الفصل الرابع

18 0 00

ألتفتت "ياسمينا" بأتجاه "جاسر" وقالت بعينين متسائلتين:

- وراه ايه الباب ده ؟

قال بعينين براقتين وهو يعقد ذراعيه فوق صدره

- الغابة .. !

 

رفعت "ياسمينا" حاجبيها متعجبة وهى تقول بتسائل وفضول:

- وليه يبقى فى باب بين الحديقة والغابة ؟

إستدار وهو يشير بأصبعه إلى جذع الشجرة القريب منهم وهو يقول آمراً متجاهلاً سؤالها :

- تعالى ورايا

 

هتفت بغضب مفاجىء وهى تشيح بيدها :

- أنا مش هاخد أوامر من حد .. أنا أميرة ولستُ من عامةِ الشعب

لم يلتفت إليها وأنما سار قليلاً حتى وقف أما الجذع المنشود وأخذ جعبة السهام المعلقة على أحد أطرافه المدببه وقام بوضع أحد السهام بداخل القوس وقال بلهجة قاسية أرعبتها :

- تعالى

 

أبتعلت ريقها بصعوبة بالغة وهى تنظر له نظرات حانقة إلا أنها لم يسعها إلا أن تتقدم بإتجاهه رغماً عنها حتى وقف أمامه مباشرة وقالت بغطرسة متلعثمة :

- أنا جيت بس علشان التدريب

ابتسم رغماً عنه أبتسامة خفيفة وناولها القوس فأخذته وهى تنظر له تتفحص السهم والقوس الذى يحويه والذى أظهر مدى ضعف قبضتها

وصغر حجمها ..

لم يبالى "جاسر" بمحاولاتها لأكتشاف الطريقة الصحيحة للإمساك بالقوس وجذبها من ذراعها وأوقفها أمامه مباشرة

يكاد يتلامس ظهرها بصدره ولف ذراعيه ليحيط بذراعيها لكى يثبتها بشكل صحيح أمام الهدف مما أظهر الفرق الواضح فى الطول بينهما

وضآلة حجمها أمامه وأنكماش جسدها بين ذراعيه وأنحنى قليلاً للأمام ليحدثها

مما جعل ذقنه تستريح على رأسها ومما جعلها تضطرب وتنزع نفسها من بين ذراعيه .. أبتعدت خطوة للأمام وقالت بتردد

وقد سبحت وجنتيها الخمرية فى بحر من حُمرة الخجل :

- ممكن تبتعد عنى شويه

صمت قليلاً وقد أحتفظ بملامح جامدة لا تعبر عن شىء ثم قال ببطء :

- ليه ؟

أنصرفت بوجهها فى الأتجاه الآخر وهى تفرك قبضتيها متوترةً ثم قالت:

- من فضلك .

أستدرج وهو يحتفظ بجمود ملامحه ويتفحص توترها:

- أنا بادربك مش بغازلك

 

لم تجبه ولم تنظر إليه فتقدم منها خطوة مما جعلها تعود بوجهها إليه وتنظر بعينين مترقبتين فجذبها من ذراعها بصمت

وأوقفها أمامه مرة أخرى وأحاط ذراعيها كما فعل من قبل ولكنه حرص هذه المره على خلق مساحة معقولة بين جسديهما ...

شعرت "ياسمينا" بشىء من الراحه أكثر وقالت مستوضحة :

- المسافه بينى وبين الهدف قريبه جدا

أنحنى قليلاً للأمام قائلاً:

- لأنك لسة مبتدئة ... والآن ضعى الهدف نصب عينيكى البنيتين وأجذبي السهم إليكى بقوة

ألتفتت إليه وقد تعجبت منه لذكره لـون عينيها فى تلك اللحظة فقال بحسم دون أن يلتفت لها :

- أنظرى للهدف فقط

أعادت وجهها للأمام مرة أخرى سريعاً وحاولت شد القوس بكل قوتها .. لم تستطع إلا جذبه قليلاً وأطلقته

