الفصل الأول

18 0 00

كان يا ما كان فى سالف العصر والآوان من عصور مضت بعيدة وحضارات بدت رشيدة وهى فى الأصل سحيقة ...

قصر مشيد أعلى ربوة كبيرة على أطراف المدينة ، ترتفع حوله الأسوار لتفصله عن الأنظار ، وحول الأسوار أبراج عالية

تراقب الخارج والداخل من الأشرار وبداخله بستان زُرع فيه كل أنواع الأشجار ، ويعلوه قبة مرتفعة خطيرة شديدة الإنحدار .

هذا القصر للملك المنصور ، هذا الملك الذى ذاع سيطه بعد توليه الحكم بشهور،

 

وبعد سنين وعقود ماتت زوجته وتركته وحيدا ً حزينا ً ولم يخفف عنه بعض أحزانه إلا ابنته الأميرة " ياسمينا " وولده الأمير " سيسيان ".

كانت الأميرة " ياسمينا " هى الأقرب إلى والدها الملك لشدة قربها من والدتها قبل وفاتها ولتقارب ملامحهما إلى حد كبير

فلقد ورثت الأميرة ياسمينا جمال والدتها ورقتها ومكانتها الفريدة فى قلب الملك ، لذلك يحقد عليها أخيها الأمير " سيسيان "

ويكرهها ويتمنى إزاحتها عن طريقه ليمتلك قلب والده وحده ، وليمتلك الحكم أيضا وحده ..

 

ولقد كانت الأميرة تشعر بذلك وكم كانت تكره ضعفها أمامه لذلك كانت تبغض كونها أنثى رغم حسنها ورقتها

إلا أنها بعد وفاة والدتها ظلت دائما تحاول الظهور بمظهر القطة الشرسة المتنمرة فتحولت أنوثتها إلى كبرياء وغرور

وطغت على ملامحها القسوة والامبالاة ولكن كل هذا لم يكفى بعد مازالت تشعر بالضعف مازالت أنثى رغما عنها .

لذلك تطلعت إلى ماهو أكبر من القسوة والغرور تطلعت إلى فنون الرجال ، الحرب وأسحلتها القاتلة آن ذاك ...

وألحت على والدها أن يأتى لها بقائد الجيوش كى يعلمها فنون القوس والسهم وضرب السيوف .

 

رفض فى البداية ولكن تحت إلحاحها وأصرارها الرهيب اضطر إلى الموافقة على طلبها الغريب ، شعرت الأميرة بالسعادة والإنتصار

فها هى ستتعلم فنونهم أخيرا لتحاكى الرجال .

واستعدت إلى ذلك اليوم الذى ستبدأ فيه أول أيامها فى عالم الرُماة ..

لكنها لم تكن تعلم ماذا ينتظرها هناك .

********************

- إنت بتقول إيه يا قائد الحرس .. أنا عاوز أشوفه فورا ً

إرتبك قائد الحرس وقال بخوف واضح :

- يا مولاى أرجوك إهدأ قليلا ً قائد الجيوش تابعك المخلص من سنين .. أرجوك يا مولاى المنصور تسمعه

أومأ الملك بعينيه موافقا ً على مضض فانحنى قائد الحرس أمامه وخطى خطوات للخلف وذهب إلى باب القاعة الملكية

وأمر الحراس بالنداء على قائد الجيوش .. خطى قائد جيوش المملكة خطوات بطيئة وهو يدلف إلى القاعة الملكية

وعندما اقترب من الملك إنحنى قليلا ً وقال بجمود :

- مولاى

هتف الملك المنصور فجأة بعصبية واضحة وهو يؤنب قائد جيوشه قائلا:

- من إمتى بتناقش أوامر الملك يا قائد الجيوش

ابتلع قائد الجيوش ريقة بصعوبة وهو يبذل جهد حتى لا يظهر توتره قائلا:

- عمرى ما ناقشت أوامر مولاى لكن .. لكن أنا فى النهاية قائد جيوش المملكة ولو كان على تعليم الأميرة فنون الرماية

أنا هجيبلها أفضل الرماة فى صفوف الجيش .

