع شبه فارغة، المسافة طويلة، لكنني سأتدبّر أمري.

فجأة سمعت صوتًا أجشًا... ثم ضحكات سكرى.

استدرت... ثلاثة رجال، يترنحون، وعيونهم... قذرة.

— وين رايحة يا حلوة؟ بدنا نوصلك بطريقتنا...

قال أحدهم وهو يضحك.

تجاهلتهم، أسرعت في خطواتي، لكن الاتجاه الصحيح كان خلفهم.

— تعالي لهون، لسا ما بلّشنا!

صاح أحدهم، وبدأوا في اللحاق بي.

أركضي لمى... أركضي.

يد غليظة أمسكت ذراعي بقوة.

التفتُّ... كان أحدهم يبتسم بخبث:

— جمالك خطيير... لازم نتعرّف أكتر.

— اتركني أيها الوغد!!

صرخت وأنا أحاول الإفلات.

— ليش مستعجلة؟ خلينا نتعرّف شوي...

— ابتعد!! وإلا...

— وإلا شو يا قمر؟

كفى!

رفعت ركبتي وركلته في مكان لا تصل إليه الشمس!

انهار أرضًا يتلوى، لكنني نسيت... لا يزال اثنان آخران.

ركضت. بكل قوتي. قلبي كاد أن ينفجر.

لا أعلم أين أنا... كل شيء ضبابي.

كنت أركض... نظرت خلفي، هم ما زالوا خلفي، وفي لحظة—

اصطدمت بجدارٍ صلب.

لا... ليس جدارًا.

ذراعان قويتان أحاطتا بي.

رفعت عيني لأرى...

كريم!! شهقت وأنا أتنفس بصعوبة.

— لمى! ماذا تفعلين هنا بهذا الوقت؟!

— أنا فقط كنت...

— اسمعني يا صاح، سلّمنا البنت بهدوء، وامشِ بكرامتك. غير هيك... بتندم.

شدّني كريم إلى صدره، وضع ذراعه حولي، كأنه يعلن: هي في حمايتي.

— اختفوا من وجهي قبل أن أفقد أعصابي. قالها بأسنانه.

— مش راح تمشي هيك ببساطة.

— أنتم اخترتم الطريق الصعب...

نظرة سريعة نحوي... ثم بدأ العرض.

لكمة! ركلة! صفعة!

الثاني والثالث سقطا أرضًا كأنهما مجرد دمى.

كريم كان كالبركان، لم أره هكذا من قبل.

عاد إليّ، يده تنزف:

— هل أنتِ بخير؟

— أنا؟ يدك تنزف يا كريم!

— لمى، ماذا تفعلين هنا في هذا الوقت؟!

حكيت له القصة كاملة، بصوت متقطع.

— هل جننتِ؟! صرخ.

نظرت إليه، ثم خفضت بصري.

لماذا يصرخ دومًا؟

— شكرًا على إنقاذك لي، سأذهب الآن...

استدرت، لكن—

— لمى!

أمسك بمعصمي، وجذبني نحوه.

يدي على صدره، أنفاسي متداخلة، نبضي لا يُحتمل.

— لا تعاندي. اصعدي السيارة. سأوصلك.

— لا تصرخ عليّ إذًا!

ركبت السيارة، جلس إلى جانبي، طلب من السائق عنواني.

طبعًا يعرفه، هو مديري بعد كل شيء.

طوال الطريق، لم نتبادل كلمة.

وعندما وصلنا، سبقني إلى الباب وفتحه لي.

— شكرًا لإنقاذك لي... ولإيصالي. قلت بصدق.

— لا شكر على واجب... ولمى؟ ناديني كريم. كلمة أستاذ تُشعرني أنني عجوز.

قالها بتأفف.

— لكن الجميع يناديك أستاذ كريم.

— لكنكِ... لستِ الجميع. أنتِ مساعدتي.

— ماذا؟! حسنًا... كريم!

ضحكت، لأول مرة الليلة.

— تصبحين على خير.

ثم أدار وجهه لينصرف، قبل أن يتوقف:

— لمى؟

— نعم؟

— هل... هل أنتِ غاضبة مني؟

— لا. لماذا؟

— أعني... لقد أفسدت عليكِ لقاء شقيقك اليوم. أنا آسف.

ثاني اعتذار في يومٍ واحد؟ كريم الهاشمي؟!

— كنت غاضبة، لكن الآن... لا.

— قلت لكِ لا تناديني أستاذ...

— حسنًا، كريم... لست غاضبة. تمام؟

— تمام. أراكِ غدًا... لمى.

ثم رحل.