فطار قليلاً فى الهواء وسقط على الارض على بُعد خطوات منها

****************************

نهض "نوار" وهم بأن يتحدث بغضب لولا أن أمسك لسانه فى اللحظه الأخيرة متذكراً أنه يقف أمام "سيسيان" الذى لا يرحم

وأبتلع ريقه وهو ينظر لأسفل ليهدء من نبرة صوته ويختار كلمات لا تُغضب " سيسيان " منه ثم بدا هادئاً وهو يقول بأدب جم:

- يا سمو الأمير أسمحلى .. أنا أعتقد أن وجود الأميرة "ياسمينا" مع رجل متوحش مثل "جاسر" شىء خطير جدا

أبتسم "سيسيان" هازئاً وهو يكرر:

- متوحش ؟

 

أشار "نوار" إلى يوم المسابقة فى قوله:

- يا مولاى ده كان متوحش جدا فى ساحة القصر يوم ...

قاطعه "سيسيان" بغضب وهو يصرخ فيه :

- المسابقه كانت مجرد أختبار .. أنا محدش يقدر يهزمنى ابدا

أنكمش " نوار " مكانه وتلعثم وهو يحاول تهدئة الأمر بينما نهض قائد الحرس وتقدم بجوار "نوار" ووضع يده على كتفه

وقال بمكر:

- صديقنا الأمير "نوار" متقلقش على مستقبلك فى المملكه أنت صديق مطيع وسمو الأمير "سيسيان" يحب الطاعة فى تصرفات أتباعه

هز "نوار" رأسه سريعا وهو يقول مؤكداً:

- طبعاً .. طبعاً

 

لمعت عينيى "سيسيان" بخبث واستدار فى مواجهة " نوار" وقال :

- صديقنا الأمير" نوار" ... أنت ووالدك مشهورين فى المملكه بالخلق الجم وسمو الروح والتطلع إلى السماء أكثر من الأرض ..

صحيح؟

أومأ "نوار" برأسه مؤكدا وهو يقول:

- صحيح يا سمو الأمير

تابع "سيسيان" وهو يسير بإتجاهه ويضع كفه على كتفه الآخر ويقول:

- وأنت شايف أن أنفراد الأميرة "ياسمينا" بجندى فى حديقته الخاصه وبأمر من الملك المنصور شىء غريب

يثير الأشمئزاز فى نفوس أصحاب الأخلاق مثلكم ... صحيح ؟

 

صمت "نوار" وقد أيقن أن "سيسيان" يريد منه شىء ما لا يريد الأفصاح عنه بشكل واضح ..

ألتفت "سيسيان" ينظر فى عينيى "نوار" نظرة آمرةً وهو يقول:

- بالتأكيد لما تتكلم فى الحكاية دى بين عامة الشعب هيشعروا بنفس أشمئزازك

ثم مال برأسه يساراً وهو يتابع بخبث:

- وبالتأكيد هتحصل على أحترام وتأييد كبير لك ولأسرتك بين شعب المملكة

 

تبادل "سيسيان" النظرات مع قائد الحرس بينما أيقن "نوار" أن "سيسيان" يعتمد على سمعته ووالده وأسرتهم من النبلاء

وثقة الناس برقى أخلاقهم وتطلعهم إلى مجد السماء أكثر من مجد الأرض ويأمره بشكل غير مباشر

بأن يمشى بين عامة الشعب بالتحدث فى خلق الأميرة "ياسمينا" وقائد الرماة " جاسر"

وتقليب الناس عليهم وأثارتهم ضدهم

 

لم يكن أمام "نوار" فى تلك اللحظة سوى الموافقة الضمنية على خطة "سيسيان" فهو كان يطمح فى أن يتزوج من الأميرة "ياسمينا" الجميلة ولكن من الواضح أن الأمر بات صعباً للغايه نظراً لرفضها الدائم له بجانب تطلعها إلى فنون الحرب والنزال وظهور "جاسر" ( المتوحش ) المفاجىء فى حياتها ...

فلماذا يخسر كل شىء لماذا لا يطيع "سيسيان" فى كل ما يأمر به لعله يفوز بشىء من السُلطة التى كان يتطلع إليها بجوار أميرة حسناء

وإن كانت تبغضه .