كان الأمير "سيسيان " يجلس عن يمين أبيه ويتابع ما يحدث بصمت وانتباه وعندما إنتهى قائد الجيوش من عبارته

وقبل أن يهتف والده مرة أخرى مال بأتجاه ابيه قليلا وقال هامسا ً:

- بعد اذن مولاى كلام قائد الجيوش معقول .. ازاى قائد الجيوش يترك مهامه العظام وييجى يعلم الأميرة الرماية .

نظر إليه والده بطرف عينه وهو يهتف بحنق :

- عاوزنى أئتمن جندى على أختك الأميرة ياسمينا يا سيسيان ؟

 

تدخل قائد الجيوش وهو ينحنى مرة أخرى قائلا برجاء:

- مولاى .. ده مش مجرد جندى .. ده قائد الرُماة فى صفوف الجيوش يا مولاى .. ولا يشق له غبار فى السهم والقوس والسيف

يا مولاى المنصور

بدا على وجه الملك الإقتناع قليلا ً ومن ثم بدء يهدأ وتنخفض نبرة صوته الحادة وقال متمتماً وهو ينظر لولده:

- لكن الأميرة طلبت قائد الجيوش بنفسه

قال" سيسيان "وهو يتبادل مع قائد الجيوش وقائد الحرس النظرات الساخرة دون ان يلاحظهم الملك:

- الأميرة "ياسمينا "مازالت صغيرة يا مولاى ومن السهل إننا نقنعها بإنشغال قائد الجيوش بمهام أكبر وأعظم تخص مصير المملكة .

زم الملك شفتيه وعقد جبينه وهو ينظر إلى الفراغ بتركيز ووقف الجميع فى صمت ينتظرون القرار وبعد قليل أومأ برأسه موافقا ً

وأشار نحو قائد الجيوش آمرا ً:

- أحضر قائد الرُماة حالا ً

******************

انزوى الأمير "سيسيان" فى زاوية بعيدة من حديقة القصر بصحبة قائد الحرس الملكى وقائد جيوش المملكة وهو يضحك

مشيراً إلى صدر قائد الجيوش قائلاً بسخرية:

- قائد الجيوش والأميرة المُدلـلة

تبادل قائد الجيوش النظرات الغاضبة مع قائد الحرس ثم قال بإنفعال:

- مولاى الأمير الأمر إنتهى ومفيش أى داعي للسخرية

توقف " سيسيان " عن الضحك ونظر إليه نظرة ماكرة وهو يقول:

- تنكر إنى أنقذتك بإقتراحي

إبتسم قائد الحرس إبتسامة جوفاء وهو يقول :

- لا طبعا يا مولاى محدش يقدر ينكر أفكارك النافذة .. لكن إحنا برضه مش ضامنين ولاء أمير الرُماة وده شىء مُقلق جداً

قطب " سيسيان " جبينه بشدة ونظر إلى قائد الجيوش متسائلاً :

- يعنى أيه .. طيب أزاى يبقى فى منصب خطير زى ده

أجابه قائد الجيوش بإقتضاب:

- متميز... لا يشق له غبار ولم يتفوق عليه أى جندى سواء فى التدريبات العادية أو حتى الحروب اللي خضناها منذ إلتحاقه بالجيوش ..

رغم صِغَر سنهِ

عقد "سيسيان " كفيه خلف ظهره وسار ببطء قليلاً أمامهما ثم عاد وإلتفت إليهما وهو يشير بسبابته إليهما قائلاً:

- مش مهم ولاؤه حاليا .. المهم إنه يبقى زيه زى زُملاءه الجنود والقاده فى جيوش المملكه .. يُطيع الأوامر بدون تفكير ..

أو تردد

********************************

لا ليست جنية من جنيات الأساطير كما يظنها من يراها من بعيد بين أحواض زهراتها اليانعة بل هى أميرة يافعة فى بستان قصرها الكبير .. بداخلها رغبة قوية تحاول دفعها بشدة حتى لا تنحنى ولو قليلاً لتستطيع إستنشاق شذى الزهور المختلفة الألوان حتى لا تظهر بمظهر الأنثى الرقيقة التى تحب الورود والرياحين .. تريد أن تبقى شامخة كقبة قصرها العالية ..

إكتفت بأن تنظر حولها نظرة خاطفة بطرف عينيها ومدت أناملها الصغيرة تتلمس أوراق الزهور فى الخفاء ولكنها توقفت فى الحال عندما سمعت حفيف الحشائش خلفها وشدت قامتها تنظر أمامها فى شموخ تنتظر القادم ..

حينها إقتربت منها وصيفتها المقربة ومُربيتها الطيبة " مودة "

.. إقتربت " مودة " أكثر ووقفت غير بعيدة من الأميرة "ياسمينا" ودون أن تنحنى كعادتها قالت :

- عذراً سمو الأميرة لكن يوجد أمر هام لازم أبلغك بيه

 

أبتسمت " ياسمينا " أبتسامة خفيفة وهى تتفحص قسمات الجدية المشوبة بالقلق البادية على وجه مُربيتها

وقالت :

- خير يا " مودة " بَشريِ

توترت " مودة " بعض الشىء وهى تقول :

- ليست بشرى يا سمو الأميرة .. قائد الجيوش خرج فى مهام عظيمه خارج المملكه وفى شخص تانى هيتولى أمر تدريبك

أنهت " مودة " عبارتها وهى تنظر إلى وجه " ياسمينا " تنتظر من أين ستبدأ أمواج غضبها وكيف ستنتهى .. ولم تنتظر كثيراً ..

تحولت " ياسمينا " فى اقل من الثانيه إلى قطة شرسة وضغطت قبضتها بقوة وهى تزم شفتاها وإلتفت إلتفاتة غاضبة

وسارت فى إتجاه قاعة الحكم حيث والدها الملك وهى تدهس الحشائش بلا رحمة وبدأت تموجات شعرها المنسدل خلف ظهرها

وعلى كتفيها تستجيب لتلك الشحنة الغاضبة فتضرب بعضها بعضا وتنتفض كأن البحر الهادر يسكن طيات شعرها

ويتخبط خلف ظهرها فى عنف .. من ذا الذى يجرؤ على مخالفة أوامر سمو الأميرة هل أصبحت ذليلة إلى هذا الحد

هل يستهان بها وبأوامرها ويُضرب بها عرض الحائط بسخرية .. إندفعت فى إتجاه البلاط الملكي

والأبواب المغلقة تُفتح أمامها على مصراعيها حتى وقفت أمام والدها وإنحنت بكبرياء وغرور

قائلة:

- مولاى الملك .. فى أمر جلل لازم أناقشه معاك

أبتسم الملك لها بحنان جارف وأومأ برأسه مُجيباً :

- تقصدى أمر قائد الجيوش .. صحيح ؟

قطبت جبينها ونظرت إليه بتسائل وقالت بعصبية واضحة :

- صحيح يا والدى .. ومعنى كده إنك على علم بالأمر

نهض الملك من مجلسه وهبطت درجتين ليقف أمامها مباشرة وأحاط كتفيها بذراعه قائلا بأبتسامة حانية :

- حبيبتى إنتى عارفة مكانتك عندى كويس لكن قائد الجيوش خرج فى أمر عظيم يخص أمن المملكة وأمانها

والأمير اللى هيتولى تدريبك لا يشق له غبار

 

ألتفتت إليه بنظرات متسائلة يتراجع بها الغضب ويخبو قائلة :

- أى أمير يا والدى

قال كمن يقول أمراً معلوماً :

- أمير الرُماة

أبتسمت بسخرية وعادت إليها نبرتها الحادة وهى تقول بإستنكار:

- جندى !! جندى يتولى تدريب الأميرة ؟

أمسك والدها كتفيها وهو ينظر إليها قائلا :

- أمير الرُماة يعنى قائد كتيبة الرُماة .. مش مجرد جندي

عقدت ذراعيها فوق صدرها تبرماً وأطلت من عينيها نظرة مستنكرة .. حثها والدها على السير بجواره وهو يقول :

- هو فى الحديقة الخلفيه ينتظرك عاوزك تحتفظى بحماسك دايما

 

خرجت الأميرة " ياسمينا " بصحبة الملك إلى الحديقة الخلفية حيث ينتظرها هناك .. مُعلمُها الجديد ... " جاسر"