********************************

نظر" جاسر" إلى السهم المُلقى على الأرض ثم نظر لها بغضب قائلا:

- انا قلت أجذبى السهم .. مقولتش أطلقى

رفعت رأسها إليه ومالت برأسها يمينا فأنحدرت غرتها إلى اليمين مع أمالت رأسها ونظرت إليه بشك وهى تقول:

- وأيه الفرق ؟

زفر بقوة وهو يضع يديه فى خاصرته قائلا:

- فرق كبير جدا ..

ثم اشار إلى السهم وقال بشكل روتينى :

- خدى السهم والقوس وتحسسيهم جيدا .. لازم تشعرى بتفاصيلهم بين ايديكى .. لابد يكون فى علاقة بينك وبين سلاحك

وهم بالأنصراف فنادته ليتوقف وهى تقول :

- رايح فين

 

قال دون أن يلتفت :

- أعملى اللى قولتلك عليه

وقفت "ياسمينا" فى حيرة من أمرها وهى توزع ظراتها بين القوس فى يديها والحديقة من حولها لا تعرف ماذا تفعل كيف تتكون علاقة بين المتدرب وسلاحه ..

تناولت السهم من فوق الارض فى سرعه وبدأت تنظر إليه بتأمل شديد وهى تمرر أصابعها الصغيرة عليه تتحسسه كما أمرها شعرت ..

بنعومته المغلفه بالقسوة والحدة ورأسه المدبب الذى صُمم خصيصاً ليقتل ..

وهنا هاجمتها خاطرة قوية ..

حتى وإن تعلمت فن الرماية والنزال وأتقنتها هل سيأتى يوم من الايام ستضطر فيه إلى قتل أحدهم .. هل ستجروء على سفك الدماء

حتى وإن كان دفاعاً عن نفسها وحياتها ومكانتها الخاصه ..

 

بين يديها القوة والسلاح ولكن فكرة سفك دماء أنسان كانت شديدة عليها جدا جعلتها تتردد وتفكر فى العودة ..

ونسيت أو خبرتها الضعيفه جعلتها تتناسى أمراً هاماً ..أن القوة ليست دائما لسفك الدماء وأنما خُلقت القوة ايضاً للدفاع عن الابرياء

ومنع سفك دمائهم ...

أخرجها "جاسر" من تشتتها وهو يقول عائداً :

- وصلتى لـفين ؟

 

ألتفتت إليه متفاجأة مما سمح له أن يرى الحيرة والتشتت فى عينيها وحركات جسدها ورأسها المترددة فقال وهو يقترب منها :

- هنعيد التدريب تانى والمره دى مفيش أى خطوة غير بأمر مني

رفعت راسها بعصبية وقالت بتكبر:

- انت متأمرنيش أنا هنا الأميرة

 

جذبها من رسغها وسار بها بقوة بأتجاه السور العالى وهى تعدو خلفه وهى تتملص منه ولا تستطيع اللحاق به

وهو يسحبها خلفه وأخيراً دفعها بأتجاه الباب اسفل السور والذى يفصل بين الحديقة والغابه وترك يدها ..

أمسكت رسغها بألم وهى تنظر إليه برهبة وهو يقول:

- دى آخر مره اسمحلك تكلمينى كده .. أنتى هنا فى مملكتى الخاصه يعنى أتى هنا مجرد متدربة وبس ..

وأشار إلى الباب وهو يقول محذرا:

- ويا أما تطيعى أوامر المعلم يا أما تخرجى من هنا ومترجعيش تانى

 

دفعته بعيداً أو هكذا ظنت انها تدفعه فهو لم يتحرك على اثر دفعتها وخطت خطوات سريعه اقرب إلى العدو بأتجاه مربيتها " مودة "

وما أن مرت بها فى ثورتها الغاضبه التى جعلت مرورها كالعاصفه وقالت بغضب :

- أتبعينى ..

ألقت "مودة" نظرة على المكان "جاسر" الذى كان يتقدم نحوها بجمود ثم أنصرفت خلف "ياسمينا" على الفور